الانتصارات الدائمة للمهزوم

ماجد ع  محمد
“يمكن لأي شخص التعامل مع النصر فقط الأقوياء يمكنهم تحمل الهزيمة” 
أدولف هتلر
استهلالٌ أشبه بالحاجز (السيطرة) نضعهُ من باب الاحتياط أمام القارئ المتخندق، الذي في الكثير من الأحيان لا يقرأ المكتوب أمامه، إنما يعيد تقليب ما برأسه من تصورات سابقة، والذي قد لا يرى الاستشهاد أعلاه مع ما سنورده أدناه إلاّ بمثابة المديح للرئيس التركي، علماً أننا قلنا مراراً وفي أكثر من مكان منذ العام الماضي، بأن الدولة التركية مسؤولة عن الانتهاكات الحاصلة في منطقتنا، باعتبار أن الشمال السوري عامةً وعفرين بوجهٍ خاص منطقة نفوذ تركية والفصائل فيها مدارة من قبل تركيا.
 وبعد تنحية القارئ المحقون جانباً والابتعاد عن فوهة نِباله، نقول: بالرغم من أن حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه رجب طيب أردوغان حصل على 778 بلدية، والشعب الجمهوري على 242 بلدية، والحركة القومية على 236 بلدية، والشعوب الديمقراطي على 63 بلدية، وحزب إيي على 22 بلدية، والأحزاب الأخرى على 42 بلدية وفق الإعلام التركي، فقد قال أردوغان، يوم الاثنين في الأول من الشهر الجاري، أمام حشد من أنصاره في المقر الرئيس لحزبه بالعاصمة التركية أنقرة، تعليقاً على نتائج الانتخابات المحلية، إثر خسارته كبرى المدن التركية، مثل أنقرة وإسطنبول، قائلاً: “إن السبب الوحيد الذي حال دون حصولنا على النتيجة المرجوة من الانتخابات هو عدم تقديم أنفسنا للشعب بشكل كاف”، ومن دون العروج على موضوع التزوير في الانتخابات أو إخفاء الصناديق والإشكاليات التي ظهرت للسطح بُعيد إعلان النتائج، فهذا الإقرار من قبل أردوغان بنتائج خسارته لأكبر مدينتين في تركيا، وتحمله تبعات تلك الهزيمة هو تصرف الأقوياء حسب رأي هتلر، بينما في المقابل فالطرف الكردي هُزم في أهم معاقلة، ومع ذلك رأينا مؤيديه مبتهجين ليس بالذي حقّقوه نتيجة هزيمتهم الكبيرة، إنما بناءً على الذي لم يحققه حزب أردوغان!!! وكلامنا هنا لا يأتي من باب العزاء لحزب أردوغان على خسارته لمدينتين، إنما بمثابة نكزة لحزب الشعوب الديمقراطية الذي لا يتجرأ متحدثاً في العلن لماذا يخسرون معاقلهم؟ وما الذي كان وراء خسارتهم المخجلة في مدنهم؟ ومَن كان وراء فقدانهم لشعبيتهم وحاضنتهم يوماً بعد يوم؟.
والسؤال الذي يطرح نفسه فإلى متى يكابر المتأثرون بفلسفة الزعيم عبدالله أوجلان ولا يقرون بهزائمهم كما يفعل الآخرون (حلفاء، محايدون، خصوم أو أعداء)؟ ترى هل الاستكبار هو الذي يمنعهم من مصارحة جمهورهم؟ أم أن سبب التهرب من المصارحة هو التكهن بأنها قد تقودهم إلى الانهيار المعنوي حين يتم الكشف عن كل ما سببه لهم أصحاب ومحتكري الفلسفة الأوجلانية الماكثين في قنديل؟ على كل حال فظاهرة التعالي في نبرة الخطاب السياسي الجامد، ولغة المكابرة التي يخرج بها ساسة وقادة وكوادر حزب العمال الكردستاني، وخاصةً حيال ما جرى منذ ثلاثة أعوام في المدن الكردية بتركيا، وكذلك ما جرى العام الماضي في عفرين، تحيلنا إلى مثالٍ اجتماعي متعلق برجلٍ تعارك مع جارٍ له؛ فخسر على أثر الاشتباك معه كل ممتلكاته بالمنازلة، ومن ثم طُرد من بيته، وبعدها وضع المنتصر يده على كل ما كان يمتلكه المهزوم، ولكن الغريب في الأمر عن المتقهقر الفاقد ممتلكاته، حيث من باب المكابرة لم يكن يذكر كل ما خسره عندما يجلس أمام من هم على شاكلته ويصدقون ادّعاءاته جهلاً أو رأفة بهذياناته، ليقص حكايته عليهم، وهو من كل الدراما الصراعية التي أفضت إلى خسرانه لكل أشيائه لا يذكر شيء غير قوله: “لقد شتمته في عرضه وصفعته على وجهه إبان النزال” متصوراً بأنه المنتصر لأنه شتم خصمه وصفعه، بينما لا يذكر قط كيف تم لطمه، ورفسه، وانتزع المال والحلال منه، ومن ثم تكلل نجاح المعادي بنفيه خارج منطقته واحتلال منزله، فيما لا يزال مدّعي الفلاح يقص في خلواته حكايا اِنتصاره على أسماع من يصادفهم في براري الأيديولوجيا الصماء.
