وهأنذا أعترف بوهمي يا أخوة الوهم

 ابراهيم محمود
كثيراً ما تساءلت بيني وبين نفسي، وفي الفترة الأخيرة أكثر، وقد تجاوز عمري بي ستين عاماً، وأنا أفكّر في إطار العلاقة مع ما ينشر انترنتياً ” أتخذ من موقع ولاتي مه نموذجاً “، والقراءات التي تخص كل مادة، حيث أشرت إليها في أكثر من مقال، ومهزلتها أحياناً كثيرة من جهة المصداقية: كيف تتم القراءة؟ من الذي يقرأ وبناء على أي علاقة ثقافية ؟ هل من سر ” كردي ” معين في مادة مقروءة أكثر من أخرى، رغم سطحيتها؟
أسئلتي هذه، ترِدُ بصدد جملة المقالات التي حاولت نقلها عن الفرنسية إلى العربية، وأنا أعاين بؤس عدد القراءات لها، رغم حيويتها، وكلّي حماس لها، وقد اكتشفت مدى وهمي فيما ذهبت إليه، وعلي أن أصرّح بحقيقة ما يجري، إذا كنت حريصاً على ما أكتب أو..”أترجم ” .
هذا الوهم الذي أقرّه، ربما يعني سواي كذلك، من الذين تتصف كتاباتهم بجدية مقدَّرة، سوى أن المشار إليه، وهو مترجَم، ومن خلال طريقة التقديم، أعلمني بحقيقة مرة، وهي نوعية التوجه إلى ما ينشَر، ومن يكون الموجّه أو الموجَّه: ربما يكون شخصياً ” علاقة شخصية “، أو طرفياً: حزبياً، أو ” شِللياً “، وأنا أشدد على هذه النقطة، ليس بمنطق مكسور الخاطر أو المهزوم من الداخل والمنجرح نفسياً، أبداً، إنما بمنطق المتابع لما يجري، بعد تجربة كتابية وحياتية تسمح لي في أن أشير إلى الجاري، وكيف يحدث ذلك، على مستوى ” الكولكة- الفبركة “.
ليس للمادة، في الغالب، أي اعتبار ثقافي فعلي، إنما ما يشغل البعد الآخر للموضوع، أعني به المحسوبيات، وكيف أن كثيراً من المواد التافهة بمحتواها: كتابة أدبية مزعومة، مديح مجاني حال أصحابها، وبطرق شتى لهذا الجانب، الطرف أو ذاك، أو تعتبَر سياسية، لنيل حظوة ظلّية ، وما فيها من سجال، من غسيل وسخ” مثال ذلك: تُرى، ما الذي يكسبه هذا الطرف الحزبي أو ذاك، إذا تدايَك أهلوه ” من لعبة الديكة ” على مزبلة المهاترات التحزبية، وأشار كل منهم إلى عورة الآخر، بنوع من تصفية الحساب طبعاً، والتقية الشخصية، وليس من باب الشفافية والمصارحة، وليس في المنشور ما يريح، ليس هناك ما يشفع لأن تتشكل قوة شعبية” جماهيرية ” أو لأن تسعى أطراف معينة إلى الحد من ذلك، أو لكي يتنور المعني، والحيلولة دون هذا الانشقاق العلامة الفارقة للأحزاب الكردية ؟ أترى هؤلاء يريدون المصارحة، أو التناقر، أو طلب المشورة والمشاورة من أصحاب المساعي الحميدة، الثقافية وغيرها”، وفي آذان المتدايكين ” صمم “، وإلا لمَا مارسوا شقاقاً وشقوا وانشقوا وتشققوا. وخاصة من يعتبرون أنفسهم كتاباً أو ” مثقفين ” أبغض الخلْق إلى أطراف كهذه ، حيث يسخن عدّاد القراءات. لأن هناك ما يندرج في عِداد الفضيحة الإعلامية ، قبل كل شيء “. ما يشغل المعتبَر قارئاً كردياً ليس المنشور ثقافة، وإنما ما هو منشغل به من وعي موجه، فئوي، شخصي، على حلبة المكوكيات النفسية .
أعود إلى وهمي الذي يلازمني منذ فترة، وهو يتنوع، يكبر، يتلون، ويمارس تأثيراً علي أحياناً، خاصة مع المقالات المترجمة الأخيرة، وهي ذات قيمة تاريخية وثقافية وسياسية كبيرة، لأنها تعني الكردي، حيثما كان. وكنت، حين أترجم مقالاً ما، ومن خلال محتواه، أقول في نفسي أحياناً : سوف يقرَأ كثيراً، أو يهتم به، فأجد العكس، وأسائل نفسي، في كل مرة: ماذا يجري؟ حتى بصدد مقالات كهذه، وأنا لا أعتبر نفسي مترجماً، وإنما أستطيع التأكيد، أن فيها ما يهم الكردي، في مختلف مستوياته: من قامشلو إلى ديريك، ومن عامودا إلى عفرين، ومن أي نقطة يقيم فيها كردي إلى أي نقطة أخرى، ولا أظن أن هناك تخمة حصلت معه، أو بلغ مستوى من النضج الثقافي والوعي المعرفي، ليكتفي ذاتياً. هذه المقالات علّمتني الكثير، وثمة العشرات منها، أحتفظ بها، إلى جانب العشرات التي اخترتها من مواقع فرنسية، وإثر جهد مضني.
ما علّمتني إياه هو: كفاهاً وهماً، أنت وبضعة ممن يعرفونك وتعرفهم. كف بلاك عمن تراهن عليهم. توقف عن المتابعة، وأنا نفسي تعبت معك.
أتراني واهماً متوهماً، إزاء هذا المقدَّر من وهمي، وكيف يقدّر المكتوب ويتم التعامل معه ، في جو من الصمت شبه المطلق؟
باختصار، ونزولاً عند وهمي الحصيف والنقدي، قررت ألا أترجم أي مادة، وأودَعها الصفحة البيضاء، بعد هذا السواد المهين.
وشكراً للذين عاشوا هذا الوهم معي، وتحمّلوه كرمى علاقة معينة. نعم، لن يكون هناك أثر لأي نص مترجم!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يقتلع”الزور” الجزرأي القوة مثل كردي لقد بلغ العنف والتدمير مرحلة ما بعد الحداثة، فلم يعد مجرد أداة صراع بل تحول إلى نسق شامل، يعيد تشكيل الواقع وفق منطق القتل والفناء. إذ لم تعد الأسئلة الكبرى عن معنى السلطة والشرعية والوجود تجد مكاناً لها، لأن القاتل لم يعد مضطراً حتى لتسويغ جرائمه. إننا- هنا- أمام زمن…

