الخسارة الكردية في اليانصيب التركي

مصطفى إسماعيل

ككل شعوب الشرق الأوسط قرر الكورد بدورهم الاحتفال بالهزيمة, وتبادل التهاني وكؤوس العيران على الهزيمة, والتهليل للهزيمة, والضحك على النفس والشعب والقضية والذقون في أعقاب الهزيمة.

ألا يستحق دخول 20أو 22 أو 23 أو 24 أو 25 أو 26 أو 27 أو 28 نائبا كورديا مستقلا (لا أعرف الرقم الحقيقي, فكل وسيلة إعلامية كردية أو عربية أو تركية تهدينا رقما, إذا كان لديكم الرقم الحقيقي أخبروني ولن أجزل لكم في العطاء) إلى البرلمان التركي الاحتفال ونصب أقواس النصر ورش الرز والسكر عليهم ونحر الذبائح عند أقدامهم وعقد حلقات الرقص والدبكة لهم؟.
أسباب ودوافع الاحتفالات بالهزيمة لدى الكورد في تركيا وكوردستان تركيا كثيرة منها أن النواب الكورد لم يدخلوا البرلمان التركي منذ 11 أو 12 أو 13 أو 16 عاما وربما منذ الحقبة النيوليتية أو منذ زمن جدنا الديناصور حين كان الكردي يشتري من السوبر ماركت بيضة ديناصور تكفيه مؤونة شهر كامل (لا أعرف الرقم….

فكل وسيلة إعلامية ….

إلخ), أما لماذا فإنهم لا يريدون إخبارنا بالسبب ففي حومة الجمهورية الديمقراطية والدعوات لها والصلوات لأجلها نسي الأفاضل الأسباب.

حتى يصرحوا لنا بالأسباب سيكون تفسيري كالتالي:
إما أن النواب الكورد خلال الدورات السابقة كانوا يذهبون إلى أنقرة ويجلسون على رصيف البرلمان لمدة خمس سنوات لأنهم لا يهتدون إلى الباب الصحيح ليدخلوا البرلمان.

أو ان النواب الكورد سابقا كانوا ينتخبون من قبل الشعب الكوردي ويركبون الباص الخطأ أو الطائرة الخطأ فلا يصلون إلى أنقرة وبالتالي البرلمان.

أو أن الشباب حين كانوا يصلون أنقرة كانوا يقصدون أقرب ثكنة عسكرية لأداء مناسك العمرة العسكرية وينسون البرلمان.

أو أن النواب الكورد وبمجرد وصولهم إلى أنقرة كانوا يلاحقون من قبل القومجية الأتراك ويكسر زجاج باصهم وراس سائقهم فيولون الأدبار وبالتالي لا يدخلون البرلمان.

وقد يعود سبب ذلك إلى أن الكورد هناك يتعاملون مع بطاقات الاقتراع تعاملهم مع بطاقات اليانصيب ويدور الدولاب بما لا يشتهي المرشح الكردي.
آلا آلا آلا هيييه.

انتصر الحق وزهق الباطل.

فنحن الشعب الكوردي الذي يتجاوز عشرين مليونا في تركيا وكردستانها أدخلنا وبشق الأنفس 20 أو 22 أو 23 ..

إلخ نائبا إلى البرلمان التركي.

نحن الذين نبلغ أكثر من عشرين مليون كوردي هناك ونشكل ثلث سكان تركيا كان يفترض بنا أن ندخل إلى البرلمان التركي المؤلف من 550 مقعدا اكثر من 180 نائبا.

ولكن ماذا نفعل بكل تلك المقاعد.

المهم في الأمر أننا أدخلنا إلى البرلمان ثمانية نساء.

تركنا أسباب الخيبة والنكسة الانتخابية جانبا وجرينا وراء الفرحة بانتخاب ثمانية نساء إلى برلمان أنقرة.


كانت استعدادتنا تامة لطلاء الهزيمة بالنصر, فنحن الكورد مثل شعوب الشرق الأوسط الأخرى دهانون بامتياز, من لديه هزيمة يتصل بنا ونطلي له أبوها كمان, وهكذا صرنا ننقل عناوين الصحف الغربية لكي ينطلي كذبنا على أنفسنا.

فانتصار النواب الكورد المستقلين له صدى في صحف العالم, ونسي الكورد هناك أنهم كانوا يشتمون رائحة الهزيمة قبل الانتخابات فدخلوها كمستقلين لا كقائمة حزبية لأن ثلث سكان تركيا (الكورد) ليس بإمكانهم تجاوز حاجز 10% الدستوري.

