محمد شمس الدين البريفكاني
الأيزديون هذه الطائفة الكوردية الأصيلة، المتجذرة في التأريخ، تعرضت خلال المراحل التأريخية القديمة والمعاصرة الى العشرات من حملات الإبادة وعمليات القتل الجماعية المنظمة.
لكنها تمكنت من المحافظة على هويتها القومية ولغتها الجميلة وديانتها العريقة عبر آلاف السنين بشجاعة وإصرار دون اللجوء الى الوسائل القتالية، بل بإستخدام كل الوسائل السلمية، وفي أحيان كثيرة الهرب من وجه الأعداء والأحتماء بتضاريس جبال كوردستان الحصينة.
قدمت هذه الطائفة المسالمة من أجل حريتها والمحافظة على خصوصيتها وعدم الإنصهار في المجتمعات أو الديانات الأخرى الكثير من التضحيات الجسام ومئات الآلاف من الشهداء.
لكنها تمكنت من المحافظة على هويتها القومية ولغتها الجميلة وديانتها العريقة عبر آلاف السنين بشجاعة وإصرار دون اللجوء الى الوسائل القتالية، بل بإستخدام كل الوسائل السلمية، وفي أحيان كثيرة الهرب من وجه الأعداء والأحتماء بتضاريس جبال كوردستان الحصينة.
قدمت هذه الطائفة المسالمة من أجل حريتها والمحافظة على خصوصيتها وعدم الإنصهار في المجتمعات أو الديانات الأخرى الكثير من التضحيات الجسام ومئات الآلاف من الشهداء.
أقسى وأشد الهجمات التي تعرضت لها هذه الطائفة المسالمة الوديعة كانت أبان حكم الإمبراطورية العثمانية حيث كان التشدد الإسلامي هو السمة المميزة سواء على مستوى الدولة ونظامها السياسي آنذاك، أو على مستوى الشعوب الإسلامية{بضمنها الشعب الكوردي} التي كانت منضوية تحت راية الدولة العثمانية المترامية الأطراف.
لقد كادت تلك الحملات المؤلمة والرهيبة التي جرت عليهم بإسم الدين الإسلامي وبسبب تكفيرهم وإستباحة دمائهم ومحرماتهم أن تؤدي الى القضاء التام على الأيزديين الكورد، حيث جرت بحقهم أبشع الجرائم والمذابح التي تخجل من ذكرها الإنسانية، والتي راح ضحيتها مئات الآلاف من الشهداء لا لشئ سوى كونهم أيزديون أبوا إلا الحفاظ على دينهم وعقيدتهم.
للأسف ونتيجة للجهل الديني الذي كان سائدا بين الكورد، وتدني مستوى الوعي القومي والتمسك الشديد بالإسلام، والإنصياع التام الى الفتاوي التكفيرية التي كان يصدرها البعض من رجال الدين الذين تجردوا من إنسانيتهم وباعوا ضمائرهم الى الخلفاء العثمانيين لقاء هدايا ومناصب لدى السلطان، فقد شارك الكورد في الكثير من حملات القتل والإبادة التي جرت ضد إخوتهم الكورد الإيزديين، معتقدين نتيجة لتلك الفتاوي الباطلة بأن الأيزديين كفرة وإن قتلهم حلال.
وللأسف فقد بقي تأثير مثل تلك الفتاوي راسخا في عقلية الكثير من الجهلاء، وإمتدت الى فترات ليست بعيدة، وربما لاتزال الى يومنا هذا تعشعش في بعض العقول المتخلفة والمريضة التي تأبى إلا أن تعيش في ظلمات الفكر ودهاليزه الضيقة، بعيدا عن النور والإنفتاح ومبدا تقبل الآخر.
