الرئيسان أوباما / ترامب ومبدأ ترك الفراغ

قهرمان مرعي
على عكس مبدأ أيزنهاور، الرئيس الأمريكي الذي بقي في المنصب خلال (1953ـ1961)  صاحب مبدأ سد الفراغ الذي تركه الاستعمار التقليدي الفرنسي والانكليزي في مناطق متعددة من العالم ومنها منطقة الشرق الأوسط في مواجهة المَدّ السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية، أثناء الحرب الباردة والذي يتلخص في تلبية طلب أية دولة في الشرق الأوسط بالتدخل العسكري عند تَعرُض سلامة أراضيها واستقلالها السياسي لأي خطر، من قبل الشيوعية الأممية، متمثلاً بالإتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية أو الأنظمة المحلية التي تدّعي الاشتراكية و تقديم المساعدة العسكرية والاقتصادية لهذه الدول دعماً لاستقلالها الوطني ولقرارها السياسي ومنع الهيمنة الأيديولوجية من الانتشار والتمدد. 
مثال ذلك، التدخل العسكري الأمريكي في لبنان بناء طلب رئيسها كميل شمعون عام 1958 بسبب تهديدات الرئيس المصري (الجمهورية العربية المتحدة) جمال عبد الناصر وتدخله في الشأن اللبناني الداخلي. وكان الدعم الأمريكي وحلفائه للمعارضة الأفغانية ضد الاحتلال السوفيتي وخروجه مهزوماً عام 1989 جزءاً من هذه الإستراتيجية، وكذلك طرد عساكر الدكتاتور المجرم صدام حسين من الكويت 1991 وعلى إثر ذلك قيام انتفاضة شعب كوردستان العراق في الخامس من آذار من العام ذاته وتحقيق حكمه الذاتي / الفيدرالية، امتداد لسقوط بغداد 2003.
ـ الرئيس الأمريكي أوباما (الحزب الديمقراطي) وخلال حكمه لفترتين متتاليتين (2009ـ 2016)عمل بشكّلٍ منظّم وهادئ على ترك الساحات الملتهبة في الشرق الأوسط وتحديداً العراق منذ عام 2010 بعد انتشار النفوذ الإيراني السياسي والثقافي والعسكري في مختلف مناطق العراق، وكذلك كوردستان، وبعد تعرض القوات الأمريكية لاستنزاف موجَعْ من ما كان يسمى بالمقاومة العراقية المدعومة إيرانيا وبمساهمة لوجستية مباشرة من النظام السوري لبقايا البعث الصدامي من الضباط والحاضنة الشعبية في المناطق السنية، كان الهدف منه إزاحة هدفين معترضين لسياسات إيران الطائفية بحجر واحد، وكذلك تنامي الدور الروسي، بدءاً من جورجيا و أوكرانيا ودعم القاعدة وطالبان في أفغانستان بالتحالف مع إيران لمواجهة المشروع الأمريكي في عموم المنطقة حتى مجيئ ثورات شمال أفريقيا والشرق الأوسط في ربيع 2011 و لحين ظهور تنظيم داعش الإرهابي، مما دفع إدارة أوباما للاضطرار على العودة بقواته الجوية لحماية قواعده العسكرية في العراق وكوردستان وكانت محصلة العمليات التي نتجت عن ذلك تدمير الحواضر السنية الكبرى والتاريخية في كل من العراق وسوريا (الموصل، حلب…) والتي انصبت بالنتيجة لصالح مشروع الاستحواذ الإيراني وظهور الميليشيات الطائفية (الحشود الشيعية) في كل من سوريا والعراق وتعزيز موقع حزب الله اللبناني الطائفي سواء في بلاد الشام أو ضمن التوازنات اللبنانية الداخلية، على حساب تراجع دور قوى الثورة الحرة، الفاعلة على الأرض، الهادفة إلى التغيير والبناء وتعزيز دور المجتمع المدني وحقوق الإنسان وعودة الحياة الطبيعية بعيداً عن الاستبداد والدكتاتورية، وبالنتيجة حصل ما حصل من تمكين الثورة المضادة من العسكر للانقلاب مجدداً على الشرعية الثورية والديمقراطية في كل من (ليبيا ومصر وسوريا واليمن) وبالتالي تمادي روسيا متمثلة بالمافيا (البوتينية) الحاكمة من تعزيز دورها العسكري على سواحل البحر المتوسط توازياً مع الدور الدبلوماسي والضغط السياسي تجاه الولايات المتحدة وأوروبا في مختلف القضايا والإحداث التي عرضتها و تعرضها مجلس الأمن الدولي وهيئات الأمم المتحدة، لمنع الشرعية الدولية من القيام بحفظ السلم والأمن الدوليين وعلى حساب قضايا الشعوب في الحرية والحياة الكريمة.
