الكورد بين منطقة آمنة و منطقة قاتلة- ج6

زاكروس عثمان
تمر الحرب الاهلية السورية بالمرحلة ما قبل الاخيرة، ولا يُعرف كم تدوم هذه المرحلة، لكن دائما تكون المراحل الانتقالية في الازمات المشابهة حرجة للغاية، ولان الحرب السورية (حرب عالمية مصغرة)، فانه يصعب التكهن بما سيحدث غدا او بعد غد، فالوضع مفخخ في سوريا الشمالية، وهو مهدد بالانفجار سياسيا و عسكريا في روزئافايي كوردستان، حيث تتفاوض عليها بشكل غير معلن واشنطن، موسكو، انقرة، طهران، في الحقيقية هي ليست مفاوضات بل مساومات وصفقات، ولم تكن الدول الكبرى في المنعطفات التاريخية السابقة تأخذ قضية الشعب الكوردي في عين الاعتبار، بل دائما كانت مصالحها تتطلب حرق الورقة الكوردية بعد انتفاء الحاجة لها.
وسوف يكون من السذاجة التوقع بان واشنطن تشاكس انقرة او طهران من اجل الكورد، بل هي تفعل ذلك لتصفية حسابات اخرى مع تركيا او روسيا، ومتى ما حصلت من خصومها على صفقة، سيكون من السهل عليها ترك مصير الكورد للمجهول، وهذا الامر ينطبق على روسيا ايضا، فان هي حصلت من تركيا على ما تريد فلن يهمها كثيرا اذا احتلت تركيا سوريا الشمالية كلها، او على الاقل سوف تسمح لها بالهجوم على روزئافايي كوردستان حتى تجبر PYD   على استدعاء قوات النظام السوري دون قيد او شرط، وهذا يعني قتل العصفور الوحيد الذي بيد الكورد وهو (الادارة الذاتية)، لو فرضنا حصول مثل هذا السيناريو، ومن ثم حصلت تسوية للازمة السورية، وبدأت العملية السياسية، بوجود نظام الاسد او اي نظام يحل محله، فماذا يملك الكورد حتى يفاوضوا الحكومة السورية عليه، ان فَقدَ الـ PYD  قوته السياسية والعسكرية وخسر الدعم الامريكي، واذا كان الـ ENKS  لا يملك اية اوراق او قوة،  يفاوض عليها كونه مسلوب من تركيا ومن الائتلاف السلفي- الشوفيني.
هذه هي المعارضات السورية بكل تلاوينها، في اوج ضعفها وهزائمها تؤكد باستمرار ان لا وجود لقضية كوردية في سوريا، فلماذا لم نسمع ردا من ENKS على تخرسات  نصر الحريري، اكبر مسؤول في المعارضات السورية وهو يقول: “الادارة الذاتية الكردية خط احمر”، طبعا هو لا يقصد رفض الادارة الذاتية على انها من صناعة TEV=DEM، بل هو يرفض اي حل للقضية الكوردية سواء كان (حكم ذاتي، ادارة محلية، فيدرالية)، فتصور ان الحريري وامثاله يكونون غدا حكام لسوريا بيدهم السلطة والقوة، هل يجدون حلا للقضية الكوردية سوى الابادة، وهل يمتلك حينها الـ ENKS سوى الندب والبكاء وخطاب الاستجداء، كما استجدوا نظام الاسد طيلة 50 عاما، ام انهم سوف يرتضون بما يُقدم لهم من مناصب صورية وامتيازات شخصية، واذا كان الحريري يؤكد رفض القضية الكوردية، اين هو الـ ENKS لماذا لا يكون شجاعا ويرد عليه بتأكيد مطلب الفيدرالية التي دوخ العالم بها. 
الى متى يستمر الـ ENKS في موقفه الانبطاحي، الم يشبع مسؤوليه من تكديس الاموال في بنوك سويسرا، الم يملوا من نعيم استنبول، لماذا لا ينظرون الى المعارضات السورية- المفروض انها معادية لنظام الاسد-  كيف انها تتحالف معه وتسير على خطاه وتزيد عليه، في انكار القضية الكوردية، الا يفترض بالـ ENKS ان يحذو حذو المعارضات التي اتفقت مع عدوها (نظام الاسد) على شطب الملف الكوردي، ان يتفق هو ايضا مع خصمه الـ PYD على الدفاع عن القضية الكوردية، ذلك بالتمسك بمشروع الادارة الذاتية على انه برنامج حل للكورد وليس للـ PYD.
