بث مباشر … أم … شتم مباشر ..؟؟

أكرم الملا
أتاحت منصات التواصل الاجتماعي للجميع فرصة الوصول بشكل أوسع للناس والتواصل معهم، وتبادل حوارات سياسية واقتصادية واجتماعية ورياضية وثقافية وإنسانية، والبعض استطاع التعامل مع تلك الميزة بشكل محترف، ومن خلالها استطاع توسيع شبكة علاقاته على كل الأصعدة.
البعض الآخر، وهم للأسف كثر، امتطى منصات التواصل الاجتماعي وسيلة للظهور فقط؛ حيث يمارسون نرجسيتهم، وأن أي شخص بمجرد ظهوره عبر (فيسبوك مباشر) يمكن له أن يحلل، ويتوقع، ويفسر ما يجري باعتباره ” محللا سياسيا واقتصاديا “، وأنه مسموح له، وفقا لذلك، أن يقول ما يريد ويعبر عن أمراضه النفسية وعقده الفكرية.
المشكلة أن هؤلاء يقتحمون الفيسبوك، مقدمين أنفسهم كمحللين سياسيين، حتى أنهم أشعروننا أن المحلل السياسي مهنة من لا مهنة له، وأن ميزة التحليل السياسي تنطبق عليهم لمجرد ظهورهم عبر (فيسبوك) فيقومون بما يحلو لهم من شتم وتحريف للحقائق، فلا فكر ولا منطق في الكلام ولا بيان ولا حقائق.
المتابع الجيد، يستطيع منذ الدقيقة الأولى ملامسة ضحالة بعضهم وخوائهم الفكري وفراغهم الإيديولوجي، ومنذ الحرف الأول الذي ينطقون به تكشف حجم العقد النفسية التي يرزح تحتها أولئك الذين يقدمون أنفسهم للناس باعتبارهم محللين سياسيين أو اقتصاديين.
ولأننا الكورد نعشق تقليد بعضنا البعض، فما إن يطل علينا بعض أولئك الطفيليين عبر المباشر في (فيسبوك) حتى يتهافت الآخرون لتقليدهم، فيصبح الفيسبوك عامرا بتلك الوجوه المعقدة التي لا تمتلك معلومة وتبث سموما فكرية في المجتمع.
المشكلة لا تكمن فقط في ممارسة أولئك هذا الدور، وإنما في حجم الناس الذين يمكن أن يرددوا إشاعاتهم من دون قصد،  ثقافة غالبيتنا سماعية، ولذا نرى أغلبنا يقول سمعت!، وقال لي فلان!، ونادرا ما نصدف من يقول قرأت، أو رأيت وثائق ومستندات.
ولأن الغالب منا لا يقرأ ولا يعيد المعلومة لمصدر موثوق، تصبح المعلومة غير الدقيقة التي قالها شخص غير معروف ظهر عبر (فيسبوك) وقال ما قال واتهم من اتهم، تتحول تلك المعلومة عند بعض المستمعين الى حقيقة  يتناقلها البعض، وآخرون يقومون بمشاركة الرابط على صفحاتهم فتصبح الأمور أكثر تعقيدا، وتصبح الإشاعة التي انطلقت من مأزوم سياسي وفكري حقيقة يتناقلها الناس.
المؤسف أن تلك المعلومات التي يقدمها أُولئك ” المحللون السياسيون “، والمعلومات المغلوطة التي يتحدثون بها تصبح كالسموم في المجتمع، وقد تتفاجأ بأن حزبيا أو سياسيا يتحدث بالمعلومات ذاتها غير الدقيقة، فتصبح الحقيقة غائبة ومن يريد معرفتها وسط غابة الإشاعات تلك يتعين عليه البحث عن إبرة وسط كومة قش.
الأصل أن نحصن أنفسنا من أولئك المتطفلين، وأن لا نردد إشاعات غير دقيقة تحت عنوان سمعت وقال لي فلان، ولا نرد ما يقال قبل أن نتأكد يقينا أن ذلك حقيقي وليس إشاعة، وأن الشخص الذي قدم لنا تلك المعلومات يملك مؤهلا ثقافيا وسياسيا ومعرفيا يجعله محللا سياسيا، وليس مجرد شخص أعجبته فكرة أن يصور نفسه عبر جهازه الخلوي الخاص وأن يظهر عبر فيسبوك متحدثا لنا بخزعبلات غير حقيقية.
لست ضد أي شخص يخرج متحدثا لنا عبر الفيسبوك بمعلومات ذات قيمة وفائدة وحقيقية، ولست ضد أن نجعل من منصات التواصل الاجتماعي ساحة حوار حقيقي تقوم على التواصل وتبادل الأفكار والمعلومات، وفعلاً هناك أُناس يظهرون على صفحات (الفيسبوك مباشر) يقدمون الفائدة ويُظهرون الحقائق ومصادرهم تكون موثوقة والفائدة من ظهورهم تكون معممة وايجابية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…

شيركوه كنعان عكيد تتميز سوريا كما يعرف الجميع بتنوعها القومي والديني وكذلك الطائفي، هذا التنوع الذي استطاعت السلطة البائدة أن تبقيه تحت السيطرة والتحكم لعقود طويلة في ظل سياسة طائفية غير معلنة، ورغم أن علاقة الدين بالدولة بقيت متشابكة، إلا أنها لم تصل إلى حد هيمنة العقلية الدينية أو الطائفية على مؤسسات الدولة بصورة صريحة. أدى ذلك الوضع تدريجيًا إلى…

علي جزيري نشرت جريدة قاسيون، في الخميس المصادف في 17 نيسان 2025 مقالاً تحت عنوان: “لماذا نحن ضد الفيدرالية؟” انتهج القائمون عليها سياسة الكيل بمكيالين البائسة بغية تسويق حجتهم تلك، فراحوا يبرّرون تارة الفيدرالية في بلدان تحت زعم اتساع مساحتها، ويستثنون سوريا لصغر مساحتها…! وتارة أخرى يدّعون أن سويسرا ذات (أنموذج تركيبي)، يليق بها ثوب الفيدرالية، أما سوريا فلا تناسبها…

صلاح عمر منذ أن خُطّت أولى مبادئ القانون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، ترسخ في الوعي الإنساني أن الشعوب لا تُقاس بعددها ولا بحدودها، بل بكرامتها وحقها في تقرير مصيرها. ومنذ ذلك الحين، أُقرّ أن لكل شعب الحق في أن يختار شكله السياسي، وأن ينظّم حياته وفق هويته وتاريخه وثقافته. هذا المبدأ لم يُولد من رحم القوة، بل من عمق…