وليد حاج عبدالقادر / دبي
لم يغب عن الوعي البشري منذ البدايات، ظاهرة نفسية هامة وخطيرة، وكمرض أصابت بعض من البشر، حفظتها الذاكرة البشرية ودونت ممارساتها بانعكاساتها المسلكية التي تفرعت أغلبها وتحولت إلى أمراض عديدة، اصبح فيه المصاب أقرب الى الهوس، ومتلازمة جنون العظمة، وكثيرة هي القصص والسير التاريخية التي وثقت حينها، ووصلت الينا وهي تختزن في سياقاتها مصائب وكوارث فظيعة أدرجت كممارسات شخصية، ولكن ممارساتها بكارثياتها انعكست على البيئة الجمعية، والتاريخ سرد حالات عديدة، كان الأبرز فيها ظاهرة عشق الذات كهوس، وظواهر أخرى أشبه ما تكون بالجنون بحثا عن لذة او طرفة،
ولعل قهقهة نيرون وهو يستلذ بحرقه روما وجلس يتأملها، هي واحدة من أكبر التجليات، ومعروف بأن هذا السلوك هو في جوهره باطني، لكنه لا يلبس أن يتوضح في مظاهر عديدة، واوضحها هي يتجلى في ازدواجية / تناقض المواقف والممارسات، والتي بدورها تتحول الى حالة من الرهاب النفسي تتدرج الى ارث استبدادي – قمعي للذات الفردية والجمعية ايضا بامتياز، فتنتج نوعا من الرمد العيني، يصبح فيه الأبيض اسودا كالحا، والأسود ابيضا بامتياز، والإستبداد كأكثر انواع الحرية تجليا، وفي الحالة هذه، تتوحد الأحاسيس والمشاعر، ولا تلبث جينات العظمة ان تطفح كمسدس رشاش تنطق بجمل ترغي وتزبد . تخون وتهزم وووو … ليفرض هنا سؤال محمل بإرث يوازي حجم المتناقضات ! .. و .. ليبدو بان هذه الأمور لن تفيد من دون تأسيس حلقة تبهرج حينا وتمهد احيانا في تخفيف صدمة وتناقضات الإزدواجيات، ومعه يتدرج الرهاب وصولا لإنتاج وخصخصة دفعة من المرابيع بعد إخضاعها والتأكد من براعتها في أداء المهام . فتتدرج الظاهرة إلى خطوتها التالية، وهي البحث في آلية إيجاد – صناعة وهم قداسوي، وهي في أغلبها تنتج ذاتها المستندة أصلا على لا شيء، يربطها بوعي او من دونه بالغيبيات، فتختلط ما بين الديني والبشري، في تجاهل كلي لمفهومي الخطأ والصواب كنقيضين حتى في الأديان ( عبس وتولى )، مع إدراكنا بأن بعضها تعود في أصولها إن الى عفوية المنشأ، او نتاج صدفة أو ظرف طارئ، ولكنها في الغالب صناعة ضخ ذاتوي متعوب عليه وبمرياعية تنظر أماما فقط، ومحوط بمركز وهمي حتى تخلق عند متلقيه هالة بأن المقدس تحفة لن يتكرر، فيفقده – للمرياع – حاسة التوازن الشخصي، بأن الظروف التي وفرت لمقدسه لو توفرت له لكان هو مكانه، و عليه فقد أصبح مقدسه حالة ذهنية لايخطئ و لن يتكرر . وفي هذه المرحلة يزداد شعور التضخم الذاتوي نموا بالترافق مع مقدمات لجنون العظمة، فيخال بأنه سيعيش أبد الدهر وتتشمل له جوقة تبرر أخطائه، ويستمر هو في حملته يؤجرم الآخرون وبوحي مخيالي يهيمن عليه بأنه دائما هو الأفضل، وعلى هذه الأرضية يلغي كل فرص النقاش والحوار، لأن كل ما يصدر منه هي في حكم التقيات المسلمة بها، وما على المتلقي