في الذكرى السنوية الثامنة للثورة السورية : تشديد على النضال و تأكيد على الوحدة

يمكن القول باختصار شديد على ان جميع مراهنات الثورة السورية قد سقطت ، وخاصة الخروج من دائرة العفوية وبروز رأس  وبرنامج اقتصادي واجتماعي موحد ، حيث ترك هذا الامر بصمات واضحة في المألات اللاحقة للثورة ، في ظل تعقيدات الوضع السوري العام و تحولها إلى انتفاضة مسلحة والانقسام العمودي للمجتمع ، وعدم توفر الدعم الاقليمي والدولي الكافيين ، والذي تراجع في الآونة الاخيرة لدرجة بان الحديث عن الحل السياسي والقرار 2254 وتفعيل مسار جنيف ، قد اصبح من المنسيات في سياسة هذه الدول التي استثمرت في الثورة السورية بدءا بالجانب الاقتصادي ، وانتهاء بموضوع اللاجئين ، وتفكيك الدولة السورية واضعافها كي لا تشكل خطرا على امن اسرائيل !
وحول المنطقة الامنة في  ما تسمى بـ ” شرق الفرات ” من الواضح بأن الأتراك لا يريدون موافقة التحالف الدولي على إقامة منطقة عازلة في الشمال فحسب ، بل يريدون أيضاً أن تكون تركيا هي من تقيم المنطقة العازلة وأن تكون لها اليد الطولى والكلمة العليا فيها، وأن تكون منطقة عازلة وآمنة في آن معاً، بما يعنيه ذلك من إبعاد “وحدات حماية الشعب ” وأسلحتها الثقيلة عن حدودها ؛ أي حظر طيران ومدفعية وصواريخ وكل ما إلى ذلك ، وجعلها مكاناً آمناً لبناء قدرات المجموعات المسلحة الموالية لها ومنصة انطلاق لمحاربة حزب العمال الكردستاني او ابعاد “خطره” عن الداخل التركي ، حيث يعيش فيها اكثر من 20 مليون كردي على الجهة المقابلة من الحدود . ولهذا السبب تعتبر الكثير من الفصائل العسكرية (وتحديداً الإسلامية) أن الشروط التركية واقعية وتمثل تصحيحاً لوجهة التحالف الدولي وبوصلته.
من جهة أخرى، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر أن دخول الأتراك في تنفيذ المنطقة الامنة  بهذه الشروط سيعني عودة الإسلاميين من النافذة ، لأن منطقةً عازلةً آمنةً ، لتركيا اليد الطولى فيها، يعني عودة الإسلاميين للسيطرة على الميدان في سورية ، وهو ما لا تريده الولايات المتحدة الأمريكية (ومعها مصر والسعودية والإمارات والأردن)، لأنها لا تريد أن يكون للإسلاميين الثقل الأساسي والأكبر في المعادلة السياسية والعسكرية في المستقبل ، ولذلك نشهد معركة عض الأصابع بين تركيا والتحالف الدولي ، ولن تنتهي هذه المعركة على الأرجح  بتركيع أحدهما للآخر، وإنما بالوصول إلى تسوية معينة بين الطرفين . فالتحالف الدولي لن يسمح لتركيا باجتياح مناطق شرق الفرات لكنها ستلتزم على الاغلب بتطبيق المرحلة الثالثة من اتفاق منبج مع الولايات المتحدة الامريكية .اما بعد الاحتلال التركي لمنطقة عفرين  فقد تفاقمت  معاناة اهالي عفرين يوما بعد يوم و ازدادت الانتهاكات و الفظائع بحقهم من الاختطاف الى  الابتزاز المالي و القتل على الهوية و حرق حقول الزيتون و تجريفها , و استهداف المواقع الاثرية و طمس الهوية الكردية  لابل  تتريكها، واجراء التغيير الديمغرافي على قدم و ساق  باستقدام عشرات العوائل من مناطق الصراع المسلح .
في بداية الثورة السورية عام 2011 وقبل ان تتحول الى حروب بالوكالة ، شارك التيار بقوة في التظاهرات واصبح جزءا محركا من الحراك الشبابي الكردي ، وانطلق مع الثوار في  شعارات تعبر عن توق الشعب السوري الى الحرية والكرامة والعدالة والحقوق القومية الكردية ، وساهم في تشكيل المجلس الوطني السوري حيث كان الشهيد مشعل التمو عضو في الامانة العامة .
اليوم نرى انقساما في المجتمع الكردي ، فالاوجلانية التي اصبحت واقعا سلطويا غير شرعياً ، باتت تمارس ابشع انواع الاستبداد والشمولية والاستفراد بموارد المنطقة ومصير الشعب الكردي ، وترفض المشاركة وقبول الاخر ، وتفرض ايديولوجيتها ومنطقها في المنطقة  ، وتختلق الازمات وتفضل الاخرين على العنصر الكردي ، بينما المجلس الوطني الكردي لم يستطع هو الاخر حتى الان ان ينتزع اعترافا من المعارضة السورية التي يتشارك معها بالحقوق القومية الكردية ، لا بل يصف انصار المعارضة الكرد بأبشع الصفات .
اما نحن في تيار المستقبل  فقد وصلنا الى مرحلة العطالة  في التعبير عن مصالح الكتلة الصامتة الكردية او من لم يعد ينتمي الى الاحزاب  كما كان مامولا منا في بداية الثورة ، وذلك لأننا حوربنا على كافة الصعد ، وخاصة من لدن الاحزاب الكردية التي وجدت في تيار المستقبل خطراً وجوديا يهدد كينونتها ، كما استطاعت السلطة  ان تغتال قائدنا الشهيد مشعل التمو برصاصات غادرة برضى وتواطؤ الميليشيات الكردية التي سلمتها المناطق الكردية لاحقاً !
وفي هذا السياق نطالب كافة اصدقاء وانصار واعضاء التيار السابقين والحاليين الى تشديد النضال ونبذ الخلافات و المساهمة في التحضير لعقد مؤتمر عام للتيار للنهوض به وتشكيل قيادة جديدة قادرة على استعادة دور وعافية التيار ليأخذ موقعه الطبيعي في بناء سورية جديدة قائمة على  المواطنة المتساوية والاعتراف بالحقوق القومية والدينية لكافة المكونات دون تمييز او اقصاء  .
قامشلو 18- 3-2019
الهيئة القيادية لتيار المستقبل الكردي في سوريا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…