ميري كوره { الأمير محمد كور باشا الراوندوزي } الذي أسس إمارة سوران في راوندوز في مطلع القرن التاسع عشر، وكان يرغب في توحيد الأراضي الكوردية وبناء دولة أو كيان كوردي قوي ومتماسك يكون بإمكانه الصمود أمام الأطماع العثمانية والحكومة القاجارية في إيران والتصدي لها، وكان قد نجح الى حد بعيد في تحقيق هدفه الإستراتيجي حيث توسعت كثيرا حدود إمارته وسادها الهدوء والإستقرار، أسس مصانع السلاح وسك النقود بإسمه، عقد إتفاقية مع حكومة إيران القاجارية بعد أن إعترفت بسلطانه وإمارته، واجه بشجاعة المطامع العثمانية وتصدى لحملاتها العسكرية التي لم تتمكن من تحقيق أي إنتصار عسكري، وكان آخر حملة هي تلك التي أرسلها السلطان محمود الثاني بقيادة رشيد باشا في سنة 1836م ، وبعد أن عجز هذا القائد عن تحقيق إنتصار حاسم على الأمير الراوندوزي لجأ الى إستخدام ورقة الدين فإتصل برجل الدين ملا محمد خطي الذي كان مستشارا دينيا للأمير وذو مكانة كبيرة بين الناس وكلمته مسموعة فوعده رشيد باشا بالكثير وأجزل له العطاء، فأصدر فتوى بتحريم قتال جيش السلطان الذي هو خليفة المسلمين، مما دفع بالمقاتلين الكورد الذين كانوا شديدي التمسك بالإسلام الى رمي أسلحتهم والإمتناع عن القتال، فإضطر محمد باشا الى تسليم نفسه بعد أن وعده رشيد باشا بالعفو فنقل الى تركيا ثم قتل في الطريق سنة 1837م وبذلك راح هو وإمارته ضحية لفتوى رجل دين خائن ومتخلف.
الجانب السئ والمشين في حياة وشخصية الأميرمحمد باشا كان الجانب الديني، فقد كان متمسكا يالإسلام الى حد التطرف حيث كان الدافع الديني يعلو عنده على الدافع القومي مما دفعه الى محاولة فرض الدين الإسلامي على الكورد الأيزديين بالقوة بإعتبارهم كفارا حسب إعتقاده، وعندما لم ينجح في تحقيق رغبته تلك بسبب إصرار الأيزديين على المحافظة على دينهم وإستعدادهم للتضحية والموت دفاعا عنه، شن الأمير محمد حملات شرسة على مناطقهم الواقعة في أطراف الموصل وتعامل معهم بقسوة شديدة متناسيا بأنهم أبناء قوميته الكوردية، فأوقع فيهم المذابح الشنيعة وعمل فيهم قتلا وتعذيبا، أيضا لا لشئ إلا لكونهم إيزديين رفضوا التخلي عن دينهم، وتلك جريمة بل وصمة عار لايمكن أن يغفرها له التأريخ وسوف تذكر دائما كلما ذكرت بطولاته أو أمجاده.
لقد بقيت هذه الطائفة تعاني والى وقت قريب من أنواع مختلفة من الظلم الإجتماعي والتعسف الديني، وكأن قدرهم هو أن تكون المعانات نصيبهم الدائم والآلام طريقهم والتضحية والشهادة سبيلهم الوحيد للحفاظ على خصوصيتهم.
وقد جرت محاولات كثيرة من قبل أطراف عديدة لتشويه دينهم وتسفيه عقيدتهم وتعريب قوميتهم وتغيير أسماء مدنهم وقراهم، إلا أن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل أمام صلابة موقف الأيزديين وتمسكهم الشديد بدينهم وقوميتهم ولغتهم الكوردية التي يعتزون بها ويعتبرونها لغة الجنة.
وبالمقابل فقد تفهم الكورد معانات إخوتهم الأيزديين الطويلة وأولوها أهمية متميزة، خاصة بعد إنتفاضة آذار 1991 وتشكيل حكومة أقليم كوردستان التي قيمت عاليا تمسك الأيزديين بكرديتهم ودورهم المشرف في نظال الحزب الديمقراطي الكوردستاني والحركة التحررية الكوردية، حتى أصبحت الأيزدياتي علامة مضيئة ومشرفة في تأريخ ونضال شعبنا الكردي وجزء لايتجزأ منه، بل أكثر من ذلك فقد قال السيد مسعود بارزاني رئيس أقليم كوردستان في أكثر من مناسبة: الأيزديون أكراد أصلاء وإن لم يكن هناك إيزدياتي فلن يكون هناك كوردايتي.
