ماجد ع محمد
قد يبدو أمر الاستعانة بالفاجرات مستغرباً لدى شريحة كبيرة من القراء، ولكن إذا علموا بأن مَن يسمهيم أو يراهم المجتمع من النبلاء، هم في ديارنا إما مبعدون عن مراكز القرار والتأثير، وإما مفتقدون، أو لعدم وجود أيّ فاعلية لهم غدا حضور بعضهم أشبه بحلقات المخصيين في رحاب السلاطين، وكما قد لا يحظى المظيوم ساعة الحاجة القصوى برؤية صاحب المروءة حتى بالبوصلة وسط الأشنيات والطحالب، كذلك الأمر يكون وجود أهل الشهامة الذين نعتناهم بالمخصصين نادراً جداً، باعتبار أن الشريف إن لم يقم بالدور المنوط به عند حلول الكوارث والملمات، هو كالمخصي الذي لا فائدة ترجى من وجوده الفيزيقي أو البيولوجي لانعاش أيّة حاضنة تعرَّض ذووها لكارثة انقراض الأشاوس.
على كل حال فنصيحة جلب الفاسقات سقتها شخصياً في أكثر من اتصال مع أبناء منطقتي التي غُزيت العام الماضي على أنغام سورة الفتح، كما كان حال أهالي كردستان العراق الذين استبيحت ديارهم وممتلكاتهم على أنغام سورة الأنفال في الثمانينات، ففي الغزوة الأولى كانت الاستباحة من قبل قادة إحدى الدول الإسلامية لدماء أطفال ونساء ورجال كردستان وطبعاً بأمرٍ مباشرٍ من صدام حسين العلماني، بينما غزوة عفرين كانت بأمر من دولة تركيا العلمانية، ولكنها بأدوات سورية قبلت أخذ ذلك الدور المخزي الذي يقضي بترك مقاتلة نظام بشار الأسد الذي ثاروا بوجهه عام 2011 والتطوع تالياً لغزو منطقة عفرين نيابة عن تركيا، وقبول الكثير منهم بكل وقاحة النيل من كرامة بشرها وشجرها وحجرها بذريعة محاربة مسلحي PYD!
أما لماذا أهملنا دور النبلاء وفضلنا الاستعانة بالمومسات؟ فلأن الأفاضل الذين يقال عنهم شرفاء إما تم تقزيمهم من قبل الدولة الراعية قبل الغزوة وأثناءها وبعدها، أو تم قصقصة جوانح الغيورين منهم، لذا لم يعد لمن قد يُعوّل عليهم وجود فاعل وقادر على الإفادة الحقيقية، لأنهم وإن وجدوا شكلياً فهم بدون أي رجاء يذكر، واقتراحنا الخاص بالاستعانة برهط الفاجرات كمنقذات جاء لأن الواقع في منطقتنا كان في الشهور الأولى من الغزو أقبح عشرات المرات من كل الآثار السلبية لممارسات الفاجرات، حيث أن غواية الإرتزاق والشحن الأيديولوجي حوّل الكثير من عناصر الفصائل إلى أناسٍ همج سمعتهم وسماتهم أقرب إلى صورة الذين كنا نقرأ عنهم في كتب الأولين.
ولماذا خطر على بالنا فكرة جلب بنات الهوى؟ رغم القدرة على التواصل مع عشرات السياسيين؟ والسبب لأن بعض الساسة المتنفذين والذين لهم أذرع اخطبوطية في الداخل هم سلفاً يعرفون المستوى الأخلاقي للكثير من قادة وعناصر مجموعاتهم المسلحة منذ سنوات، ويعرفون بأن الفرق بين الكثير منهم وبين شبيحة نظام الأسد هو فقط في اختلاف الراية التي يرفعونها والضفة التي يقبعون فيها والجبهة التي يحاربون منها، ومع ذلك لم يتجرأوا على تنظيم وتنظيف صفوفهم، وهو ما يشير ربما إلى تورط مَن لهم سلطان على العسكر بملفات الفساد مثلهم مثل العناصر الفاسدة مع قادتهم الميدانيين، ومن البديهي للذي له أرشيف غير سليم أن يغطي على كل انتهاكات مجموعاته الفاسدة، بل ومنهم من يعملون جاهدين لتقديمهم بعكس ما هم عليه، وليس فقط التستر على مقابحهم التي زكمت أنوف الأوادم في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
أما دواعي اللجوء إلى بائعات الهوى بدلاً من كرامات أصحاب اللِّحى؟ بينما بنظر الناس هن في الوقت الذي قد يكن فيه مثيرات إلاّ أنهن مستحقرات من قبل معظم طبقات المجتمع، وبمنظور الحشدِ هن في الدرك الأسفل من مقامات البشر في بلادنا، وبالرغم من كل ما قلناه للتو عنهن، ومع إمكانية أن يكون المقول بخصوصهن فيه شيء من الصواب الظاهري، ولكنه عند التطبيق العملي فغالباً يغدو الأمر مختلفاً جداً، وذلك لأنه في النظم الفاسدة يكون للمفسدين والمفسدات سلطة كبيرة وحقيقية لا يستهان بها، وغالباً ما تكون سلطة أهل الفساد أقوى أثراً من دور وفعالية أهل القيم والصلاح، وفي هذا الإطار سأرود حادثة صغيرة جداً يحكيها أحدهم عن سطوة أهل الفساد ولو كانوا من أسفل سلالم السلطة على بعض من هم في القمة، فيحكي أنه في منتصف التسعينيات أثناء خدمة العلم في اللاذقية في مفرزة محافظها آنذاك، صودف أن حظي المحافظ حينها بهبة من الدولة وهي عبارة عن نمرة سيارة ليشتري بناءً على النمرة الممنوحة له سيارة خاصة به لتغدو ملكه الخاص بعد إحالته إلى التقاعد، فذهب السائق أحمد سلمان لاستلام سيارة المحافظ من ميناء اللاذقية، إلا أنه فوجئ بعرفٍ لم يعهده من قبل، ألا وهو بضرورة أن يدفع كل صاحب عربة بقشيشاً لدورية الأمن المستلمة الميناء آنذاك، وبعد شد وجذب واتصالات مكثفة بين السائق والمسؤولين في المحافظة لم يجد مدير مكتب المحافظ ومسؤولي المحافظة مفراً من دفع المبلغ على شكل هدية لتك المفرزة الأمنية؛ علماً أنها كانت خوة وأتاوة وقحة فرضت من قبل عناصر تافهة على أعلى سلطة في المدينة أي المحافظ الذي هو بمثابة عمدة المدينة!!.
