لم نفهم بعد

مروان سليمان
الحركة السياسية و الحزب و كل التجمعات الفكرية منها و السياسية و الإجتماعية من المفروض أن تكون وسائل لخدمة الإنسان قوميا و اجتماعيا، و عندما يجدوننا نتقاتل و نسفك دماء بعضنا فإن العدو يشعر بالانتصار بأضعاف الأضعاف باللذة والمتعة التي يشعر بها عندما يحقق هذا الانتصار بنفسه
إذ ليس من المتعة السياسية و العسكرية أن تقتل عدوك بنفسك و لكن المتعة سوف تكون أكبر عندما يقتل عدوك نفسه أو بيديه أو بيد أخيه هكذا يتعامل معنا عدونا منذ الأزل و لكننا لم نفهم بعد.
أصبحنا ننتهك حرمات بعضنا بمجرد الاختلاف و نخون بعضنا بمجرد فقدان الامتيازات و المناصب و الكل يرى نفسه في صورة حامي الحمى لهذا الشعب المسكين و مشروعه الوطني، إنها الأنانية التي جعلتنا في آخر هرم الشعوب و لم نفهم بعد.
العدو يهمس في آذاننا و ينادي بالتفرقة بين ابناء الشعب على أساس حزبوي و مناطقي و ينصح بالابتعاد عن الأطراف الأخرى و يهمس بأن هذا  يحتكر لنفسه القيادة و الزعامة و ما إلى ذلك حتى جعلونا نحول شعبنا إلى كومة متراكمة من الأحزاب و لم نفهم.
لم نفهم بعد أن عاقبة الابتعاد عن الهم القومي هو الإلتهاء بالهم الشخصي و المصلحي و المناطقي و هذا ما نعيشه اليوم إذ نجد الكثيرين الذين يخدمون الأعداء بشكل مباشر أو غير ذلك ينشرون الإشاعات بين الأوساط الشعبية و سرعان ما تجدها بين ألسنة الناس أو على صفحات التواصل الإجتماعي حتى تصبح خبراً يقيناً يصدقه الناس و يتداولونه –الصادق قبل الكاذب- و بدلاً من أن ينغمس المعنيون و القائمون على الأمور المتعلقة بالقضايا الإجتماعية و حاجات الشعب و متطلبات المرحلة يصبحون في موقف الفعل و رد الفعل و الكل يتخندق في موقعه دون أن يفكر و لو للحظة واحدة ما هي طبيعة مهمته التي أوكل إليه و ما هو المطلوب منه و هكذا تهدر طاقاتنا في تحقيق الأهداف الشخصية لكي تصرف عن مهمتها الأساسية و يملأ دماغ الأبناء بمفاهيم خاطئة يتقبلها الناس طواعية من أجل لقمة العيش و هذا ما تعمله القنوات الإعلامية و صفحات التواصل الإجتماعي لمساندة ما يجري على أرض الواقع لتدمير ما تبقى من المشاعر القومية و الوطنية و تخريج جيل كامل بدون تعليم و بدون سياسة دراسية و ذلك من أجل زرع بذور التفرقة و الحقد و الكراهية أكثر فيما بيننا.
الحياة أقصر من أن تساند شخصا أو مجموعة و لكن يتطلب أن تساند شعبا في بناء وطن عندها فقط سوف يخلدنا التاريخ و نحافظ على نضالنا و نستحق أن نكون مناضلين بالحق و الحقيقة
رفعنا شعارات أكبر من حجمنا و لم نستطع الدفاع عنها أو محاولة تحقيقها و النتيجة كانت زيادة في التفرقة و الابتعاد عن بعضنا البعض حتى خيم علينا الغباء بكل معنى الكلمة و لذلك غضب منا الوطن و رمانا خارجه لكي نعاني مرارة من نوع آخر.
نعيش مخدوعين بأشخاص طوال سنين و سنين دخلوا في مسار منحرف باتجاه أوهام و أمنيات شخصية التي تحولت بدورها إلى مرض يصيب كل من يدخل من تلك الأبواب و كل من يطفوا على السطح على أكتاف الآخرين على أمل أن يكون قائدا و مقداما في قرارة نفسه و التي كانت نتيجة تلك الأفكار المساهمة في تقسيم الشعب إلى جماعات و ملل و أحزاب و نشوء ظواهر أخرى تساهم في بعثرة الهوية و تقسيمها زمانا و مكانا.
على الرغم من أننا ندرك حقيقة ما يدور في أنفسنا فإننا من الأعماق نؤمن بأن الإنسان الذي لا يملك شعبه مستقبلاً ليس له قيمة إذا لم يكافح و يناضل من أجل ما هو صحيح و من أجل قضية عادلة لأننا لا نريد أن نكون جزءاً من شعب بلا مستقبل و لا أشخاصاً مشردين بدون أرض أو دولة 
قد نختلف في الرأي مع بعضنا و لكننا لا نختلف مع الوطن فلا تقفوا مع الأعداء ضد الوطن و لا تساهموا في بناء تماثيل أكثر تهدمون بها الإنسان من الداخل. هل تدرون من هذا الذي تناضلون من أجله؟
إنه ليس مجرد سؤال عابر- إنها مسألة حياة و قضية شعب معا إنه الوطن فمن ذاك الذي يعشقه و يحافظ على مبادئه.
مركز الاستشارات في القضايا الإجتماعية- المانيا
22.06.2019