من هنا نستطيع أن نستنتج مدى الإهتمام الواسع الذي حظي به الأخوة الأيزديون في أرضهم ووطنهم كوردستان، والمكانة الكبيرة التي أصبحوا يحتلونها وبجدارة وإستحقاق بين أبناء شعبهم الكوردي الذي إحتضنهم وفتح أمامهم كل الأبواب ليشاركوا بفاعلية في عملية البناء والتطور والتحولات السياسيةالتي بدأت تجري في أقليم كوردستان.
إن هذه الأوضاع الجديدة والتطورات الإيجابية الكبيرة التي حدثت في الأقليم، وأجواء الحرية والديمقراطية والإنفتاح التي أصبح يعيشها ويمارسها ويتمتع بها ليس فقط أبناء الشعب الكوردي، بل كل الذين يتقاسمون العيش على أرض كوردستان بمختلف قومياتهم ودياناتهم وطوائفهم، وأيضا تثبيت المادة 140 كأحد المواد الأساسية في دستور العراق الجديد، وإصرار حكومة أقليم كوردستان على ضرورة العمل بهذه المادة التي من شأنها تطبيع الأوضاع في الموصل وكركوك وإعادة إلحاق كل الأجزاء التي عمل نظام البعث المنهار على إستقطاعها وتعريبها وإلحاقها بمناطق أخرى خارج حدود أقليم كوردستان في مقدمتها قلب كوردستان النابض كركوك، وبالتأكيد فإن شنكال هي أحد الأقضية المهمة التي إختطفها البعث من أصالتها الكوردية وألحقها ظلما بمدينة الموصل.
ونظرا لإقتراب البدأ بتنفيذ وتطبيق هذه المادة، وحتمية عودة شنكال المدينة الكوردية الأصيلة الى أحضان الوطن الأم كوردستان، فقد جن جنون الأوغاد من أيتام صدام وإرهابيي القاعدة وعصابات الإسلام السياسي الظلامية الذين أبوا إلا أن يسيروا على خطى سيدهم ومعلمهم الطاغية المجرم صدام حسين الذي ملأ أرض العراق من شماله الى جنوبه بالمقابر الجماعية ومزج تربته الطاهرة بدماء الضحايا الأبرياء، فقام هؤلاء الأوغاد بعملية قذرة جبانة لطخت وجوههم الكاحلة المريضة بالخزي والعار والذل.
خرجت قوى الشر من أوكارها العفنة ودهاليزها المظلمة لتشن هجوما إرهابيا قاسيا وغادرا مساء يوم الثلاثاء 14 ـ 08 ـ2007 على مدينة شنكال وتحديدا على مجمعي سيبا شيخ خدرا وكر عزير الآمنين.
أربعة سيارات مفخخة بالموت، خطط لمسيرتها وقادها روبوتات بشرية ومجرمون لاينمتون الى عالم الإنسانية بصلة، قلوبهم متحجرة، مجردون من كل القيم والمبادئ والأخلاق، حولت القريتين في لحظات الى أنقاض، زرعت الموت في كل أرجاء المكان، إمتزجت دماء أبنائها الأبرياء العزل بتربتها الطاهرة، تناثرت أشلاءهم، وإرتفع الى السماء أنين الجرحى وصراخ المنكوبين،
لقد كانت غزوة شنكال كما يسميها الظلاميون جريمة دنيئة إرتكبت بكل وحشية ضد أناس أبرياء يؤمنون بالسلام، ويتطلعون الى الشمس من أجل غد أفضل ومستقبل مشرق، ولم يكونوا يوما طرفا فاعلا في أية نزاعات أو معادلة سياسية أو محاصصة طائفية، ولم يشكلوا خطرا على أحد، لذلك كانت بحق كارثة حزينة ومؤلمة إهتز لها الضميرالإنساني في كل مكان، أعادت الى الأذهان ذكريات حلبجة والأنفال بكل مرارتها وأحزانها.
