الوجه الفاشل للثورات

مروان سليمان
كلما إتسعت الفجوة بين الجماهير و النظم الحاكمة كلما كان من المفروض أن يقوم الشعب بالثورة و خاصة إذا كان الفارق كبيراً بين الشعارات الرنانة و بين الإيديولوجيات المطروحة و هذا يخلق فراغاً ما بين المحكومين و المتحكمين و هذا يؤدي إلى أمر حتمي بتولد الثورة من ضمن ذاك المجتمع الذي يعاني من الفوارق الطبقية و الظلم الواقع عليه و على الأغلب بأنها سوف تكون عفوية و الواقع أمام أعيننا كيف كانت الثورات في المنطقة العربية تعبر عن نفسها بحالة من الإنفجار الشعبي العفوي و العاطفي بدون توجيه أو تخطيط مسبق أو حتى تحديد أهداف رئيسية لتلك الثورات أو حتى رسم شكل النظام الجديد في كل بلد و لذلك فإن كل من يتباهى بالفكر الثوري الذي لديه و التحليلات الخزعبلية تبقى بدون قيمة أساسية ما لم تحدد الأهداف و المسارات نظرياً و عملياً و إلا سوف تكون العواقب وخيمة على الشعب و تنتهي بما لا يحلم به الشعب الثائر.
الثورة تحتاج إلى فكر يؤمن بأهداف الثورة التي تقوم عادة من أجل التغيير في النظم السياسية و القوانين و الدساتير لصالح الشعب و من أجله و هذا يحتاج إلى أفكار خلاقة من قبل نخبة مثقفة و واعية تؤمن بتلك الأهداف التي قامت بها الثورة بالإضافة إلى الجماهير الواعية التي تكون وقود تلك الثورات و بما أن الثورات في المنطقة العربية كانت تغيب عنها الأهداف و النخب المخلصة التي تؤمن بفكر الثورة و التغيير فإنها أخذت مسارات أخرى و تم القضاء عليها من قبل القائمين عليها و ظهرت على السطح فئة مغامرة و إنتهازية من الذين يستطيعون تغيير وجوههم و جلودهم حسب مصالحهم الشخصية و الآنية و استطاعوا ركوب الموجة و هذا أدى إلى إنحراف المسار و يأس الجماهير و الإنصراف عن المتابعة و بقيت المجموعات المستفيدة تجني غنائمها على حساب دماء الذين سقطوا صرعى في ذلك الصراع الدامي و أدى إلى إنقسام في المجتمع و رافقه العنف و التدخلات الإقليمية بشكل عام.
و بما أن الثورات في المنطقة قامت على شكل عفوي بدون برامج أو تخطيط  و أهداف واضحة كان من الطبيعي أن تكون النتائج عكسية و هذه الثورات الغير منظمة  كثيراً ما تكون نتائجها كارثية على المجتمع و تؤدي في النهاية إلى تقوية سلطة الديكتاتور أو إعادة إنتاج دكتاتوريات أو أنظمة استبدادية و كثيراً ما تتحول تلك القافلة من الثوريين من أصحاب رافعي الشعارات البراقة خدماً و حشماً لدى الطغم الحاكمة و الديكتاتورية (سوريا- العراق نموذجاً).
إن الذين أشرفوا على هذه الهبات الداعية للتغيير لم يميزوا بدقة بين الإنفعالات العاطفية للجماهير المكبوتة و بين تلك الإمكانات الجماهيرية و وضعها في خدمة التغيير الذي خرج الشعب من أجله و تحقيق قفزة في مجال الأهداف التي قامت من أجلها تلك الهبات الجماهيرية أو تهيئة الظروف و الأفكار المناسبة من أجل الدخول في مرحلة تأسيسية جديدة، القائم على القرار المستقل الذي يخدم الجماهير التعيسة و المظلومة بما يحقق الإستقلال الإجتماعي و السياسي و الإقتصادي لا أن تصبح الثورة رهينة لأجندات الدول الإقليمية و تحقيق مآربهم و أهدافهم لتحقيق بعض المكاسب الشخصية الآنية و هذه الأسباب أدى إلى فشل تلك الهبات العفوية التي قامت فقط على تغيير النظم و الأشخاص و هو ما أدى إلى إنقسامات في المجتمع على أسس طائفية و عرقية.
من السخرية أن نسمي البعض  الذين حملوا راية صفة الثورة من أجل التغيير مع الفكر الرومانسي اليتيم بأنهم ثوريين أو يريدون التغيير لأنهم لم يكونوا من العقول المفكرة و لم يتبنوا أفكار التغيير إلا بألسنتهم و لم يمثلوا معاناة شعوبهم و كان من خلفهم القطعان الديماغوجية الذين يسهل التلاعب بهم و في النهاية و بسبب عدم وجود الفكرة و التنظيم و الإيمان المطلق بالمبادئ الثورية فقدت الثورة وقودها و نفدت الطاقة و لم تتحقق الأهداف و زاد الفساد فساداً و تتكرر المحاولة و يتم إعادة ديكتاتور جديد.
 مركز الاستشارات في القضايا الإجتماعية- المانيا
26..04.2019

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري في عالمٍ يموج بين أمواج الآمال والظلمات، يقف العرب السُنة اليوم على مفترق طرق تاريخيّ يحمل في طياته مفهومات المسؤولية وجوهر الهوية. إذ تتساءل النفوس: هل ستكون سوريا جنة المواطنة المتساوية أم ميداناً لحروب أهلية لا تنتهي؟ ففي قلب هذا التساؤل تنبعث أنوار براغماتية تعلن رفض الوهم الخادع لإقامة دولة إسلامية، وفي آنٍ واحد تفتح باب السلام…

فرحان كلش بلاد مضطربة، الكراهية تعم جهاتها الأربع، وخلل في المركز وعلاقته بالأطراف، فمن سينقذ الرئيس من السلطة الفخ؟ أحمد الشرع يسير على حقل ألغام، كل لغم شكل وتفجيره بيد جهة مختلفة. في الإنتماء الآيديولوجي قريب من الأتراك، في منحى القدرة على دفع الأموال والبدء بمشروع بناء سورية في جيوب السعوديين، التمهيد العسكري لنجاح وثبته على السلطة في دمشق اسرائيلي…

أزاد فتحي خليل* منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011، شهد المجتمع الكوردي تحديات كبيرة واختبارات دائمة في ظل تلك الظروف المضطربة. لم يكن الصراع بعيدًا عن الكورد، بل كان لهم نصيب كبير من التداعيات الناتجة عن النزاع الذي استمر لعقد من الزمن. إلا أنه، في خضم هذه التحديات، برزت أيضًا بعض الفرص التي قد تعزز من مستقبلهم.

نظام مير محمدي * للشعب الايراني تأريخ طويل في مقارعة الظلم والاستبداد والمطالبة بالحرية والحقوق المهضومة، وقد تجلت في العديد من المراحل التأريخية المختلفة، لکن أبرزها ما قد تجلى في المواجهة الضارية لهذا الشعب مع دکتاتوريتي الشاه ورجال الدين على حد سواء، ولاسيما وإن الدکتاتوريتين قد تميزتا بلجوئهما وإستخدامهما للقمع المفرط ضد الرفض الشعبي لهما. الشعب الايراني ومن خلال ذلك…