وبعد إحصاء الأصوات تبين ان ليس بإمكان الكورد في تركيا تجاوز حاجز 2% أيضا.

فالهزيمة كانت لهم بالمرصاد وفي عقر دارهم كوردستان وتحديدا مدنها: آغري, قارس, وان, أضنة, سمسور, ارضروم, وكذلك في المدينة التركية الكبرى استنبول التي يقيم فيها اكثر من ثلاثة ملايين كوردي مهجر من مدن كوردستان.

وفي آمد عاصمة كوردستان تركيا كانت الأصوات الكوردية أقل بكثير قياسا على انتخابات عام 2002 .


لم يتوانى محسوبون على حزب المجتمع الديمقراطي وعلى صفحات جريدة آزاديا ولات عن إحياء نظرية المؤامرة بعد أن رشوا عليها قليلا من الماء وتوضأت بالهزيمة الكوردية.

تقول نظرية المؤامرة في طبعتها الكوردية أنه وبعد اصطدام أنصار العلمانية (المؤسسة العسكرية, حزب الشعب الجمهوري) وحزب العدالة والتنمية وتقديم موعد الانتخابات البرلمانية, تم الاتفاق بين المعسكرين على إقصاء النواب الكورد عن المشهد السياسي, فقرروا نفخ كل جهودهم في قربة حزب العدالة والتنمية أو عجلته الانتخابية فاكتسح الحزب المدعوم صناديق كوردستان وكان ما كان.

ويقول مفسر كوردي آخر دائرا في فلك النظرية إياها أن الكورد في كوردستان كنوع من الانتقام من الدولة التركية ومن المؤسسة العسكرية التركية صوتوا لحزب العدالة والتنمية, ولا نفهم لماذا لم يصوتوا للنواب الكورد انتقاما من الدولة وصوتوا لحزب تركي هو عمليا مسؤول عن السياسة في كوردستان وتركيا.

المهم أن الحكي لم يعد يفيد وكل الأصوات الكردية ذهب ريعها إلى المسجد وعمامة أردوغان غير المرئية.

وأتوقع من كوردنا الأعزاء في تركيا أن يصوتوا بعد سنتين في الانتخابات البلدية بتشنج أكبر ضد الدولة فيخسروا كل بلديات كوردستان التي هي في قبضتهم الآن.
الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة كشفت عورات الكورد السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

هي كشفت عورات الكورد السياسية لأن الكورد بعد تضحيات الشيخ سعيد وإحسان نوري باشا وسيد رضا وانتهاء بثورة حزب العمال الكوردستاني لم يفهموا ما هي قضيتهم وما هي كوردستانهم, وهي كشفت عوراتهم الثقافية لأنهم لو كانوا يجيدون لغتهم الأم الكوردية لاكتشفوا ما هي الهوية ولأجابوا على سؤال الهوية وصوتوا للنواب الكورد, وهي كشفت العورات الاجتماعية لأنهم إلى الآن يعيشون مرحلة الولاءات ما قبل القومية, فمتملق عشائري كوردي مرتبط بدوائر القرار التركية يصوت عن كامل العشيرة والقرى التابعة لنفوذه لصالح العدالة والتنمية أو الشعب الجمهوري أو الحركة القومجية التركية وكفى بالصناديق الانتخابية شهيدا, وهي كشفت عوراتهم الاقتصادية لأن المال الكوردي يذهب إلى الحملات الانتخابية لأحزاب تركية تصادر الرائحة الكوردية هناك في بلد الـ 4000 قرية مهجورة والتهجير القسري ومجازر وادي زيلان ومجازر بحيرة وان وتصفية الصحفيين الكورد ومحاربة الصوت الكوردي.

ولكن يبدو أن لاحياء لدى إخواننا في كوردستان الشمالية, ويستحقون أكثر من ذلك بكثير.
العنوان العريض الذي سأضعه لنتائج الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة هو: السقوط الأخلاقي والسياسي للشعب الكوردي.

يجب عليهم منذ الآن وضع حزام أمان تركي حول عقولهم وخصورهم.

قبل أن يضيعوا في كراجات أنقرة.

فلقد ثبت ان حزب المجتمع الديمقراطي لم يغير طربوش الشعب الكوردي هناك بل غير رأسه أيضا , مع الفروة طبعا.


لماذا هذا الاحتفال بنجاح ثماني نساء لا أدري؟.
هل كل المجتمع الكوردي أصولي مريض حتى يعتبر انتصارهن معجزة.

هل كل المجتمع الكوردي فقهاء ظلام حتى يعتبر انتصارهن معجزة.