لقد توهم الإرهابيون بكل فصائلهم الشريرة بأن مثل هذه الجرائم ستؤدي الى تحقيق غاياتهم الخبيثة في النيل من وحدة شعبنا الكوردي وتعكير صفو حياته والعبث بأمنه وإستقراره، وبالتالي ستدفع الكورد الى ترك مناطقهم وإخلاءها بغية عدم إعادة إلحاقها بأقليم كوردستان، لكن من الواضح إنهم يجهلون تأريخ الشعب الكوردي، ويجهلون شجاعته وقيمه وأخلاقه وتماسكه في وجه أي عدوان أو إعتداء خارجي، وأيضا تمسكه الشديد بأرضه وعدم إستعداده للتخلي عن أي قطعة منه.
كانت كل حساباتهم خاطئة ومخططاتهم فاشلة، فما أن إنتشرت أنباء تلك الجريمة النكراء حتى سارعت حكومة أقليم كوردستان وعلى لسان السيد رئيس الأقليم مسعود البارزاني بالتنديد بها والإيعاز بالتحقيق ومتابعة الجناة وكل من آواهم وقدم لهم المساعدة وتقديمهم الى المحاكم، وأمر بإرسال قوات من الجيش والبيشمركة لتطويق المنطقة وتوفير الحماية لها، وإنهالت المساعدات على المنطقة المنكوبة من كل الجهات الرسمية والشعبية من كل مناطق كوردستان، وهرع المئات من أبناء شعبنا الكوردي في منطقة شنكال ودهوك للوقوف الى جانب إخوتهم الكورد الأيزديين في محنتهم المؤلمة، وإمتلأت المستشفيات بالشباب من الكورد والمسيحيين والأيزديين ليتبرعوا بدمائهم للجرحى، وليبرهنوا بأن الدم الكوردي واحد يسير في عروق مختلفة.
لقد كانت بحق سمفونية رائعة للحياة ولوحة سوريالية إمتزجت فيها الألوان والأطياف والخطوط، وطغى على تلك اللوحة معنى واحد هو معنى التلاحم والأخوة الصادقة بين كل مكونات شعب كوردستان، معنى القيم السامية والأخلاق النبيلة، وهذا هو الموقف الحقيقي لشعب وحكومة كوردستان تجاه أبنائه وأصدقائه ومحبيه.
نعم لقد كانت الكارثةحزينة ومؤلمة، وعدد الضحايا الأبرياء كان كبيرا، والجرح كان عميقا والنزف شديدا، لكن هذا هو طريق الحرية ليس مفروشا بالورود وثمنها الباهظ، لقد رسم شهداء وضحايا سيبا شيخ خدرا وكر عزير بدمائهم الزكية لشعبهم وأمتهم طريقا من نور يصل الى الشمس التي يقفون أمامها مصلين الى الله الواحد الخالق، أسمعوا صوت أمتهم ومعاناتهم الى كل دول العالم، وحققوا بإستشهادهم من المكاسب مالم يحققه الأحياء بنضالهم، رسموا بدمائهم إسم هاتين القريتين الصغيرتين على الصفحات الأولى من كبريات صحف العالم، وأصبحت الأزدياتي من خلال مأساتهم حديثا ساخنا في الأمم المتحدة والبيت الأبيض وكل الهيئات والمنظمات الدولية التي أستنكرت وأدانت تلك الجريمة.
لترقد أرواح شهداء سيبا شيخ خدرا وكر عزير، وجميع شهداء الكورد الأيزديين وشهداء الحركة التحررية الكوردية بهدوء وسلام في جنات الخلد، ولتبقى أرواحهم نجوما لامعة في سماء كوردستان نستدل بها طريقنا الى الحرية والكرامة، ولتبقى ذكراهم خالدة في قلوبنا وعقولنا نستمد منها معاني الإستشهاد والتضحية من أجل عزة وكرامة الكورد وكوردستان.
ختاما أوجه كلامي الى المسؤولين في بعض الفضائيات ووسائل الإعلام العربية الحاضنة والداعمة للإرهاب، والتي تأبى أن تنفلت من عقال العنصرية والشوفينية والرجعية من خلال تمسكهم بالتسميات العربية التي أطلقها سيدهم وولي نعمتهم المقبور صدام حسين على القرى والمدن الكوردية، فصدام حسين أصبح في عداد الموتى ونظامه وعهده أصبحا من الماضي البعيد والكريه، وإن سيبا شيخ خدرا وكر عزير هي الأسماء الكوردية الحقيقية والأصيلة للمجمعين المنكوبين والتي ستبقى الى الأبد، أما العدنانية والقحطانية التي نادت بها تلك الفضائيات، فهي أسماء شاذة وغريبة عن لغة وتأريخ الشعب الكوردي ماتت مع موت صاحبها.
