عمار الحكيم تحت مرمى النيران

 رضوان العسكري

 لم يصبح الصباح حتى اعد الجميع عدته، لإعلان الحرب على الحكيم وتياره، بعدما فشلوا في إقناعه بالبقاء ضمن احزاب السلطة، فما كان تأجيله لهذا المشروع الا لإكمال عبد المهدي كابينته الوزارية، لكن يبدو ان الامر اصعب مما توقع الجميع، فالرجل بين نارين، نار سائرون التي تقاتل من اجل الاستحواذ على المناصب الحكومية، لبناء دويلات عميقة بالأصالة، خلفاً للدولة العميقة بالوكالة، ونار الفتح التي تريد ان تتقاسم كل شيء بينها وبين شركائها. 
مع ان الاثنين أعلنوا عن تخويل عبد المهدي باختيار حكومته بحرية مطلقة، وتنازلهم عن استحقاقاتهم السياسية والانتخابية، الا انهم لم يصدقوا لا مع جمهورهم ولا مع مرشحهم للحكومة، الذي كان بين الأمرين اهونهما اشد مرارةً من الآخر، الذي لا يقوى على ابتلاعه، فلا يكاد يدخل جوفه حكومته. 
الرجل بين العذر والمسؤولية، لأنه غير قادر على الاستقالة من الحكومة، فهو بين التحدي وتعلق الآمال عليه، ولا يستطيع الإعلان عن سبب التأخر وانحراف المشروع الحكومي، لقلة ناصره وضعف قراره، فمن خوله أقوى منه بطشاً، بمجرد إعلانه عن السبب الحقيقي وراء تأخر إكمال حكومته، سيجد نفسه وسط كم هائل من التهم الكيدية التي لا يمكنه التخلص منها، وسيجد نفسه على أبواب محاكم الدولة العميقة، فإعلامهم كفيل في ليلة واحدة ان يحمله كل شيء، صراعهم المحتدم, وفسادهم العميق, واستغلالهم للسلطة، مما يجعله عاجزاً أمامهم، في الدفاع عن نفسهن ونفي التهم المعدة له مسبقاً، فقضية مصرف الزوية خير شاهد.
تلك الامور هي من اضطرت الحكيم النأي بنفسه، عن الصراع القائم بين الحكومة من جانب والفتح وسائرون من جانب آخر، ليضع نفسه وحيداً في مرمى النيران، ولأنهم لا يجدون ما يهددونه به، اخذوا يلصقون اليه ما ليس فيه.
لن يقف الامر عند هذا الحد، فهناك شباك تحاك, ومشاريع يخطط لها, وتهم جديدة سترمى عليه، ولأن الامر سيكون عبارة عن كذب وتدليس، فلا يمكنهم عمل اَي شيء له، او لمن هو تحت لوائه، والا لو وجدوا عليه ما يدينه، لما انتظروا حتى هذه الساعة وهم سكوت، فما زالوا يبحثون تحت الانقاض البالية، عن سهم عتيق يرموا به فسطاطه، وما زالت محاولاتهم تبوء بالفشل.
هناك من سبقهم بتسديد الرميات تلو الرميات، ليعلنها جهاراً في وضح النهار، وقال قولته الشهيرة “سوف اجعل منهم منظمة مجتمع مدني، يوزعون الشاي في المواكب الحسينية” فبادره الحكيم عبر احد خطاباته قائلاً “ان خدمة الحسين شرفٌ لنا”.
انفراد الحكيم بالمعارضة، جعلته وحيداً في مواجهة احزاب السلطة، التي لا تستطيع الانسلاخ عن ماهيتها وتركيبتها البنيوية والحزبية، من الوعود الكاذبة, واستغلال الظروف, وتقديم مصالحهم الشخصية والفئوية على مصلحة البلد, والضحك المستمر على الجماهير الجاهلة، التي لا تميز السواد من الظلمة، بإطلاق الشعارات الرنانة في النهار، ليبتلعوها في الليل.
ان انتصار جناح المعارضة قائم على اساس واحد، وهو وقوف الجماهير الواعية المدركة للحقيقة، التي تتحكم بها عقولها لا ادوات الفاسدين، والاعلام المغرض المأجور، الجماهير التي تحركها الغيرة والحمية على البلد لا اعلام السوشيال ميديا، وقوفهم الى جانب المعارضة كفيل بفضح وكشف كل ما يدور في كواليس السياسة، لأنهم يستمدون قوتهم من قوة الشعب، الذي يبحث عن الإصلاح الحقيقي، والا لن تكون هناك فاعلية مؤثرة في تغيير مسار العملة السياسية، او مردود إيجابي منها، وعلى الشارع ان يميز بين الحقيقة والكيدية، فما بينهما اربعة أصابع فقط، فمن وضع أصابعه بين الأمرين رأى الحقيقة كما هي، ومن ازالهم التبس عليه الحق بالباطل، وضل في تيهةٍ من أمره.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين يحتدم النقاش بين الفينة والأخرى حول جدوى نقد “الإدارة الذاتية” في شمال وشرق سوريا، في ظل انقسام واضح بين من يعتبرها مشروعاً سياسياً واجتماعياً ضرورياً لإدارة المنطقة وحمايتها ، وبين من يراها نموذجاً سلطوياً يتزايد ابتعاده عن قيم الديمقراطية والعدالة والمساواة ، والسؤال الذي يُطرح بإلحاح: هل ما زال النقد مُجدياً ؟ وهل يمكن أن يُسهم في…

تصريح صحفي نعلن اليوم أنه تم التوافق على موعد انعقاد كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي رسميًا يوم السبت الموافق ٢٦ نيسان الجاري، كخطوة هامة ، واستحقاقًا سياسيًا يعكس طموحات شعبنا الكردي في سوريا. وقد جاء هذا الانجاز كتعبير عن إرادة أبناء شعبنا الكردي، وجهود دؤوبة بذلها المخلصون من مناضليه، وبدعم كريم من الأشقاء والأصدقاء وخاصة فخامة الرئيس مسعود بارزاني والاخ…

في هذا اليوم التاريخي، الثاني والعشرين من نيسان، نقف بكل إجلال واحترام أمام الذكرى السنوية لانطلاقة الصحافة الكُردية، والتي تجسدت في صدور العدد الأول من صحيفة “كردستان” في العاصمة المصرية القاهرة عام 1898، على يد الأمير مقداد مدحت بدرخان. تلك اللحظة لم تكن مجرد حدث عابر في تاريخ شعبٍ محروم من حقوقه، بل كانت نقطة انعطاف نوعي في مسيرة الوعي…

د. محمود عباس تمعنوا، وفكروا بعمق، قبل صياغة دستور سوريا القادمة. فالشعب السوري، بكل مكوناته، لم يثر لينقلنا من دمار إلى آخر، ولا ليدور في حلقة مفرغة من الخيبات، بل ثار بحثًا عن عدالة مفقودة، وكرامة منهوبة، ودولة لجميع أبنائها، واليوم، وأنتم تقفون على مفترق مصيري، تُظهر الوقائع أنكم تسيرون في ذات الطريق الذي أوصل البلاد إلى الهاوية….