الشراكة في حكم سوريا بين الحلم و الواقع

شاهين أحمد
رفع الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا منذ تأسيسه في الـ 14من حزيران 1957 كأول تعبير تنظيمي – سياسي شعار الاخوة الكوردية – العربية وثبته في برامجه ومنشوراته الرسمية ، رغبة منه في العيش الحر والمشترك بين الشعبين الكوردي والعربي وبقية المكونات في إطار الدولة السورية ، وبقي الشعار المذكور جزءاً أساسياً من وثائق الحركة السياسية الكوردية خلال مسيرة نضالها حتى يومنا هذا ، ورغم مشاركتنا الفاعلة في تأسيس سوريا وتحريرها من المستعمر وقيادتها وبناءها ولكن الشعار بقي مشلولاً كون الطرف الآخر- المكون العربي – لم يشعرنا أبداً بأن لديه الرغبة والإرادة ليكون شريكاً لنا في هذا الشعار وهذه الاخوة التي ننادي بها ونعمل من أجلها. 
وبعد انقلاب البعث في الـ 8 من آذار 1963 واغتصابه لسوريا وتنفيذه للكثير من المشاريع الشوفينية بحق شعبنا الكوردي وإصداره العديد من القرارات والتعاميم والقوانين التي تمنع أبناء الشعب الكوردي من تثبيت أراضي آبائهم وأجدادهم بأسماء أبنائهم وخاصة في ريف محافظة الرقة الشمالي مثل تل أبيض وعين عيسى وغيرها ، ونفذت سلطة البعث مشروع الحزام العربي العنصري في كامل الشريط الحدودي من كوردستان سوريا وذلك من خلال تهجير الكورد من مناطقهم وإقامة قرى نموذجية على شكل مستوطنات للعرب فيها. ،ولكن بالرغم من بقاء الظلم والاضطهاد بحق شعبنا ، بقيت الحركة التحررية الكوردية في كوردستان سوريا ملتزمة بهذا الشعار وعملت من أجله بكل إرادة وإخلاص وفي مختلف مراحل عملها ومحطات نضالها،واعتبرته جزءاً أساسياً من نضالاتها وبرامجها،وعملت كل مابوسعها فعله من أجل أن يجد هذا الشعار سبيله إلى التطبيق لما فيه خير سورية وشعبها. ومن الأهمية هنا الإشارة إلى أننا كنا نلقي كامل مسؤولية فقدان الشراكة وغياب إرادة الإخلاص للشعار المذكور- الاخوة الكوردية العربية – على عاتق النظام ،كون سوريا ظلت على مدار أكثر من نصف قرن تعاني من أحادية حزبية ( حزب البعث )، وتعددية مكذوبة ( الجبهة الوطنية التقدمية )، ولم يسمح البعث ببروز معارضة سياسية حقيقية , فضلا عن منع الوعي السياسي وتعطيل عجلة التنمية الفكرية والثقافية والاجتماعية . ولكن بعد انطلاقة الثورة السورية في 15 / 3 /2011 تأملنا خيراً بحدوث تغيرات حقيقية قد تكون عفوية وخجولة في بدايتها ولكنها ستتبلور مع مرور الوقت ،وستلقى منا كل الدعم أملاً في حدوث بعض الاختراقات في المنظومة المشوهة التي بناها البعث العنصري طوال أكثر من نصف قرن .
بعد انطلاقة الثورة وتأسيس العديد من المنصات المدنية والثقافية والمنابر والمواقع الإعلامية و عشرات التنسيقيات التي قادت الحراك الثوري ورفعها شعارات وطنية كانت بمثابة رسائل إيجابية للشارع الكوردي وشكلت دافعاً إضافياً للشباب الكوردي المتحمس للإنخراط أكثر فأكثر في الحراك الثوري، كما كانت تلك الشعارات عاملاً لبعث الروح من جديد في بعض الهياكل الحزبية المنسية ،وعودة بعض الشخصيات الأكاديمية السورية التي كانت تعيش في المهاجر والشتات للمشاركة في تشكيل الأطر السياسية المعارضة ورفع الجميع شعارات مختلفة إلى حد ما عن تلك التي فرضها البعث على السوريين. هذه الظاهرة الجديدة – ظاهرة رفع الشعارات الوطنية – شكلت بارقة أمل لتشكيل ” لوحة سورية مستقبلية مختلفة ” عن حقبة البعث، إلا أن المشهد بدأ يتراجع ويشوبه الارتباك والتردد شيئاً فشيئاً مع مرور الوقت،بعد سيطرة التحالفات التي حصلت بين بعض أجنحة الإسلام السياسي مع الوافدين من الأجهزة الأمنية لمنظومة البعث الحاكم وتسللها إلى جسد المعارضة ومؤسساتها المختلفة. وكون الحراك الشبابي الثوري كان يفتقر للخبرة والتنظيم والقيادة الثورية الموحدة التي عليها واجب قيادة الشارع الثوري والتحكم به والذي شكل ثغرةً كبيرةً في مسيرة الثورة طوال مراحلها المختلفة. وبعد تشكيل مؤسسات المعارضة ونجاحها في كسب التعاطف الأولي والإعتراف من جانب أوساط واسعة من المجتمع الدولي ،فإن غياب القيادة والتنظيم الثوريين شكلا فراغا كبيراً احتلته القوتان الأكثر تنظيما وهما الإسلام السياسي والوافدون من قبل الأجهزة الأمنية للنظام، وتمكنت المنظومتان القديمتان المذكورتان من استئناف ضخ السموم الفكرية ” الهدامة ” من جديد، وضربتا المرتكزات الثورية للقوى الشبابية التي خرجت إلى الشارع