وإن قوى الشر والجريمة لابد ستندحر وتنطوي في جحورها المظلمة الى أن تتآكل ويلفها النسيان، أما الشمس فلا يمكن إطفاءها والحياة لايمكن قتلها وعجلة النمو والتطور ومسيرة تطبيع الأوضاع في كوردستان لايمكن إيقافها، وإن أرواح شهدائنا الأبرار ستنبت زهورا وسنابل تعبق بها أراضي سيبا شيخ خدرا وكر عزيروتضفي عليها جمالا سرمديا يبقى مدى الأجيال.
لقد كادت تلك الحملات المؤلمة والرهيبة التي جرت عليهم بإسم الدين الإسلامي وبسبب تكفيرهم وإستباحة دمائهم ومحرماتهم أن تؤدي الى القضاء التام على الأيزديين الكورد، حيث جرت بحقهم أبشع الجرائم والمذابح التي تخجل من ذكرها الإنسانية، والتي راح ضحيتها مئات الآلاف من الشهداء لا لشئ سوى كونهم أيزديون أبوا إلا الحفاظ على دينهم وعقيدتهم.
للأسف ونتيجة للجهل الديني الذي كان سائدا بين الكورد، وتدني مستوى الوعي القومي والتمسك الشديد بالإسلام، والإنصياع التام الى الفتاوي التكفيرية التي كان يصدرها البعض من رجال الدين الذين تجردوا من إنسانيتهم وباعوا ضمائرهم الى الخلفاء العثمانيين لقاء هدايا ومناصب لدى السلطان، فقد شارك الكورد في الكثير من حملات القتل والإبادة التي جرت ضد إخوتهم الكورد الإيزديين، معتقدين نتيجة لتلك الفتاوي الباطلة بأن الأيزديين كفرة وإن قتلهم حلال.
وللأسف فقد بقي تأثير مثل تلك الفتاوي راسخا في عقلية الكثير من الجهلاء، وإمتدت الى فترات ليست بعيدة، وربما لاتزال الى يومنا هذا تعشعش في بعض العقول المتخلفة والمريضة التي تأبى إلا أن تعيش في ظلمات الفكر ودهاليزه الضيقة، بعيدا عن النور والإنفتاح ومبدا تقبل الآخر.
ميري كوره { الأمير محمد كور باشا الراوندوزي } الذي أسس إمارة سوران في راوندوز في مطلع القرن التاسع عشر، وكان يرغب في توحيد الأراضي الكوردية وبناء دولة أو كيان كوردي قوي ومتماسك يكون بإمكانه الصمود أمام الأطماع العثمانية والحكومة القاجارية في إيران والتصدي لها، وكان قد نجح الى حد بعيد في تحقيق هدفه الإستراتيجي حيث توسعت كثيرا حدود إمارته وسادها الهدوء والإستقرار، أسس مصانع السلاح وسك النقود بإسمه، عقد إتفاقية مع حكومة إيران القاجارية بعد أن إعترفت بسلطانه وإمارته، واجه بشجاعة المطامع العثمانية وتصدى لحملاتها العسكرية التي لم تتمكن من تحقيق أي إنتصار عسكري، وكان آخر حملة هي تلك التي أرسلها السلطان محمود الثاني بقيادة رشيد باشا في سنة 1836م ، وبعد أن عجز هذا القائد عن تحقيق إنتصار حاسم على الأمير الراوندوزي لجأ الى إستخدام ورقة الدين فإتصل برجل الدين ملا محمد خطي الذي كان مستشارا دينيا للأمير وذو مكانة كبيرة بين الناس وكلمته مسموعة فوعده رشيد باشا بالكثير وأجزل له العطاء، فأصدر فتوى بتحريم قتال جيش السلطان الذي هو خليفة المسلمين، مما دفع بالمقاتلين الكورد الذين كانوا شديدي التمسك بالإسلام الى رمي أسلحتهم والإمتناع عن القتال، فإضطر محمد باشا الى تسليم نفسه بعد أن وعده رشيد باشا بالعفو فنقل الى تركيا ثم قتل في الطريق سنة 1837م وبذلك راح هو وإمارته ضحية لفتوى رجل دين خائن ومتخلف.