عزالدين ملا عندما اندلعت الثورة السورية، كان أول مطالبها إسقاط نظام عائلة الأسد، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد وحوّلها إلى مزرعة لعائلته وأزلامه. كانت هذه المطالب تمثل رغبة شعبية في التحرر من عقلية الحزب الواحد والفكر الشمولي، التي أدت إلى الاستبداد والديكتاتورية وقمعت الأصوات المخالفة. إلا أن المرحلة التي تلت سقوط النظام كشفت عن تحديات جديدة أمام بناء سوريا…

د. محمود عباس هل نستطيع أن نقول أن الفيدرالية لغرب كوردستان والنظام اللامركزي في سوريا باتا أقرب إلى السراب؟ ليس فقط بسبب رفض الدول الإقليمية لها خشية من تحولات كبرى قد تعيد تشكيل المنطقة، ولا لأن الفصائل الإسلامية المتطرفة مثل هيئة تحرير الشام وحلفائها لديهم من القوة ما يكفي لفرض مشروعهم الإقصائي، بل لأن الكورد أنفسهم، وهم القوة…

إبراهيم كابان لطالما شكّل الواقع الكردي في سوريا ملفًا معقدًا تتداخل فيه العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، حيث تسعى الأحزاب الكردية إلى تحقيق مطالبها ضمن إطار وطني، لكنها تواجه تحديات داخلية مرتبطة بالخلافات السياسية، وخارجية متصلة بالمواقف الإقليمية والدولية تجاه القضية الكردية. فهل تستطيع الأحزاب الكردية في سوريا توحيد موقفها ضمن إطار تفاوضي واحد عند التوجه إلى دمشق؟ وما هي العوامل…