وللأسف فبعد ثماني سنوات على اندلاع الثورة السورية ضد النظام وأجهزته الأمنية المستبدة والفاسدة، إلا أنه كما كان الفساد هو سيد الموقف في مناطق النظام منذ ما قبل الثورة وبعدها، كذلك الأمر غدا الفساد هو من العلامات البارزة في المناطق المحررة، وكما كانت الأجهزة الأمنية هي الآمرة الناهية لدى نظام الأسد، فالآن الوضع في المناطق الخاضعة لنفوذ أنقرة نفس الشيء، فالأمن التركي هو الآمر والناهي ولا جرأة للفصائل العسكرية على الزحزحة أو التقدم خطوة واحدة بدون أوامر واذن مسبق من المخابرات التركية، ومن كل بد أن من كان مجرد أداة لدى جهة معينة فمن الطبيعي أن يخاف من أي طرف محسوب على تلك الجهة التي تتحكم به، لذا كان اقتراحي للأخوة في المجالس المحلية بعفرين منذ العام الماضي بضرورة الاستعانة بمجموعة من مومسات حي تقسيم*، ليس بهدف نشر الرذيلة لا سمح الله، ولا بهدف جعلهن كالاكسسوار أمام الأجانب للدلالة على مناخ الحرية في المنطقة، ولا لجعلهن مصايد لبعض الرجال النهمين لرؤية الأفخاذ المصقولة حتى يسهل خضوعهم من خلال قرون استشعار الغريزة، إنما كان اقتراحنا المتعلق بجلبهن لهدف سامي صرف، ألا وهو تحقيق العدالة في المنطقة بمعيتهن، وذلك بسبب غياب العدالة لدى أصحاب اللِحى المتنفذين وشيوخ الحملة العسكرية، وذلك باعتبار أن أي واحدة من الفاسقات ستمثل دولتها في المجالس المحلية، وهذه الممثلة من كل بد سيكون لديها القدرة العظيمة على أن تمسك بخناق كل عناصر وقادة الفصائل في منطقة عفرين، وبالتالي ستخفّف من ابتزازهم وعجرفتهم وتسلطهم على رقاب سكان المنطقة، ولمَ لا طالما أن مئات التقارير المقدمة للسلطات التركية لم تفد نفراً واحداً من سكان المنطقة، وطالما ما من تقريرٍ صدر عن منظمة حقوقية أممية خفّفت من سطوة زعران الفصائل في المنطقة، فما الضرر إذن من أن يستعن أهل المنطقة بخبرات وقدرات الفاجرات، ونحيي معهم المومسات كل صباح كما نحيي النشيد الكوسمبوليتي بكل ابتهاج، طالما أنهن قادرت على حل أكبر المعضلات، وفالحات في تحقيق العدل والمساواة أكثر من كل مشايخ الإدارة المتحكمة بمصائر الناس في كل قرى وبلدات المنطقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقسيم: أو منطقة التقسيم في اسطنبول هي في القسم الأوروبي من مدينة اسطنبول، فيها بميدان التقسيم، ويمثل الحي مركز المدينة الحديثة، تمَّ تأسيس المنطقة من قبل السلطان محمود الأول، ويوجد فيها نصب الجمهورية التركية الذي تمَّ تشييده في 1928م، كما تعتبر هذه المنطقة المركز الرئيسي لأغراض السياحة ووجهة من أهم واجهات تركيا لأغراض الترفيه والتسوق بسبب كثرة المطاعم والمقاهي ومطاعم الوجبات السريعة، وفي المنطقة على جانبي شارع الاستقلال أماكن خاصة بخدمات تقدمها بائعات الهوى من مختلف الجنسيات الغربية والشرقية.