الجانب السئ والمشين في حياة وشخصية الأميرمحمد باشا كان الجانب الديني، فقد كان متمسكا يالإسلام الى حد التطرف حيث كان الدافع الديني يعلو عنده على الدافع القومي مما دفعه الى محاولة فرض الدين الإسلامي على الكورد الأيزديين بالقوة بإعتبارهم كفارا حسب إعتقاده، وعندما لم ينجح في تحقيق رغبته تلك بسبب إصرار الأيزديين على المحافظة على دينهم وإستعدادهم للتضحية والموت دفاعا عنه، شن الأمير محمد حملات شرسة على مناطقهم الواقعة في أطراف الموصل وتعامل معهم بقسوة شديدة متناسيا بأنهم أبناء قوميته الكوردية، فأوقع فيهم المذابح الشنيعة وعمل فيهم قتلا وتعذيبا، أيضا لا لشئ إلا لكونهم إيزديين رفضوا التخلي عن دينهم، وتلك جريمة بل وصمة عار لايمكن أن يغفرها له التأريخ وسوف تذكر دائما كلما ذكرت بطولاته أو أمجاده.
لقد بقيت هذه الطائفة تعاني والى وقت قريب من أنواع مختلفة من الظلم الإجتماعي والتعسف الديني، وكأن قدرهم هو أن تكون المعانات نصيبهم الدائم والآلام طريقهم والتضحية والشهادة سبيلهم الوحيد للحفاظ على خصوصيتهم.
وقد جرت محاولات كثيرة من قبل أطراف عديدة لتشويه دينهم وتسفيه عقيدتهم وتعريب قوميتهم وتغيير أسماء مدنهم وقراهم، إلا أن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل أمام صلابة موقف الأيزديين وتمسكهم الشديد بدينهم وقوميتهم ولغتهم الكوردية التي يعتزون بها ويعتبرونها لغة الجنة.
وبالمقابل فقد تفهم الكورد معانات إخوتهم الأيزديين الطويلة وأولوها أهمية متميزة، خاصة بعد إنتفاضة آذار 1991 وتشكيل حكومة أقليم كوردستان التي قيمت عاليا تمسك الأيزديين بكرديتهم ودورهم المشرف في نظال الحزب الديمقراطي الكوردستاني والحركة التحررية الكوردية، حتى أصبحت الأيزدياتي علامة مضيئة ومشرفة في تأريخ ونضال شعبنا الكردي وجزء لايتجزأ منه، بل أكثر من ذلك فقد قال السيد مسعود بارزاني رئيس أقليم كوردستان في أكثر من مناسبة: الأيزديون أكراد أصلاء وإن لم يكن هناك إيزدياتي فلن يكون هناك كوردايتي.
من هنا نستطيع أن نستنتج مدى الإهتمام الواسع الذي حظي به الأخوة الأيزديون في أرضهم ووطنهم كوردستان، والمكانة الكبيرة التي أصبحوا يحتلونها وبجدارة وإستحقاق بين أبناء شعبهم الكوردي الذي إحتضنهم وفتح أمامهم كل الأبواب ليشاركوا بفاعلية في عملية البناء والتطور والتحولات السياسيةالتي بدأت تجري في أقليم كوردستان.
