لغة الجرأة في السياسة الكوردية

جان كورد

إن صورة الزعيم الكوردستاني مسعود البارزاني في أحلك الظروف التي مرت بها الثورة الكوردية، أثناء مرحلة “حرب الأنفال“، وهو يقود مجموعة صغيرة من بيشمركته المخلصين في أقصى الشمال من كوردستان العراق، ويحثهم على المثابرة والمتابعة في كفاحهم من أجل الحرية، ضد مختلف صنوف الأسلحة الفتاكة التي كان يستخدمها الجيش العراقي ضد شعب كوردستان وحركته التحررية الوطنية، ومنها السلاح الكيميائي، في ظروف إهمال دولي عجيب وغريب لقضية أكبر أمة على وجه الأرض دون دولة، لاتزال – هذه الصورة – منقوشة في ذاكرة ووعي الأمة الكوردية…
إنها تدل على جرأة القيادة الكوردية في مواجهة الرعب والإرهاب، الرعب الداخلي الذي يتفجر في القلوب لهول الظرف التاريخي ذاك، والإرهاب الذي كان يتسم به التصرف الحكومي تجاه كل من يعارضه، وتجاه الكورد وقيادتهم المناضلة على وجه الخصوص… كما تذكرنا تلك الصورة بقائد المسيرة التاريخية الخالد مصطفى البارزاني، على أثر انهيار جمهورية كوردستان في مهاباد عام 1947، ذلك القائد الذي أبى الخضوع والاستسلام لأية دولة تحتل بلاد الكورد وتحارب طموحاتهم القومية العادلة، وأصر آنذاك على الانسحاب المشرف والدخول في معارك متلاحقة، عبر الحدود الإيرانية – العراقية – التركية لمئات من الكيلومترات، حتى وصل ببيشمركته الأبطال إلى الاتحاد السوفييتي، عساه يجد هناك ملجأ لرجاله إلى أن تحين الفرصة التاريخية الملائمة للعودة إلى خندق الكفاح المسلح من جديد، وقد أوفى بعهده ووعده كما نعلم.
هاتان الصورتان لاتفارقان عقلي وأنا أقارن وضع اليوم بتلك الأيام، حيث نرى القيادة الكوردستانية في جنوب كوردستان تشارك بقوة في بناء العراق الجديد، العراق الديموقراطي الفيدرالي الموحد، وتنخرط بعزم وحزم في الصراع الكبير ضد الإرهاب وضد النعرات الطائفية الضيقة، ضد التدخلات في العراق من هذه الدولة المجاورة أو من تلك، وضد أن تعود الدكتاتورية الممقوتة إلى حكم البلاد من جديد…إنها لغة الجرأة في اتخاذ المواقف الصحيحة، رغم كل المصاعب والتحديات، ورغم كل اليأس الذي أصاب قلوب الكثيرين ممن فقدوا في الفترة السابقة أملهم في تحقيق الحرية والديموقراطية، فراحوا يتزلفون للإرهابيين ويتملقون فلول الدكتاتورية البائدة… إن موقف القيادة الكوردية المشتركة في جنوب كوردستان بصدد المادة 140 من الدستور العراقي الخاصة بمدينة كركوك دليل آخر على أنها تمتلك لغة الجرأة، وتجيد استخدامها وتزيل بها الأوهام والخيالات التي تنسجها عقول الذين يسعون بشتى السبل من أجل تعطيل أو تمييع أو تجميد هذه المادة الدستورية الهامة…
ولكن المشكلة تكمن في أن أعداء الكورد كثيرون، ومنهم الطورانيون الترك الذين يدوسون كل مصطلحات الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان التي يتشدقون بها عندما يتحدثون مع الغربيين حول أهلية بلادهم لدخول الاتحاد الأوربي، فيحرضون جنرالاتهم للهجوم على اقليم كوردستان العراق باختلاق مبررات ومسوغات غير مقنعة، بل يتهمون القوى والشخصيات الرافضة لمغامرة كهذه في بلادهم، وحكومة بلادهم، بالخيانة العظمى للوطن التركي…!
كان لابد من جواب على هذا التهييج المستمر والتهديد المتعاظم، وتطلعت الوجوه والعيون صوب (سرى ره ش)   حيث مقر الرئيس الكوردي السيد مسعود البارزاني، وصوب عاصمة كوردستان العراق، حيث مقر رئيس الحكومة السيد نيجيرفان البارزاني…ولم يطلب احد الجواب من السيد مام جلال الطالباني، كونه الآن رئيس للعراق، وأي كلمة يلفظها يجب ، للضرورة السياسية، أن تكون في إطار مهامه كرئيس للبلاد، وليس كرئيس لاقليم كوردستان…
توقع الطورانيون الترك، وكثيرون ممن يفكرون مثلهم أو يدورون في فلكهم، بل وكثيرون من مراقبي الوضع العام في المنطقة، أن يأتي الجواب الكوردي حسب مذاق آنقره وجنرالاتها الذين جمعوا على حدود الاقليم مئات الألوف من العساكر المزودين بأحدث وأفتك أنواع السلاح، إلآ أن ظنهم قد خاب عندما أكد الزعيمان على عدم خوفهما من التهديدات العسكرية والسياسية والحصار الاقتصادي، وعلى أنهما سيقودان الشعب الكوردي في معركة الشرف الوطني حتى النهاية، مهما كانت التضحيات عظيمة والتحديات كبيرة، فوقع الخبر على الأعداء وقع الصاعقة، وتم خلط أوراق اللعبة السياسية بذلك من جديد، وتحرك دم حار في عروق الأمة الكوردية، يحمل معه مزيدا من الوحدة والتضامن القومي وتجاوز الخلافات الجانبية والتركيز على المصلحة القومية العليا والمشتركة لمختلف الفصائل السياسية الكوردستانية… لقد فتحت القيادة الكوردية بجرأتها في اتخاذ الموقف حيال التهديدات العسكرية المتعاظمة والضغوط النفسية التي تمارسها حيال اقليم جنوب كوردستان بؤرة جديدة للتفاعل الكوردستاني الشامل… وهز هذا الموقف الجريء أركان الطورانية والعسكريتاريا التركية هزا عميقا، مما أجبرهما على التفكير مليا قبل الاقدام على ارتكاب أخطاء استراتيجية تضر بتركيا قبل أن تضر بالكورد وكوردستان.
وعليه فإن من واجبنا الاستفادة من هذه اللغة الجريئة أيضا، في سائر نضالاتنا الكوردستانية، وبخاصة في حركتنا الوطنية في غرب كوردستان.

