الكورد والتمزّق التنظيمي

جان كورد 
من الغرابة حقاً ومع الأسف صدور  بياناتٍ متعارضة من داخل حزبٍ كوردي عريقٍ في النضال مثل حزب يكيتي الكوردستاني  (في غرب كوردستان) ونحن جميعاً نحيي ذكرى صدور أوّل جريدة  “كوردستان”، وكأن الرفاق الذين ناضلوا معاً عقوداً من الزمن، في مختلف الظروف الصعبة والقاسية، في هذا الحزب الجدير بالاحترام، ما عادوا يقدرون على تحمّل آراء بعضهم بعضاً، رغم وجود كل هذا المجال الواسع اليوم للإدلاء بما في الصدور على صفحات النشرة الحزبية، وفي مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالحزب، بروح رفاقية نضالية عالية، ضمن التنظيم المفترض فيه أن قادته ديموقراطيون وواسعو الصدور، من دون النزول إلى نقطة تفجير العلاقات الأخوية التي عندها تبدأ مرحلةٌ جديدة من النزيف الداخلي في الحركة الوطنية الكوردية التي حاول أعداء شعبنا على الدوام تمزيقها وتفتيتها وعرقلة نموها الطبيعي كممثلةٍ للجماهير التي لها مطالب عادلة وحقوق مسلوبة غمطها المستبدون برقاب شعبنا عبر  الزمن. 
إلاّ أن التمزّق التنظيمي ليس سمة حزبٍ معيّن من أحزابنا، بل هو علةٌ مزمنة ودائمة الحضور في سائر التنظيمات السياسية وغير السياسية الكوردية، وقد بدأ التمزّق ينال منها منذ بدايات الحركة القومية الكوردية، ولذلك أسبابٌ عديدة، منها قلة خبرات الكوادر الكوردية بعلوم التنظيم والإدارة، وعدم وجود تربية ديموقراطية في المدرسة والجهل بها في العائلة التي فيها الأمر والنهي بيد “رب العائلة” أو “ربة العائلة”، فالأولاد، صبياناً وصبايا لايتمكنون من إبداء آرائهم إلاّ في حالاتٍ نادرة، ومخالفة الرأي السائد لدى الكبار  يعني قبول العقوبة أو السخرية والازدراء على الأقل، وهكذا في المدرسة والثكنة العسكرية والمعبد وفي التنظيم الحزبي، فكم من حزبٍ كوردي تمزّق وانشق على ذاته بسبب أن أعضاء المكاتب السياسية لم يتمكّنوا من الاستماع إلى بعضهم بعضاً بصدر واسع، أو لأن أحدهم حاول فرض رأيه على رفاقه والبقاء في منصبه بالقوة، أو أعلن الانشقاق  وملكيته للشرعية أو شكّل قيادة كارتونية في ليلةٍ وضحاها، عندما شعر بأن مكانه يضيق عليه ضمن التنظيم، ومن الزعماء من سيأخذ منصبه أو كرسيه المهترىء معه إلى القبر  وهو بعد عقودٍ من الزمن على رأس حزبه الفاشل يعتقد بأنه تصرّف “ديموقراطياً” طوال حكمه الفرعوني الطويل الأمد على حزبه!
ومن أسباب التمزّق التنظيمي الكوردي، وجود مؤثراتٍ سلبية كبيرة على التنظيم المفترض فيه أن يكون مستقل القرار  ولا يأخذ أوامره من سلطةٍ أو جهةٍ أو شخصيةٍ من خارجه، أما في أحزابنا فالمؤثرات الخارجية عديدة، منها الولاءات العائلية والعشائرية والطائفية والمذهبية من خارج الحزب، وكذلك لا يمكن تجاهل دور الضغط الكبير للنظم الاستبدادية المتسلطة على الشعب الكوردي في فرض الزعيم الذي تشاء أو السياسة التي تريد أو حتى فرض الانشقاق التنظيمي، في حال وجود أدنى تمرّد من قبل عناصر قيادية على الأوامر القادمة من خارج التنظيم.
ومن الأسباب الهامة عدم وجود احتياط مالي ضروري لتمويل الحزب الكوردي، فالبحث عن التمويل الذي بدونه لا يمكن لأي قيادة الاستمرار دائماً في فعالياتها ونشاطاتها يؤدي إلى الالتزام بمطالب الجهة المموّلة، بل إلى الوقوع في جريمة “الخيانة” و يسبب هذا تخريباً في التنظيم أو في التحالفات والجبهات وضرراً كبيراً بالشعب والقضية، 
معلوم كيف أن بعض قادة الأحزاب الكوردية نأوا النفس عن أخذ مساعدات أمريكية في بداية اندلاع الثورة السورية المشؤومة، لا رفضاً للدعم الأمركي للحركة الكوردية، وإنما خوفاً من أن يسبب ذلك انفراطاً للعقد الكوردي وتمزّقاً لما نسميه بالمجلس الوطني الكوردي الذي كان في بداية تأسيسه يعلن أنه “لا يعوّل على العامل الخارجي!”
وعليه، لن تتخلّص الحركة الوطنية الكوردية من داء الانشقاق وهي تكاد تخرج من حلبة الخلافات بصدد الأهداف القومية المرحلية والنهائية ما لم تعمل مع مختلف المؤثرين في شرائح المجتمع الكوردي على بناء الشخصية الديموقراطية للأجيال الناشئة، وفق مخطط تربوي – تعليمي، وما لم تتبنّى سياسة ديموقراطية حقيقية في نضالاتها اليومية، وعلى كافة مستويات التنظيم، وإن لم تتمكّن من التصدي للمؤثرات السلبية المعرقلة التي تأتي من خارج التنظيم، وإن لم تجد لذاتها مصدر تمويلٍ مالي مستمر  يتناسب مع حجم  فعالياته ومتطلبات قياداته العاملة.  وبرأيي أن هذا صعب التحقيق في وقتٍ قصير  ويحتاج إلى خطة عمل يجلس على وضعها مختصون وخبراء وسياسيون عريقون يؤمنون بأن التنظيمات الكوردية ضرورية للدفاع عن الشعب الكوردي ولكن ليس بهذه الحال التي عليها أحزابنا اليوم.
وأقول للتنظيمات والأحزاب الصغيرة الناشئة والطامحة لأن تأخذ مكانها تحت الشمس: 
إن مصيركن لن يكون بأفضل من مصير الأحزاب الكبيرة التي تتعرّض للانشقاقات بسرعة لجملة من الأسباب ذكرنا بعضها أعلاه، ولذا فمن الأفضل أن تتوحدين في تنظيمٍ واحد قادرٍ على تفادي أخطاء التنظيمات الكبيرة وتصبحين سياسياً ومالياً ذوات استقلال تام من كل النواحي، وإلاّ فلماذا الاكثار  من أحزابٍ نعلم أنها ستفشل أو تنشق على ذاتها بعد حين، من قبل أن تحقق هدفاً من أهداف الأمة الكوردية، بل من الأفضل تقوية التنظيمات “الكلاسيكية” بالانضمام إليها بهدف إصلاحها من الداخل وتحريكها صوب التماسك الذاتي وتقويتها عوضاً عن المساهمة في التفريخ الذي لا يجدي، وشعبنا يمرّ  في مرحلة التحدي الكبير لمختلف المصاعب والمشاكل والعراقيل والجرائم بحقه.
‏22‏ نيسان‏، 2019  
kurdaxi@live.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…