اليس من واجب TVV-DEM ان ينتزع الحجج من يد ENKS  بان يدعوه الى التخلي عن تبعيته لتركيا والمعارضات السلفية- الشوفينية، ويعرض عليه المشاركة في الادارة الذاتية، وفي حال رفض الاخير ذلك، تكون الكرة اصبحت في ملعبه وهو سوف يتحمل مسؤولية التهرب من التوصل الى اتفاق مع خصمه PYD، إذ رغم ان مصير الكورد على المحك، ما زال بعضنا يقول ENKS  وبعضنا يقول TVV-DEM وقليل منا يقول روزئافايي كوردستان، هذه الحزبوية التصوفية السامة، التي تنحصر اولوياتها في نيل(السلطة- المال)، باتت تهدد اهلنا اكثر من تهديد تنظيمات المعارضات الارهابية، او قوات النظام، او الجيش التركي. 
نحن نجد جميع القوى المشاركة في النزاع السوري، تسابق الزمن وتحرك ادواتها السورية، في هذه المرحلة “مرحلة اللاسلم اللاحرب” لانتزاع مكاسب سياسية، عسكرية، دبلوماسية، روسيا وايران تحركان نظام الاسد، مع الالتزام بدعمه حتى النهاية، تركيا وقطر تُشَغلان المعارضات الارهابية مع الالتزام بهذا الدعم قدر المستطاع، امريكا تدعم الكورد عبر PYD ولكن ليس هناك التزام ثابت باستمرار الدعم، من الجانب السياسي والدبلوماسي الكورد اضعف من النظام ومن المعارضات، لعدم وجود حليف دولي او حتى اقليمي يلتزم بالدعم حتى النهاية، اذ لم تعمل الولايات المتحدة على تعويم TEV=DEM في الساحة الدولية كممثل للكورد في المحافل الدولية الخاصة بالأزمة السورية، اما الـ  ENKS  الذي يراهن على تركيا حليفة المعارضات،  فقد حرصت انقرة على تحجيمه وتقزيمه وتكبيله، وتفريغه من محتواه الكوردي، ليصبح مكون عادي في الائتلاف، وليس مكون يمثل الكورد، حيث لا نجد ENKS  في المؤتمرات الدولية، يحمل اجندة كوردية، بل يُطلب منه ان يكون على الهامش، و يلتزم الصمت، ويجلس عاقلا في المقعد الخلفي، وان لا يدلي بتصريح الا وفق ما املي عليه من الاستخبارات التركية، اليس مضحكا ان يقتصر وجود ENKS في اللجنة الدستورية على عضو واحد، تعهد سلفا انه لن يأتي على ذكر اي مشروع حل للملف الكوردي ليتم ادراجه في الدستور السوري الجديد، وانا اتحدى الـ ENKS ان يعلن تعهده بان الدستور القادم سوف يحتوي اي مادة واضحة المعالم تقر بالقضية الكوردية وتضمن حق الكورد في تقرير مصيرهم حتى ولو ضمن وحدة الاراضي السورية. 
الى ذلك لم ينجح   ENKS  في الحصول على اعتراف دولي به ككيان مستقل يمثل الكورد، وكذلك لم ينجح TEV=DEM في ذلك، ولا اظن ان هذا سوف يحصل اليوم وغدا، لان الفيتو الايراني والتركي وفيتوهات اخرى، تقطع الطريق على ايجاد مكون سياسي باسم الكورد معترف به يحضر المحافل الدولية، وطالما الكورد غائبون عمليا عن هذه المحافل، فسوف يرسم الاخرون المصير الكوردي، ولا اظنه الا مصير بائس، لكن ماذا لو دخل TEV=DEM و ENKS لا اقول تحالف او اتفاق، بل تكتيك مؤقت، واعلنا انهما باسم الشعب الكوردي غير ملتزمين باي تسويات تخص الازمة السورية، ما لم يكن هناك ممثل كوردي مستقل بنفسه حاضرا في هذه التسويات، فان وافقت الدول كان بها، وان لم توافق فلن يخسر الكورد شيئا، وهذا افضل من الحضور الاعرج الهامشي للـ ENKS الذي يوقع على وثائق لا يسمح له بقراءة مضمونها, وغدا حين تأتي الاستحقاقات سيقولون له لماذا تعترض الست من وقعت على هذا.