إن هذه الأوضاع الجديدة والتطورات الإيجابية الكبيرة التي حدثت في الأقليم، وأجواء الحرية والديمقراطية والإنفتاح التي أصبح يعيشها ويمارسها ويتمتع بها ليس فقط أبناء الشعب الكوردي، بل كل الذين يتقاسمون العيش على أرض كوردستان بمختلف قومياتهم ودياناتهم وطوائفهم، وأيضا تثبيت المادة 140 كأحد المواد الأساسية في دستور العراق الجديد، وإصرار حكومة أقليم كوردستان على ضرورة العمل بهذه المادة التي من شأنها تطبيع الأوضاع في الموصل وكركوك وإعادة إلحاق كل الأجزاء التي عمل نظام البعث المنهار على إستقطاعها وتعريبها وإلحاقها بمناطق أخرى خارج حدود أقليم كوردستان في مقدمتها قلب كوردستان النابض كركوك، وبالتأكيد فإن شنكال هي أحد الأقضية المهمة التي إختطفها البعث من أصالتها الكوردية وألحقها ظلما بمدينة الموصل.
ونظرا لإقتراب البدأ بتنفيذ وتطبيق هذه المادة، وحتمية عودة شنكال المدينة الكوردية الأصيلة الى أحضان الوطن الأم كوردستان، فقد جن جنون الأوغاد من أيتام صدام وإرهابيي القاعدة وعصابات الإسلام السياسي الظلامية الذين أبوا إلا أن يسيروا على خطى سيدهم ومعلمهم الطاغية المجرم صدام حسين الذي ملأ أرض العراق من شماله الى جنوبه بالمقابر الجماعية ومزج تربته الطاهرة بدماء الضحايا الأبرياء، فقام هؤلاء الأوغاد بعملية قذرة جبانة لطخت وجوههم الكاحلة المريضة بالخزي والعار والذل.
خرجت قوى الشر من أوكارها العفنة ودهاليزها المظلمة لتشن هجوما إرهابيا قاسيا وغادرا مساء يوم الثلاثاء 14 ـ 08 ـ2007 على مدينة شنكال وتحديدا على مجمعي سيبا شيخ خدرا وكر عزير الآمنين.
أربعة سيارات مفخخة بالموت، خطط لمسيرتها وقادها روبوتات بشرية ومجرمون لاينمتون الى عالم الإنسانية بصلة، قلوبهم متحجرة، مجردون من كل القيم والمبادئ والأخلاق، حولت القريتين في لحظات الى أنقاض، زرعت الموت في كل أرجاء المكان، إمتزجت دماء أبنائها الأبرياء العزل بتربتها الطاهرة، تناثرت أشلاءهم، وإرتفع الى السماء أنين الجرحى وصراخ المنكوبين،
لقد كانت غزوة شنكال كما يسميها الظلاميون جريمة دنيئة إرتكبت بكل وحشية ضد أناس أبرياء يؤمنون بالسلام، ويتطلعون الى الشمس من أجل غد أفضل ومستقبل مشرق، ولم يكونوا يوما طرفا فاعلا في أية نزاعات أو معادلة سياسية أو محاصصة طائفية، ولم يشكلوا خطرا على أحد، لذلك كانت بحق كارثة حزينة ومؤلمة إهتز لها الضميرالإنساني في كل مكان، أعادت الى الأذهان ذكريات حلبجة والأنفال بكل مرارتها وأحزانها.
لقد توهم الإرهابيون بكل فصائلهم الشريرة بأن مثل هذه الجرائم ستؤدي الى تحقيق غاياتهم الخبيثة في النيل من وحدة شعبنا الكوردي وتعكير صفو حياته والعبث بأمنه وإستقراره، وبالتالي ستدفع الكورد الى ترك مناطقهم وإخلاءها بغية عدم إعادة إلحاقها بأقليم كوردستان، لكن من الواضح إنهم يجهلون تأريخ الشعب الكوردي، ويجهلون شجاعته وقيمه وأخلاقه وتماسكه في وجه أي عدوان أو إعتداء خارجي، وأيضا تمسكه الشديد بأرضه وعدم إستعداده للتخلي عن أي قطعة منه.