ـ لم تحدث في مرحلة الرئيس ترامب (الحزب الجمهوري) منذ يناير2017 أي تغيير جوهري في ميزان القوة والنفوذ في المنطقة والتي تأرجحت كفتها دائماً لصالح روسيا وإيران وحلفائهم المحليين وتعززت بعد انضمام تركيا إلى حلف الشر المتناقض والغير متجانس.
ويتسم فترته بالقلق والتردد وفقدان الثقة بين أركان إدارته، ناهيك عن حلفائه من الدول والقوى المحلية، بسبب مواقفه المتغيرة وقراراته المفاجأة، لهذا في كل فترة تأتي تغريداته على (تويتر)، بترك الساحة والانسحاب من شرق الفرات أو العراق صادماً للجميع في ظل الصراع الدائر بين مختلف القوى والدول.على سبيل المثال بعد إعلانه الانسحاب من شرق الفرات، تبعه تصريح آخر، ضرورة البقاء لبعض الوقت في قاعدة التنف (المثلث الحدودي للبادية السورية) ومن ثم نية الاحتفاظ بـ 200 جندي في شرق الفرات، أرتفع العدد إلى 400 وفي هذه الأثناء (نقلاً عن الصحفي رائد فقيه /الجزيرة… وول ستريت جورنال تنقل عن مسؤولين أن البنتاغون يتحضر لترك 1000/ألف جندي أمريكي في سوريا) وفي الوقت ذاته يعلن مسؤول الحرث الثوري الإيراني تزامناً مع زيارة الرئيس روحاني إلى بغداد بأنه تم تجهيز 200000/ مائتا ألف مقاتل شيعي وتدريبه لصالح محور المقاومة في سوريا والعراق.
باعتقادي ستلجأ إيران إلى تعزيز تحالفاتها الإقليمية لمواجهة العقوبات الاقتصادية الأمريكية وخاصة مع تركيا كبوابة لأوروبا وآسيا ومع قطر المحاصرة خليجيا وسلطنة عمان، ناهيك عن العراق وسوريا كساحتين مستباحتين لها، لتخفيف العقوبات خلال ما تبقى من فترة الرئيس ترامب، فيما الحلف المناهض لها في المنطقة في طور التراجع داخلياً وإقليمياً، بمعنى أن ترك أمريكا لأي فراغ في المنطقة ستكون استرجاع لعوامل الانتكاسة في مجمل قضايا المنطقة المصيرية. بينما الاعتقاد السائد أن الوجود الأمريكي في سوريا والعراق في الحقيقة غير متوقف على العدد، بل يتعداه إلى الحالة النفسية والأمنية بكل مؤثراتهما على مختلف الفرقاء حتى إن لم تكن هناك منطقة أمنية كما يروج لها، مادام هذا الوجود والنفوذ سيبقيَانْ بمعزل عن تصريحات الرئيس ترامب وتغريداته حول خرائط تمدد دولة (داعش) أو الشطب عليها. 
في 22/آذار/ 2019 .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…