لا اظن ان الاحزاب الكوردية بحاجة الى ارضاء هذا الطرف السوري او ذاك، ولا حتى لارضاء تركيا وايران وعواصم اقليمية اخرى، صحيح ان الوضع الكوردي هش وممزق، ولكنه وزن ثقيل في سوريا، له اهمية لدى واشنطن وموسكو، ومتى ما تخلت الاحزاب عن انانيتها المدمرة، وكفت عن الرهان على قوى معادية، وتوصلت فيما بينها الى تفاهم مشترك حول نقطة واحدة وهي ايجاد ممثل للشعب الكوردي، فسوف يحدث ذلك اختراقا جيدأ، يكون له تأثير مفيد على المجتمع الدولي. 
الخلاصة كانت الادارة الامريكية، في عهد بارك اوباما مرتبكة مترددة، حيال الحرب السورية، ولم تمتلك واشنطن اية شهية للتدخل بشكل فعال، وازداد التردد في عهد ادارة الرئيس دونالد ترامب، ولولا الضغط الهائل من صقور ادارته وصقور الكونغرس، وحلفائه الاوروبيين، لكان نفذ بالفعل انسحاب كامل لقوات بلاده من سوريا، وترك روزئافايي كوردستان، بين مطرقة تركيا وسندان النظام السوري، وحيث ان ترامب متقلب المواقف ومتردد بشأن سوريا، وانه لا يقدم على قرار ايجابي يفيد الكورد، الا صاغرا لفريقه في الادارة، بات من واجب PYD  و ENKS، العمل على الدفع بالإدارة الامريكية الى قرار حاسم لا رجعة عنه، بخصوص المنطقة الآمنة، وحين تجد واشنطن ان الاحزاب الكوردية متفقة على موقف واحد بشأن فرض حماية امريكية، اوروبية، دولية، على روزئافايي كوردستان، فهذا يساعد ترامب على اختيار الكورد بدلا من اختياره للاتراك، خاصة ان احتمالات بناء المنطقة الآمنة، حسب المعلومات الاخيرة، باتت اقوى من احتمالات عدمها، وحتى لا يقال انني منحاز الى PYD اقول لا مانع ان يمسك ENKS ادارة ليس المنطقة الآمنة فحسب بل كذلك ادارة سوريا كلها، ولكن شرط ان يكف عن لعب دوره الرخيص كأداة للأجندة التركية، ويتخلى عن تحالفه المقدس مع المعارضات السورية باعتبارها وفقا لفكرها السلفي- الشوفيني، اكثر طرف معاد للامة الكوردية، واذا كان ENKS حقا يعتبر نفسه حاملا للقضية الكوردية، عليه الكف عن تحالفه مع الارهابيين المعادين للكورد, وان يراهن على امريكا وعلى PYD وعلى شعبه بدل الرهان على تركيا، ويكف عن  خلق الحجج والاعذار للتهرب من مبادرات TEV=DEM  الداعية الى التقارب مع بقية الاحزاب الكوردية، ويبقى السؤال المزعج، هل يريد ENKS المنطقة الآمنة لنفسه حتى يطالب بان تكون تركيا هي المسيطرة على روزئافايي كوردستان، ام انه يريدها ان تكون للشعب الكوردي والخطوة الاولى والاساسية لبناء كياني كوردي, فان اراد خلاص الكورد عليه اثبات ذلك عمليا باعلان طلاقه من تركيا والائتلاف، وحين نقول ذلك لا نطلب من ENKS اعلان الحرب على تركيا، بل فقط التوقف عن ضرب القضية الكوردية ارضاءا لأنقرة. 
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…