عزالدين ملا
تعرّضت البشرية خلال تاريخها الطويل إلى العديد من الحروب المدمرة والمسبب الرئيسي لتلك الأحداث هو تناقض المصالح، ثم تبدأ مرحلة الاستقرار، بعد ان يتم التوافق في مصالح المنخرطين فيها، وما حصل ويحصل الآن في سوريا، فمنذ أكثر من ثماني سنوات أحداث جرت ومازالت تجري تتخطى المعقول، ولا يمكن للعقول ان يتقبلها أو يصدقها.
دعونا نعيد محطات الأزمة السورية، عند بداية الأزمة السورية كانت ثورة حقيقية، أثناء خروج الشعب السوري لانتزاع حريته وكرامته من نظام ديكتاتوري حكم سوريا أكثر من أربعين عاما بقبضة من الحديد، وكان الشعب على ثقة بقوة إرادته لانتزاع حريته، وأيضاً بكل تلك المنظمات الانسانية والحقوقية الدولية وخاصة منظمة الأمم المتحدة للوقوف إلى جانبه،
ورأينا كيف تحركت الدول والمنظمات بشكل كبير وشكلوا ما سميَّت أصدقاء سوريا، وسحبت الدول سفراءها تنديدا بممارسات النظام وتأييدا لمطالب الشعب السوري الذي قام بمظاهرات سلمية رافعين شعارات داعية إلى اسقاط النظام، ولكن النظام واجه الشعب بالحديد والنار، أدى إلى هجرة ونزوح الملايين من السوريين في الداخل والخارج، وقتل وتشريد المئات الآلاف وتدمير مدن كاملة وجعلها مدن أشباح.
رغم ذلك بقيّت تلك الدول ساكنة، لم يفعلوا شيئا سوى اجتماعات ومؤتمرات، واستمر الوضع على حاله والدول تُعقد مؤتمراتها واجتماعاتها منفردةً أو مجتمعةً، ورغم ذلك لم تتوافق في المصالح وخاصة بين الدولتين الكبيرتين أمريكا وروسيا. واستمرّ الوضع هكذا حتى ظهور تنظيم داعش الإرهابي، وكان لظهوره العديد من الاستفسارات واشارات الاستفهام، ويمكن القول هنا، بدأ تحول جديد في الأزمة السورية، من خلال تغير في المواقف والمصالح، وأصبحت الدول تعدّ العِدّة للبدء بهذه المرحلة الجديدة، الذي يعد من أكثر المراحل رعبا ليس فقط في سوريا بل على مستوى العالم، حيثُ بدأوا بإصدار قرار دولي بمحاربة الإرهاب في سوريا، وترك النظام الذي ثار الشعب ضده، وهل كل ما فعله النظام السوري ضد شعبه لم يكن إرهاباً؟
هنا تشكلت تحالفات بين الدول لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، وترك النظام يلعب ويمرح في الساحة السورية، وفتح المجال أمامه لارتكاب أفظع المجازر دون رادع له، وحتى جعلوا من النظام طرفا أساسيا في محاربة التنظيمات الارهابية. حيث تشكلت تحالفان دوليان، تحالف تقوده أمريكا مع فرنسا وبريطانيا وتركيا، والتحالف الآخر تقوده روسيا مع إيران والنظام السوري، وكلّ من التحالفين يحارب على جبهته وبطريقته وحسب ما تقتضيه مصلحته. وبذلك تم تناسي معاناة السوريين في الداخل والخارج، ورغم ذلك تأمّل الشعب خيراً بعد انتهاء داعش.
الآن وفق ما اعلنه الرئيس الامريكي بان تنظيم داعش انتهى في سوريا، ماذا بعد…؟، هذا ما يردده السوريون، فحسب منظور التحالفين بانتهاء داعش ينتهي الارهاب، وان تبدأ العملية السياسية والحل السياسي، والتوجه إلى إعمار سوريا وإقامة نظام يحقق طموحات جميع السوريين بكل مكوناته واطيافه، وحسب اعتقادي بانتهاء داعش لن تنتهي معاناة السوريين، فمازالت مصالح الدول تسيطر على المشهد السوري، وهذه المصالح تتقاطع في نقاط عديدة، ولازال هناك خلافات واختلافات كثيرة وكبيرة بين الدول المشاركة في الوضع السوري، إذا، الحل ليس بقريب حسب ما يعتقده البعض، حرب المصالح مستمرّ نحو الأمام، يمكن القول ان الإرهاب المسلح يُحدث قتلا ودمارا، وتنتهي بالقضاء عليه، أما إرهاب المصالح يتغلغل ببطئ ويقوم بامتصاص دماء الشعب دون ان يشعر، ومن كل هذه الاحداث نستنتج ان إرهاب المصالح أشد شراسة وعنفا من إرهاب المسلح.