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نظام مير محمدي*   بعد الذي حدث في لبنان وسوريا، تتسارع وتيرة الاحداث في المنطقة بصورة ملفتة للنظر ويبدو واضحا وتبعا لذلك إن تغييرا قد طرأ على معادلات القوة في المنطقة وبحسب معطياتها فقد تأثر النظام الإيراني بذلك كثيرا ولاسيما وإنه كان يراهن دوما على قوة دوره وتأثيره في الساحتين اللبنانية والسورية. التغيير الذي حدث في المنطقة، والذي كانت…

عنايت ديكو سوريا وطن محكوم بالشروط لا بالأحلام. سوريا لن تبقى كما يريدها العرب في الوحدة والحرية والاشتراكية وحتى هذا النموذج من الإسلاموية، ولن تصبح دولة كما يحلم بها الكورد، من تحريرٍ وتوحيد للكورد وكوردستان. هذا ليس موقفاً عدمياً، بل قراءة موضوعية في ميزان القوى، ومصارحة مؤلمة للذات الجماعية السورية. فمنذ اندلاع شرارة النزاع السوري، دخلت البلاد في مرحلة إعادة…

محمود برو حين يتحدث البعض عن كوردستان على أنها أربعة أجزاء، ثم يغضون الطرف عن وجود كوردستان الغربية، ويحاولون النقص من حقوق شعبها تحت ذرائع مبرمجة ومرضية للمحتلين ،فهم لا ينكرون الجغرافيا فقط، بل يقصون نضالاً حقيقياً ووجوداً تاريخيا و سياسياً للكورد على أرضهم. إنهم يناقضون انفسهم ويدفعون شعبهم إلى متاهات صعبة الخروج كل ذلك بسبب سيطرة الادلجة السياسية…

حوران حم واقع يصرخ بالفوضى في مشهد يعكس عمق الأزمة البنيوية التي تعيشها الحركة الكوردية في سوريا، تتوالى المبادرات التي تُعلن عن تشكيل وفود تفاوضية موسعة، تضم عشرات الأحزاب والتنظيمات، تحت مسمى التمثيل القومي. غير أن هذا التضخم في عدد المكونات لا يعكس بالضرورة تعددية سياسية صحية، بل يكشف عن حالة من التشتت والعجز عن إنتاج رؤية موحدة وفاعلة….