سوى مهمة نشرها !! وعند الوصول الى هذا المنحى من السلوك والذي يظهر عادة على المصاب فيتوه في متلازمة المتناقضات، وديدنها مخاطبة الذات وفقط للذات كحالة انفصام شخصي متعدد، وشخوصه تتحاور مع بعضها البعض، لابل أنهم – الشخوص – يتداخلون ويتعاملون في نطاق صراع باطني تختلط فيهم الآراء وتتداخل، ولكنها، مع كل ذلك، ستخلق عند الآخر المختلف حق التساؤل استنادا على كل تلك المتناقضات : إذن ؟ ماهي المعايير ؟ نعم وكيف نقيم ؟ لابل و ندوزن الأمور ؟ .. كيف أصبح فلانا وطنيا من الطراز الأول ؟ وفلان خائن وعميل وووو ! .. خاصة عندما تتبدى سلوكية النرجسي وتتداخل عنده معايير الوطنية في مقاربة لها مع مقاييسه الموازية لنزعويته !!! وذلك في جبر حتمي إلى درجة القداسوية في تكذيب التوصيفات او صدقيتها ! مما سيدفعنا ثانية الى التساؤل ؟. هل في تحطيم المختلف حل للقضايا الخلافية وإنجاز للأهداف العظيمة، مثل تحرير وتوحيد كوردستان الكبرى ؟ . أم ان تخوين الآخر وعلى ارضية ذلك ستتعظم هالة اخلاصنا وستتشوش على اخطائنا ؟ وعليه كفرض واجب علينا أن نشبع نزعة نيروننا الذاتوي، ونتلهى معه على انغام الناي ومنظر روما بحريقها !، .. ورب سائل يسأل هنا : هل بالتفرد والإستئثار وركوب موجة ـ وحدي و بقيادتي فقط ـ ستنجز المهام العظيمة ؟ .إن أشد ما يغيظ النرجسي، هو تقبل فكرة وجود الآخر أو الأفضل منه ! وإصرار المختلفين معه في صياغة اجوبة لأسئلة متراكمة على شاكلة : أوليست ساحات العمل النضالي يفترض فيها وجود تقسيمي / تخصصي للعمل ؟ وطبيعي هنا، أن النزعوي سيحوط نفسه بمخارج عديدة، تكون له وحده، حتى لو كان هروبا، وفرقة طبالين بمراييع تبرع في تحويل الانكسارات الى نصر، والأخطاء إلى مؤامرة ! هي بالضبط حالة النزعوي، وقد تراكمت فيه نرجسياته فتدفعه الى معارك وحروب على امل ان تكون يثبت بأن قناعاته في حق نفسه صحيحة، وأن لا تخونه الفطنة ايضا في ايجاد تبريرات لأخطائه، وعليه فلا حرج على التابع أن يؤجرم الآخرين حتى وإن تم بوحي فئوي !! . أن النزعوي المشبع بنرجسية، لا يستطيع مجرد التنفس دون ان يجامله الآخرون ولو نفاقا، بل هو الذي يوفر المادة الخام لذلك، فيجعل من جميع أخطائه صفرا، وللآخرين أكداسا وجبالا، وهو من يصور للجاهل بانه فيلسوف زمانه، ومن الواعي جاهلا وذلك في سعي متقصد لأبعاد منافس مستقبلي، وهو نفسه المزهو يدعي فخرا بعقده المتراكمة فيهرب وراءا وقد تلبسه تقليده الأجوف رعبا يظل يرافقه ككريات دمه فيلجأ إلى تقليد نزعة مستبده، لابل ويرتمي في أحضانه . أن يتطبع أي كان بصفة المغلوب على أمره، ويتجاوز ما تآلف عليه مجاميعه ! حينها يجب ألا نتفاجأ !! بل أن نتذكر ؟ كم من جبان سيسعى للتطهر في معمدانية الرجولة ؟ . وكم من خائن سيتخفى تحت عباءة مناضل ؟ . ومع هذا ؟ هل بالتفرد والإستئثار وركوب موجة ـ وحدي ـ وفقط بقيادتي ستنجز المهام ؟ ومع هذا فليس كل ما يقال هنا هو غير صحيح !! بقدر ما أن تضخيمها وتناولها بهذه الطريق تصيبها في مقتلة . أن أشد حالات النرجسية خطورة تظهر في سعيها المتحول الى طوباوية فتكشف معها جملة أمراض مدمرة، لا يتأثر بها الحلقة الأضيق بقدر ما تؤثر على بينيات المحيط وتتسبب في نزاعات خطيرة تطرح مجددا أسئلة عديدة مثل : كيف لنا ان نسعى إلى مأسسة وعي فرضتها علينا ازدواجية مواقف وممارسات هي نتاج حالة من الرهاب النفسي التي تحولت الى ارث استبدادي بامتياز ؟ . وحيث أننا بحكم التجربة – ندرك جميعا – بأن النرجسي هو أكثر من ينشر وباحتراف صناعة القرف والكراهية ويستهلك فيها جهدا وبراعة مذهلة وبدقة متناهية تتساوى بامتياز منتوج مثيلتها في النخر البنيوي وعلى مبدأ نعرفه جيدا في نزعات الشخوص إياهم ! من تسعير للخلافات وتصعيدها توترا وخلق مبررات متتالية، الغاية منها كانت وبقيت للمراوحة مكانا ومسألة الشرخ توازيا و .. الأدهى في الأمر غباء الذاتوي في عدم إدراكه بأن طلاء اللمعان المتكرر يؤثر في جوهره، ويصل به إلى بقعة صفر ضوء، واستدراكا لهذا الأمر نراه يلتجئ الى مواربة أخرى ! طوطم يحتمي بظله، في استنزاف ممجوج لبريقه ! لا إقرارا بقدراته، بقدر ماهو استهلاك واستنزاف ممنهج لبعض من حسناته ! وعليه ! هل أولئك الذين يقبلون أن يصبحوا درايا يحمون بها نزعات ذاتية ؟ أن يبرر لهم ذات يوم ؟ وماذا عن النصيحة ؟ هل هم بحاجة لها مثلا ؟ او ! هل يدركون ماذا يفعلون ؟ . وهل ستليق بهم مستقبلا مقولة : لقد جرجروا ! … او !! لقد غرر بهم ؟ لاسيما أن النرجسي هاجسه الأوحد مبني وباحتراف على تغليب النزعة الدوغمائية / الدعائية على الهدف الأساس فتصبح البروباغندا هي الغاية التي يسخر لها كل الوسائل !! فتصبح الأهداف معلقة في السماوات هائمة تبحث لها لا عن موطئ قدم وانما … أجنحة !! يوهم النرجسي مجموعته بأن جل جهدة مسخر في البحث عنها . وبناءا عليه , وفي خاصية البناء الكردي السياسي منه والثقافي، وامام هكذا نماذج، سنكون بأمس الحاجة الى انفجار عظيم في الوعي تزيح عقلية الكنتنة والاقطاعات القبلية منها والسياسية، وتحترم فيها القناعات المختلفة، لا بتوليفها لصالح ( محمودكي – عثمانكي ) بل في الإقرار بها كوسائط للتشارك بدل السعي لشروخات بنيوية تستهدف التفتيت ومن جديد ضمن ( محمود كي و عثمان كي ) اللذان سيبقيان ومهما مطا أو انكمشا رسميا، مجرد ( كم عائلة كردية ) ليست إلا ؟ فيستأسد عليهم النرجسي من جديد كالأمير بين الفينة والأخرى، ولا يتوانى حين وجوب ممارسة الموقف، أن ينكمش كالقنفذ يخفي رأسه بين شوكه كطبل فارغ، في تطبيق دقيق ومتلازمة عملية لسايكولوجية الإنسان المقهور، وهي هنا نتاج تراكمات للقمع الذاتوي، حيث لازمة التوتر وتصديق الذات الفردية وحملها كل صفات الأنا المتضخمة، فتنكشف فيه نزعة المتسلق، ومع كل خطوة يخطو، يرمي بأشواكه وراءا لتتناثر ويتعرى، ويخف ثقله فيتهاوى ومثل ورقة صفراء يتدحرج، وعليه : أفلا يمكننا اختزال كل انعكاسات هذه الحالة بطرح هذا السؤال ؟ كيف تموت الأفكار الخلاقة وطموحات التطوير ويتراجع الجادون ؟ . والجواب وباختصار : حينما يجعل المتسقلون تلك الأفكار حصان طروادة لذواتهم ؟! لابد لها ان تنتج في الحالة الحزبية تلك العطالة التنظيمية / السياسية التي تصبح او كانت هي في الأساس غاية، فتشبه صمت بعض من الجنود في معركة تستهدف زملاؤهم وجوديا وهم يطالبون بتحسين أنواع الطعام والشراب ! .. أن عقدة التضخم الذاتوي تدفع بالمبتلي بها وكسلوك مرضي، إلى الظن بأنه ليس فقط الأجمل، بل الأوحد الذي يمتلك كامل الحقيقة ! لابل والوحيد الذي يمكنه أن يقود المعركة ! أكثر من نابليون .. و … ينسى بأن نابليون ذاته خسر معارك عديدة، هذه الحالة الرهابية تدفع متقمصها لوضع خطط لمعارك وهمية يسخر لها جيوشا وايضا وهمية، ورقع شطرنج بدمى، وسيل من التهم الموشاة سموما، والأدهى هي تلك المباهاة بأنه إنما يسعى لنجاة البشرية !. فيذكرنا بسرفانتس وكونته الأمير وصراعه مع طواحين الهواء لا اكثر . وهنا لابد من التأكيد من جديد أن أخطر المظاهر انتاجا للنرجسية هو انعكاس لرهاب واضطهاد ذاتي متراكب يوحي بأن العالم كله إنما يستهدفه، لأنه المنقذ الأوحد من الكارثة وتتوارد الاسئلة من جديد : من يعبث بعقلية من ؟! ومن يتكتك على من ؟! .. عندما تتحول القضايا الى سلة من المقايضات فتصبح الأساسيات مركونة في الثانويات وتضحى الأوطان كقرابين جاهزة لابل كروافع تزيد من علو ابراج المنسلخين عن ذواتهم فيصبحون وكأن الوطن ونفوسه إنما : قرابين على مذبح مجده ليس إلا !! وعليه فبالرغم من الطفح الجلدي والذي اشتغل عليه بعناية واتقان وبزمن لو استهلكه بعضهم لخدمة اجزاء كوردستان الأربعة لأفادت كثيرا جدا، ذلك الجهد الذي بذل أغلبه ولهدف واحد هو : تلميع الذات ونقل عدوى الذات كمرض مزمن معشعش، دارت والتفت، ودارت لتلتف من جديد الى عين النقطة لتؤجج لا ان تحل ! .. بل لتعملق الذات وكأكبر حامل للأمراض، وفي طرح للذات المرسلة مجددا كهادي في تجاهل لانتهاء عصر النبوة، والتسلح بجلد – jîjo – القنفذ واخفاء الرأس امام كل هزة، والركض وراءا أواماما، بحثا عن اي مخرج شخصي وجعلها تقوى نضالية ! .. وبخلاصة مكثفة : ان تكون قدوة وذي مبادرة في الازمات، عليك ان تلتزم بمعاييرها التي تتمثل في : التفاني والزهد في الشخصنة لا جعلها معيارا وبقداسوية ذاتية ؟ . وكلمة أخيرة لاولئك الذين ارتضوا البقاء تأريخيا في القطيعيات، ستدركون بأنكم مجرد أدوات تنقاد بمراييع ! وتحرككم أصداء أجراس حيثما يشاء موجهها، والذي هو في الأصل هاجسه الأوحد : خراب – روما – في ظن منه بأنه سيعمر أكثر من نيرون او انه – نيرون – بحد ذاته كان مجرد هاو .