إن رفضنا لتنفيذ المرحلة الثانية من مشروع الحزام العربي يجب أن يكون أكثر جرأة، وإلا فإن العنصريين الذين يصفقون لهذا المشروع سيطالبون بمزيد من المشاريع التي تستهدف وجودنا القومي الكوردي.
هولير:

13.08.2007

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد جميل محمد جسّدت مؤسسة البارزاني الخيرية تلك القاعدة التي تنصّ على أن العمل هو ما يَمنحُ الأقوالَ قيمتَها لا العكس؛ فقد أثبتت للكُرد وغير الكُرد أنها خيرُ حضن للمحتاجين إلى المساعدات والمعونات والرعاية المادية والمعنوية، ومن ذلك أنها كانت في مقدمة الجهات التي استقبلَت كُرْدَ رۆژاڤایێ کُردستان (كُردستان سوريا)، فعلاً وقولاً، وقدّمت لهم الكثير مما كانوا يحتاجونه في أحلك…

ريزان شيخموس بعد سقوط نظام بشار الأسد، تدخل سوريا فصلًا جديدًا من تاريخها المعاصر، عنوانه الانتقال نحو دولة عادلة تتّسع لكلّ مكوّناتها، وتؤسّس لعقد اجتماعي جديد يعكس تطلعات السوريين وآلامهم وتضحياتهم. ومع تشكيل إدارة انتقالية، يُفتح الباب أمام كتابة دستور يُعبّر عن التعدد القومي والديني والثقافي في سوريا، ويضمن مشاركة الجميع في صياغة مستقبل البلاد، لا كضيوف على مائدة الوطن،…

كلستان بشير الرسول شهدت مدينة قامشلو، في السادس والعشرين من نيسان 2025، حدثا تاريخيا هاما، وهو انعقاد الكونفرانس الوطني الكوردي الذي انتظره الشعب الكوردي بفارغ الصبر، والذي كان يرى فيه “سفينة النجاة” التي سترسو به إلى برّ الأمان. إن هذا الشعب شعبٌ مضحٍّ ومتفانٍ من أجل قضيته الكردية، وقد عانى من أجلها، ولعقود من الزمن، الكثير الكثير من أصناف الظلم…

إبراهيم اليوسف ما إن بدأ وهج الثورة السورية يخفت، بل ما إن بدأت هذه الثورة تُحرَف، وتُسرق، وتُستخدم أداة لسرقة وطن، حتى تكشّف الخيط الرفيع بين الحلم والانكسار، بين نشيد الكرامة ورصاص التناحر. إذ لم يُجهَض مشروع الدولة فحسب، بل تم وأده تحت ركام الفصائل والرايات المتعددة، التي استبدلت مفردة “الوطن” بـ”الحيّ”، و”الهوية الوطنية” بـ”الطائفة”، و”الشعب” بـ”المكوّن”. لقد تحولت الطائفة…