أملاً في هدم المنظومتين معاً, ولكن بالرغم من تفجيرها للثورة وتوحدها في نشدان الحرية ومحاولة إسقاط المنظومتين ، إلا أنها – منظومة الحراك الشبابي الثوري – سرعان ما تشظت وانقسمت على نفسها وتوزعت بين عشرات الائتلافات الثورية مما سهل على التجار استغلالها وتغلغل في جسدها كوادر مدربة ومكلفة من المنظومتين المذكورتين ومهدت لدخول الأجندات الإقليمية والدولية على خط الصراع،ونسي الثوار ترتيب ” أولوياتهم ” ولم يفرقوا بين أدوات ” الهدم والبناء ” في المعركة المحتدمة فبقيت أبواب مؤسساتها – مؤسسات الثورة – مشرعة أمام المتربصين بها ،مما أتاح الفرصة لوجوه النخبة السياسية للمنظومتين المذكورتين من إعادة إنتاج وتدوير نفسها وعودتها الي قيادة وصدارة المشهد السياسي وسيطرت من جديد على المفاصل الأساسية لمختلف مؤسسات الثورة ، وتمكنت من حرفها ومن ثم خطفها وأخذها إلى حقول بعيدة عن أهدافها. وبكل اسف ما نشعر به اليوم هو انهيار وسقوط  لنخب شاركت بعضها في الحراك الثوري وكأن بعض هؤلاء المحسوبين على ” النخب الثورية ” يتزاحمون اليوم ويسارعون الخطى بإتجاه حجزمقاعد لهم في نفس الخنادق القديمة للبعث قبل إنطلاقة الثورة ، وذلك لجهة إعادة إجترار نفس ” العليقة المالئة ” التي كان البعث من خلال أجهزته الأمنية يغدق عليهم مقابل رفعهم لنفس الشعارات الشوفينية ضد بعض المكونات السورية بشكل عام وضد شعبنا الكوردي بصورة خاصة !؟. سقطت تلك الشعارات الوطنية التي رفعها الحراك الشبابي الثوري في المستنقع الذي شكله التحالف المذكور ، وبدأت عجلة الثورة تعاني من الفرملة وتنحرف رويداً رويداً إلى خارج السكة الثورية،وبدأ المشهد المعارض يعاني الارتباك ويزداد معه صعوبة التوقع والتكهن بمستقبله ،وأصبح مصيرالمهمة التي تحملها المعارضة برمتها في مهب الريح .” بكل تأكيد الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة – سرقة الثورة وإنحرافها عن مسارها – ليست ذاتية فقط وإنما هناك أسباب موضوعية لسنا بصدد شرحها وسردها والوقوف عليها في هذه المساهمة ” . بمنتهى الصراحة والوضوح نقول للاخوة في المكون العربي بأن الحجج القديمة لم تعد مقبولة أبداً في هذا المجال. أعتقد أن سنوات الثورة الثماني كانت كافية كي تقوم هذه النخب التي تنتمي إلى المكون العربي السني الكريم تحديداً بطي صفحة اللامبالاة،والعمل على تغيير وتصحيح وتحرير ذهنيتها المشوهة التي بناها البعث العنصري من الشوائب المتراكمة،وتنقذ  قاعدتها الشعبية العريضة،وتتحمل مسؤولياتها في الدفاع عن قضايا السوريين جميعاً،كونه المكون الأكبر عدداً من بين مكونات الشعب السوري .الثورات غالباً مايصاحبها مخاض سياسي يؤدي إلى ظهور ولادات جديدة مختلفة بحكم المواجهة الطبيعية والحتمية بين القوى القديمة للمنظومة الحاكمة وتوابعها من جهة، والجديدة بمختلف تياراتها الفكرية والسياسية من جهة أخرى، ولكن في حالة الثورة السورية ورغم المخاض القاسي جداً ولكن بكل أسف لم نلمس حتى الآن أي أمل في حصول ولادات سياسية – تنظيمية جديدة مختلفة في الأوساط العربية السنية السورية . والثورات عادة تهدم البنى الفكرية والثقافية والسياسية والأمنية للمنظومات الحاكمة ، ثم تقيم على أنقاضها بنى  جديدة مغايرة، إلا في حالة الثورة السورية نلاحظ أن النخب المنتمية للمكون العربي بشكل عام و” العربي السني بصورة خاصة ” يرددون نفس شعارات البعث ، ويتلون على مسامعنا نفس الإسطوانة المشروخة للتيارالقومي الشوفيني والسلفي الديني المتطرف ؟!. نحن نعي تماماً أن قيام حياة سياسية صحية ونشوء تعبيرات سياسية – تنظيمية جديدة ومختلفة في مجتمع غُيب عنه المناخات السياسية والديمقراطية اللازمة ، وعاش حالة من التصحر السياسي طوال أكثر من نصف قرن في ظل الدكتاتورية والشمولية ، تستغرق الكثيرمن الوقت وتتطلب المزيد من الجهود والإمكانات ،وكذلك فإن بلورة ملامح مشهد سياسي مختلف يحتاج وقتاً أيضاً ، لكن لابد للشريحة الواعية والنخب المثقفة أن تأخذ المبادرة ، وتتحمل مسؤولياتها الوطنية والأخلاقية ، وأن تعمل على تكوين تعبيرات حقيقية لمكوناتها ، تمتلك مقومات فكرية وقدرات تنظيمية وتوجهات سياسية ، وقيم ومواقف وطنية مختلفة كلياً عن المنظومتين القديمتين ” للبعث الشوفيني والديني المتطرف ” اللتين تسببتا في هدم البلاد والعباد . 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…