الحرب على الأزداهية حرب على الأمة الكوردستانية

جان كورد
 19.08.2207   هولير –

لقد قام بناء الأمة الكوردستانية، منذ البدايات السحيقة في تاريخ البشرية، وفي مهد الحضارة الإنسانية كوردستان، على تفاعل العديد من الثقافات والأقوام والديانات، قديما وعبر العصور، ولايزال المجتمع الكوردستاني، محافظا على تنوعه الاثني واللغوي والديني، دون تطرف أو عداء يصل إلى حد إلغاء الآخر أو القضاء عليه بالقوة والعنف، أو كما يقال: بحد السيف.

فهذه الثقافة الغريبة عن المجتمع الكوردستاني، تسللت مع المحتل الأجنبي، عبر التاريخ، كالمحتل المغولي – التركي الذي خضب سهول آسيا كلها بدماء الشعوب، والعربي القادم من الصحراء ذات اللون الواحد الذي لايقبل التنوع والتعددية إلا في حدود ضيقة، والغربي الذي مثله الصليبيون بفظاعاتهم شر تمثيل…
كان ولا يزال في قلب كوردستان قرى وبلدات مختلطة دينيا وقومي ، تعايشت جماعاتها، جنبا إلى جنب، في سلام ووئام، دون أن تنغص العيش على بعضها بعضا، والقصص والملاحم الشعرية والأغاني الكوردية التي جمعها المستشرقون في كتبهم من أفواه الكوردستانيين تؤكد ما نقوله، ولكن الكثيرين يجهلون عن هذه الحقائق التاريخية، ويظنون- لتأثرهم بثقافات الآخرين- بأن الكورد أيضا في حرب عقائدية داخلية في مجتمعهم… أما الذين يعرفون التاريخ الكوردي بشكل جيد فإنهم يدركون مدى احترام الكوردستانيين لحرية عقائد بعضهم بعضا، فالمسيحيون واليهود والأزداهيون والكاكائيون والعلويون وغيرهم، كانوا على الدوام، ولا يزالون، مكونات اساسية في المجتمع الكوردستاني الواسع المتعدد الألوان كنقش فسيفسائي جميل.


لقد سدد الإرهابيون سهامهم القذرة إلى ضلع من ضلوع هذا المجتمع الإنساني المتقدم على سلم التطور الروحي والعقلي للبشرية، انتقاما من الكورد الذين رفضوا الانجرار إلى أتون الحرب الطائفية التي كادت تقصم ظهر العراق، والتي راح ضحيتها حتى الآن مئات الألوف من الأبرياء ، من مختلف الملل والنحل، لا لشيء إلا ليحقق من خلاله الإرهابيون أهدافهم الاجرامية، وفي مقدمتها دك صرح العراق الحر الديموقراطي الجديد… وطبعا لهم أهداف اجرامية أخرى من وراء العمليات الإرهابية التدميرية هذه، منها محاولة بث الرعب في صفوف الكورد الأزداهيين واجبارهم على الرحيل والهجرة من مناطقهم التي عاشوا فيها عبر مختلف العصور التاريخية ليتسنى لهؤلاء المجرمين التغلغل إلى المنطقة والانطلاق منها لطعن اقليم كوردستان العراق بخناجرهم المسمومة في ضلوعه الأخرى، وليؤسسوا لهم هناك نقاط اتصال مع الطرف الآخر من الحدود، حيث يطبق مشروع استيطان وتعريب مكمل لهذه السياسة المعادية لوجود الأمة الكوردية، التي يخاف أعداؤها من صحوتها الكبرى ومن تلاقيها وتضامنها وتلاحمها، رغم كل الحدود التي تجزئها في اتجاهات عديدة.

هذا الارهاب الذي راح ضحيته المئات من الأطفال والنساء والشيوخ المسالمين يجب أن يتوقف، هذه الوحشية التي تفوق كل ما يتصوره العقل البشري من اجرام يجب أن يوضع لها حد صارم وحاسم، ولكن توقف مثل هذا الاجرام الكبير لن يتم ما لم يقم كل الكوردستانيين بواجبهم القومي تجاه بعضهم بعضا، وفي مقدمة ذلك حماية الأقليات العرقية والدينية، أيا كانت… فالجميع مستهدفون، وانها حرب على الأمة الكوردستانية، ولايحق لنا أن نتخلف عن أداء واجبنا القومي والإنساني في ساحة الحرب الوطنية هذه… إنها الحرب على الكورد جميعا، فلنفتح عيوننا ولنتحرك صوب وحدتنا وتماسكنا وتضافرنا حتى نستحق حياة في الحرية.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد جميل محمد جسّدت مؤسسة البارزاني الخيرية تلك القاعدة التي تنصّ على أن العمل هو ما يَمنحُ الأقوالَ قيمتَها لا العكس؛ فقد أثبتت للكُرد وغير الكُرد أنها خيرُ حضن للمحتاجين إلى المساعدات والمعونات والرعاية المادية والمعنوية، ومن ذلك أنها كانت في مقدمة الجهات التي استقبلَت كُرْدَ رۆژاڤایێ کُردستان (كُردستان سوريا)، فعلاً وقولاً، وقدّمت لهم الكثير مما كانوا يحتاجونه في أحلك…

ريزان شيخموس بعد سقوط نظام بشار الأسد، تدخل سوريا فصلًا جديدًا من تاريخها المعاصر، عنوانه الانتقال نحو دولة عادلة تتّسع لكلّ مكوّناتها، وتؤسّس لعقد اجتماعي جديد يعكس تطلعات السوريين وآلامهم وتضحياتهم. ومع تشكيل إدارة انتقالية، يُفتح الباب أمام كتابة دستور يُعبّر عن التعدد القومي والديني والثقافي في سوريا، ويضمن مشاركة الجميع في صياغة مستقبل البلاد، لا كضيوف على مائدة الوطن،…

كلستان بشير الرسول شهدت مدينة قامشلو، في السادس والعشرين من نيسان 2025، حدثا تاريخيا هاما، وهو انعقاد الكونفرانس الوطني الكوردي الذي انتظره الشعب الكوردي بفارغ الصبر، والذي كان يرى فيه “سفينة النجاة” التي سترسو به إلى برّ الأمان. إن هذا الشعب شعبٌ مضحٍّ ومتفانٍ من أجل قضيته الكردية، وقد عانى من أجلها، ولعقود من الزمن، الكثير الكثير من أصناف الظلم…

إبراهيم اليوسف ما إن بدأ وهج الثورة السورية يخفت، بل ما إن بدأت هذه الثورة تُحرَف، وتُسرق، وتُستخدم أداة لسرقة وطن، حتى تكشّف الخيط الرفيع بين الحلم والانكسار، بين نشيد الكرامة ورصاص التناحر. إذ لم يُجهَض مشروع الدولة فحسب، بل تم وأده تحت ركام الفصائل والرايات المتعددة، التي استبدلت مفردة “الوطن” بـ”الحيّ”، و”الهوية الوطنية” بـ”الطائفة”، و”الشعب” بـ”المكوّن”. لقد تحولت الطائفة…