كانت كل حساباتهم خاطئة ومخططاتهم فاشلة، فما أن إنتشرت أنباء تلك الجريمة النكراء حتى سارعت حكومة أقليم كوردستان وعلى لسان السيد رئيس الأقليم مسعود البارزاني بالتنديد بها والإيعاز بالتحقيق ومتابعة الجناة وكل من آواهم وقدم لهم المساعدة وتقديمهم الى المحاكم، وأمر بإرسال قوات من الجيش والبيشمركة لتطويق المنطقة وتوفير الحماية لها، وإنهالت المساعدات على المنطقة المنكوبة من كل الجهات الرسمية والشعبية من كل مناطق كوردستان، وهرع المئات من أبناء شعبنا الكوردي في منطقة شنكال ودهوك للوقوف الى جانب إخوتهم الكورد الأيزديين في محنتهم المؤلمة، وإمتلأت المستشفيات بالشباب من الكورد والمسيحيين والأيزديين ليتبرعوا بدمائهم للجرحى، وليبرهنوا بأن الدم الكوردي واحد يسير في عروق مختلفة.
لقد كانت بحق سمفونية رائعة للحياة ولوحة سوريالية إمتزجت فيها الألوان والأطياف والخطوط، وطغى على تلك اللوحة معنى واحد هو معنى التلاحم والأخوة الصادقة بين كل مكونات شعب كوردستان، معنى القيم السامية والأخلاق النبيلة، وهذا هو الموقف الحقيقي لشعب وحكومة كوردستان تجاه أبنائه وأصدقائه ومحبيه.
نعم لقد كانت الكارثةحزينة ومؤلمة، وعدد الضحايا الأبرياء كان كبيرا، والجرح كان عميقا والنزف شديدا، لكن هذا هو طريق الحرية ليس مفروشا بالورود وثمنها الباهظ، لقد رسم شهداء وضحايا سيبا شيخ خدرا وكر عزير بدمائهم الزكية لشعبهم وأمتهم طريقا من نور يصل الى الشمس التي يقفون أمامها مصلين الى الله الواحد الخالق، أسمعوا صوت أمتهم ومعاناتهم الى كل دول العالم، وحققوا بإستشهادهم من المكاسب مالم يحققه الأحياء بنضالهم، رسموا بدمائهم إسم هاتين القريتين الصغيرتين على الصفحات الأولى من كبريات صحف العالم، وأصبحت الأزدياتي من خلال مأساتهم حديثا ساخنا في الأمم المتحدة والبيت الأبيض وكل الهيئات والمنظمات الدولية التي أستنكرت وأدانت تلك الجريمة.
لترقد أرواح شهداء سيبا شيخ خدرا وكر عزير، وجميع شهداء الكورد الأيزديين وشهداء الحركة التحررية الكوردية بهدوء وسلام في جنات الخلد، ولتبقى أرواحهم نجوما لامعة في سماء كوردستان نستدل بها طريقنا الى الحرية والكرامة، ولتبقى ذكراهم خالدة في قلوبنا وعقولنا نستمد منها معاني الإستشهاد والتضحية من أجل عزة وكرامة الكورد وكوردستان.
ختاما أوجه كلامي الى المسؤولين في بعض الفضائيات ووسائل الإعلام العربية الحاضنة والداعمة للإرهاب، والتي تأبى أن تنفلت من عقال العنصرية والشوفينية والرجعية من خلال تمسكهم بالتسميات العربية التي أطلقها سيدهم وولي نعمتهم المقبور صدام حسين على القرى والمدن الكوردية، فصدام حسين أصبح في عداد الموتى ونظامه وعهده أصبحا من الماضي البعيد والكريه، وإن سيبا شيخ خدرا وكر عزير هي الأسماء الكوردية الحقيقية والأصيلة للمجمعين المنكوبين والتي ستبقى الى الأبد، أما العدنانية والقحطانية التي نادت بها تلك الفضائيات، فهي أسماء شاذة وغريبة عن لغة وتأريخ الشعب الكوردي ماتت مع موت صاحبها.
وإن قوى الشر والجريمة لابد ستندحر وتنطوي في جحورها المظلمة الى أن تتآكل ويلفها النسيان، أما الشمس فلا يمكن إطفاءها والحياة لايمكن قتلها وعجلة النمو والتطور ومسيرة تطبيع الأوضاع في كوردستان لايمكن إيقافها، وإن أرواح شهدائنا الأبرار ستنبت زهورا وسنابل تعبق بها أراضي سيبا شيخ خدرا وكر عزيروتضفي عليها جمالا سرمديا يبقى مدى الأجيال.
المانيــــــــا