تركيا .. والانتخابات البرلمانية الأخيرة

عبداللـه إمام

   أثارت الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي شهدتها تركيا يوم 22/7/2007م جدلاً واسعاً لدى مجمل المهتمين والمتابعين لشؤون الشرق الأوسط عموماً وللشأن التركي خصوصاً.

ويأتي هذا الجدل بمبرراته من أهمية هذه الانتخابات ونتائجها وآثار ذلك بالنسبة للساحة العالمية والشرق أوسطية عموماً، وعلى الساحة التركية والكردستانية على وجه الخصوص.
   فقد بقيت الساحة التركية على حالتها السابقة بالنسبة لمؤثراتها على الساحة الدولية، إلا فيما يخص الساحة الأوروبية فهناك تقدم يحتمل أن يطرأ على صعيد ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الاوروبي، وهذا ما يمكن استنتاجه من تراجع عدد المقاعد التي كان يحوزها حزب العدالة والتنمية – المصنف أوروبياً كحزب يمثل الإسلام السياسي – وكذلك حصول المرشحين الكورد المستقلين على أكثر من عشرين مقعداً مما يتيح لهم قانوناً تشكيل كتلة برلمانية سيحتاج إليها حزب العدالة والتنمية لإقرار بعض القوانين والتعديلات الدستورية وكذلك لإضعاف فرص العسكر في التحكم بالمصير السياسي للبلد، وهو الهدف المشترك الذي يجمع بين البرلمانيين الكورد والأردوغانيين.

ومن المنطقي أن تجاوب الكتلة الكردية مع كتلة حزب العدالة والتنمية ينبغي أن يقابله انفتاح من الحكومة التركية الجديدة على الملف الكردي والتعامل معه بروحية جديدة أقل تشنجاً من قبل، وهو ما سيتداعى إلى تحسن في الموقف التركي تجاه القضية الكردية في تركيا خصوصاً وتجاه الوضع الكردي في منطقة الشرق الأوسط على وجه العموم.

وهو بدوره – إن حصل – سيخلق انطباعاً جيداً لدى الأوروبيين الذين سيجدون تقلصاً في مبرراتهم التي يستندون إليها في ترددهم وضعف إقبالهم على تركيا وقبولهم لها كعضو في الاتحاد الأوروبي.

   لقد أراد الناخب التركي في هذه الانتخابات أن يتوجه برسائل إلى كل من السياسيين والعسكريين في تركيا:
الأولى فحواها أن التشدد القومي ومساندة العسكر له لم يعد مقبولاً، بل بات الوضع يحتاج إلى تجاوز تلك العقلية والانتقال إلى دولة مدنية لا تسمح للجهاز العسكري بأن يتدخل في السياسة متجاوزاً حدود مهامه الوطنية الدفاعية والوقائيــــة.
   وأما الثانية ففحواها أن تسليم زمام الحكـم بالمطلق لممثلي الإسلام السياسي لم يعد مقبولاً ، بل بات الوضع يحتاج إلى ترسيخ العقلية العلمانية في حكم الدولة.
   ولعل الـسياسة الإصلاحية التي اتبعـها حزب العدالة والتنمية وعدم وقـوعه في مطب محاولة أسلمة الدولة قد أكـسـبه بعضاً من الثقـة من جـانب الناخب التركي، وتلك هي رسالته الثالثة.
        وإذا كـان لهـذه الانتخابات من نتائـج عـلى الصعيد العربي والإسـلامي ، فقـد أثبتت أن المجـتمعات الإسـلامية عـامةً ، والعربية من بينها، يمكنها أن تكون مجتمعات ديموقراطية، وأن الأحزاب الإسـلامية يمكـنها أن تكون أحزاباً معـتدلة بعـيدة عن التطرف الديني ، وأن الناخـب الشـرق أوسطي يمكـنه – إذا تم إفساح المجـال له – ان يختار الحـكـم الديموقراطي الإصلاحي المدنـي المنفتـح عـلى الحضارة الغربية والراغب في حل المعضلات القومية والطائفية بشكل سلمي وديموقراطي بعيداً عن العنف والاستبداد والشوفينية.

    إن نتـائج الانتـخـابات البرلمانية فـي تركـيا لم تكن مفاجئة ً أو غريبة عـن توقعات المراقبين والمتابعين للشـؤون التركية والشرق أوسطية ، ولعـلهـم يقدرون مدى أهميتها وتداعياتها داخل تركيا وآثارها على المحيط التركي الـجـغـرافـي .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…