هل كل المجتمع الكوردي مشايخ ألترا مودرن حشريون على  فضاء الفتوى حتى يعتبر انتصارهن معجزة.

هل المرأة الكوردية كائن غير مسؤول وغير عاقل وغير مؤهل وغير سوي حتى يعتبر انتصارهن معجزة.

أم أن انتصار ثماني نساء وسط مجتمع محكوم من الديكة وتنتهك فيه حقوق الدجاجات هو المعجزة؟.
المطلوب بعد هذه الهزيمة الانتخابية / الفضيحة الانتخابية, وهي فضيحة بجلاجل على رأي أصدقائنا المصريين حل أو إلغاء حزب المجتمع الديمقراطي وطرد أحمد تورك وآيسل توغلوك والذين معهم.

فلجنة التحقيق التي شكلوها هي لذر الرماد في العيون, والتمويه والبر بتقاليد الدمقرطة ليس إلا.

أليسوا هم المسؤولون عن خطاب سياسي لا حول له ولا قوة, ومتهافت أيضا لم ينتج سوى إهداء الأصوات الكوردية لحزب العدالة والتنمية, الذي أنكر رئيسه أردوغان قبل اشهر وجود قضية كوردية في تركيا وشبهها بزوجته أمينة أردوغان.

يبدو أن أردوغان كان محقا فتصريحات رئيسة حزب المجتمع الديمقراطي آيسل توغلوك في الحملة الانتخابية والتصرفات اللاحقة للانتخابات أظهرت للعيان الزواج الكاثوليكي بين القضية الكردية وأتاتورك.
الغريب في الأمر الكردي هناك في تركيا أن كل الاستئصال السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي التركي, الذي مورس على الكرد هناك, لم يحدث ثورة في وعي الناخب الكردي, الذي يصوّت لحزب العدالة والتنمية وهو يبتسم ويضحك ويشهر بلادته علينا.

جزاه الرب خير الجزاء إذ يستميت في الدفاع عن أميته وجهله وخرسه وانعدام شعوره ولاشعوره الكرديين.

يبدو أن القضية الكردية في تركيا لو ذهبت إلى الجحيم أيضا لن يهمه ذلك, فأخونا الكردي الشمالي مرتاح ويجامع زوجته ويقرأ الجرائد التركية ويتكلم مع أفراد عائلته باللغة التركية وينام قرير العين هانيها, ما دام كرد سوريا يحملون البنادق ويدافعون عما تبقى من كردايتي هناك.

لو لم يك كرد سوريا لا أعرف ماذا كان سيحل بكردستان تركيا؟.
حين رأيت أحمد تورك رئيس حزب المجتمع الديمقراطي في حلقة الدبكة الكردية في ديار بكر لم أتفاءل خيرا بالنتيجة الانتخابية, فالرجل ذكرني مباشرة بالسياسيين صالح مسلم واوصمان دادالي (وهما ينتميان إلى ذات الأروقة والأجندة الحزبية والأقانيم السياسية التي لأحمد تورك) في مدينتي كوباني حين كانا يرقصان أيضا مذبوحين من الألم في حملتهما الانتخابية لدخول مجلس الشعب السوري, والواقع أن أحمد تورك دخل البرلمان التركي على العكس منهما, أما عن حجم دوره كبرلماني وماذا سيقدم للقضية التركية وهل سيكون سياسيا أم عرضحالجيا فهذا سؤال مطروح على المؤسسة العسكرية التركية, التي بإمكانها مجددا الإمساك بياقته ووضعه مجددا في السجن كما فعلت معه في السابق.

ولكن يبدو أن لا مكروه تركي سيصيبهم هذه المرة فهم رتلوا في الجلسة الأولى البرلمانية القسم باللغة التركية ترتيلا, ويتوقع منهم قريبا جدا أن يضعوا إكليلا من الزهر على قبر أتاتورك.


نعم, يجب على حزب المجتمع الديمقراطي في تركيا تشكيل لجنة تحقيق لاستقصاء أسباب انفضاض الناخبين الكورد عن حزبهم الوحيد المشارك في الانتخابات, فلم تعد الجماهير الكردية تتدافع على الصناديق الانتخابية كما يتدافع النمل على إناء العسل على الأقل مقارنة بانتخابات 2002 , ولكن شريطة ألا تكون هذه اللجنة لذر الرماد في العيون ومجرد تعبير ديمقراطي, كما ويجب معرفة أسباب هذا الشخير العام الكردي في تركيا وأسباب هذه الغرغرينة السياسية الكردية هناك.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…