سوريا والعيش المشترك

صبري رسول
كلّ المؤشرات السياسية والعسكرية والفكرية تدلّ بوضوح إلى أنّ العيش المشترك، بين مكوّنات الشّعب السّوري القومية والدينية، سيبقى ذكرى في صفحات التّاريخ. هل هذا صحيح؟ ألا يمكن بناء السلام بعد كلّ ما حصل؟
منذ انطلاقة الثّورة السورية المطالبة بالكرامة والحرية، رفع المتظاهرون لافتات للتضامن مع المدن السورية الأخرى. فتضامنت حمص مع درعا، وإدلب مع حمص، وقامشلي مع بنّش… تلك كانت مطالب ومشاعر عفوية، أثبتَتْ طغيان الشّعور الوطني على ماعداه. كما أنّ الشّعب السّوري بمختلف قواه السّياسية طالبتْ بسلمية الثّورة، لكن كانت إرادة العسْكَرَة أقوى من أمنيات النّاس.
أصبحت الثّورة مطيّة لكلّ راغبٍ بالقتل والسّلب، لكلّ مريضٍ يخطف النّساء سبايا، لكلّ متسلّقٍ ينتهز فرصة الصّعود على الأكتاف، لكلّ فاقد ضميرٍ يتاجرُ بالبشر والأوطان، لكلِّ رافعٍ لشعاراتٍ قوميةٍ ووطنية للمتاجرة بها. هؤلاء اختطفوا الثّورة وشعاراتها، وأحلام البسطاء وجعلوها أداةً لوأدها.
تشابكتْ مصالحُ تلك الفئات مع مصالح بعض دولٍ لاتريد الخير لسوريا، رأتْ فيها البيئة المناسبة لضخّ المتطرفين إليها من كلّ مكان، وكان لصمت المجتمع الدولي أمام ما يجري في سوريا «التغذية الراجعة» لتشجيع الإرهاب وتدفق الإرهابيين، للعبث بأمن البلاد، وقتل الآمنين من العباد.
انتعاشُ التطرف الفكري وازدياد النزعات المسلحة العنيفة يهددان العيش المشترك المبني على التسامح وقبول الآخر المُختلَف قومياً ودينياً والذي يُعدّ الدّعامة الأساسية لبقاء خريطة الوطن جغرافياً، ومستقبل أبنائه سياسياً، ويضعُ هذا الخطرُ الوحشيّ مصيرَ البلاد على كفّ العفريت الذي بدأت حرائقُه تأكل أصابع الجوار، وتلسعُ العواصم الكبرى.
فالفكر الطّائفي المتطرف والخطير، يتغلغل في نسيج المجتمع ويحفر عميقاً في ثنايا ثقافته باستحضار الإرث التّاريخي الدّموي الأسود، وبدأ الفرز الاجتماعي على هذا الأساس، وعلى حساب خريطة الوطن السّوري.
فالاتّكاءُ على المعارك الفكرية، والمواقف التّاريخية، والنّهل من منابعَ طائفية آسنة عفا عليها الزّمن من شأنه إشعال النّيران بالوشائج الاجتماعية والعلاقات الإنسانية الحالية وضرب وحدة الشّعب وتجزئة البلاد جغرافياً، وهذه الكارثة لا يمكن الوقوف في وجهها إلا بمعالجة أسبابها، وبناء الوطن للجميع ولمصلحة الجميع.
وحده النّظر إلى المستقبل الآمن الذي يمكن بناؤه على التفاهم الاجتماعي القائم على تحقيق مصالح جميع فئات المجتمع كفيلٌ بإيجاد الأرضية المناسبة والمناخ الملائم لبدء الحوار الشامل وصولاً إلى بناء العقد الاجتماعي المتوافق مع المواثيق الدولية وحقوق الإنسان.
لكن وللأسف تجري الأمور عكس هذه الأمنيات، وعكس الاتجاه، حيث تشير المعطيات إلى أنّ العيش المشترك مهدَّدٌ بشكل كامل، ومعه سينتهي الوطن إذا لم يتداركه الشّعب بسرعة. وهذا الأمر من مسؤولية كل القوى السياسية والاجتماعية. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…