ويبدو للناظر وكأن سكرة العقل المتصلب أيديولوجياً هي السبب الرئيسي لسقوط صاحبه مرةً تلو الأخرى في مسيرته المتعثرة، لأن العقيدة السياسية أشبه بموانع التفكير التي تحرم المؤمن الأعمى الاستفادة من مطباته ووقعاته السابقة، حيث أنه لا يستثمر خساراته الماضية كعبره لحاضره أو مستقبله، طالما أنه محروم من فضيلة المراجعة وكشف الحسابات وأخذ العِبر من دروسه الماضية؛ ويظهر أن هذه هي العقلية الكارثية التي يتمتع بها الكثير من مستثمري الفلسفة الأوجلانية والكثير مِمَن تخرجوا من تلك المدرسة السياسية الأقرب إلى الحوزات الدينية. 
وبخصوص الاعتراف بالهزيمة أو إنكارها من باب الإباء يذكر الكاتب، رامز طالب المدهون، “أن الاعتراف العملي بالهزيمة سوف يضع النظام السياسي والمجتمع برمته أمام  حقائق مجردة تقتضي حلولاً وإجراءات عملية، بينما إنكار الهزيمة يدخل النظام السياسي والمجتمع ككل في حالة من الانحدار المتواصل نحو الفشل والتخلف و الديكتاتورية  وما يترتب على ذلك من آثار” ولكن كيف سيستفيد الحزب والمؤمنون بأفكار زعيمه ومن ورائهم المجتمع ككل من التجارب المريرة للحزب، طالما أنهم مستعدون للتضحية بما تبقى من جمهورهم في العالم أجمع شريطة عدم الإعلان عن خسائرهم، أو عدم الإقرار بهزائمهم المتلاحقة منذ أزيد عن ثلاثين سنة، نقول هذا مع إصرار المؤمنين بأفكار وتحركات أنصار تلك الفلسفة بانتصاراتهم الدائمة، وكذلك الأمر استمرار النخبة السياسية وعلى رأسهم “زوهات كوباني” الذي بكل بجاحة يرى بأن تنظيمه العقائدي هو الفائز، وذلك في تقييمه للحرب التركية عسكرياً ضد حزب العمال الكردستاني، وقوله بلغة المتهور الواثق بنفسه بأنهم المنتصرون على تركيا!! بينما عملياً وعلى أرض الواقع فعدا عن خسارتهم حتى لحاضنتهم الشعبية الحقيقية في الانتخابات، فهم حالياً لا يمتلكون شبراً محرراً من كل مناطقهم بعد أن تسببوا بدمار عدة محافظات منذ ما يزيد عن عامين كنصيبين وشرناخ وبوتان وسور آمد وو! ترى أإلى هذه الدرجة أحكمت العقيدة إقفال عقول البعض وأسبلت على أبصارهم ستارة سميكة حتى منعهتم من رؤية أي شيء من واقع الدنيا خارج مدار تصوراتهم، باستثاء منعكسات الأوهام التي يعيشونها ويتخيلونها من على الستارة المسدلة أمامهم بفضل السكرة العقائدية؟
عموماً مع إدراكنا بأن الوهم قد يقي المسؤول السياسي أو العسكري أو الحاخام العقائدي من آلام صحوة الضمير، ولكنه مع استمرار إيمان أصحاب الأوهام بأنهم المنتصرون مع كل خسائرهم، سيظل الوهم الخبيث إن لم يتم التخلص منه، أو من واجديه يفتك بالآلاف من الواقعين في ظل تأثيراته، كما سيتسبب في تدمير المجتمع الكردي برمته من وراء سطوة الواهمين واستمرار سيطرتهم على المشهد السياسي في عموم المناطق الكردية.
لذا فحتى لا تستمر آلية بُغض الحقيقة معمول بها في بلادنا إلى ما لا نهاية، ولكي يتخلص معتنقي الأفكار الصلدة من إيمانهم المطلق، ونتخلص نحن أيضاً كأبناء المجتمع من ظاهرة الدفاع المستميت عن الآراء والمواقف التي نراها نحن أو يراها غيرنا صحيحة مئة بالمئة بناءً على الهوى القبلي أو الحزبي أو الأيديولوجي، بينما هي في الأصل قد تكون مفتقرة إلى الصحة ولو بنسبة 30%، بودنا في الختام أن ننهي الموضوع بذكر شيء مما تركه آرثور شوبنهاور في كتابه الخاص بالجدل المرائي، الكتاب الذي هو برمته عبارة عن أدوات مماحكاتية وحيل سفسطائية وظيفتها إظهار المرء على أنه دائماً على صواب، ولو كان كلي الخطأ، أو يبين الواحد أمام الخصم بأنه دائم الحق ولو كان كلي الباطل، وحيث أن بعض الناس قادرون من خلال وسائلهم التضليلية، وأساليبهم التمويهية على إلباس الكذب صفة الصدق، والباطل صفة الحق، مشيراً بما معناه إلى أن من أعظم أدوات مبغض الحقيقية المغرور هو التلبيس والتدليس، والإصرار على رفع الأفكِ إلى أعلى المراتب، وإلقاء الأمانة بلا أيّ رحمة في هاوية الخاسئين. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…