فلتكن الانتفاضة الكوردية عبرة لنا

  عزالدين ملا
هناك أحداث تُكتب في سجلات التاريخ، وتكون بصمة عزة وكرامة لذاك الشعب الذي قام بالحدث، والشعب الكوردي التي تذخر تاريخه بأحداث هامة يستذكره بكل افتخار، والانتفاضة الكوردية كانت ذاك الحدث الذي أصبح نجمة الأكثر بريقة في تاريخ الانسانية والأكثر بشاعة لوجه ذاك النظام الذي ليس في سجلاته أي مشاعر للرحمة أو الرأفة على شعبه وأبناءه، وأظهرت للعالم بشاعة ودموية النظام السوري، وكانت الانتفاضة بمثابة ثورة شعبية حقيقية، خرج الشعب الكوردي بأكمله إلى شوارع مدن وبلدات كوردستان سوريا وحتى داخل عقر النظام الحاكم في أحياء عديدة في العاصمة دمشق ضد الاستهتار والظلم الذي مارسه ويمارسه النظام وأدواته ضده، وضد مطالبه ووجوده وحقوقه المشروعة، وقد كانت ثورة سلمية بكل معنى الكلمة.
تمر هذه الأيام الذكرى الخامسة عشرة على أحداثه، والذي كانت شرارتها الأولى يوم الجمعة 11/3/2004 أثناء مباراة لكرة القدم في مدينة قامشلو جمع بين فريق الجهاد الكوردي وفريق الفتوة القادم من ديرالزور، الذي جاء مع جمهوره بمخطط مدروس من السلطات الأمنية، بهدف كسر شوكة الكورد ومعنوياته ومشاعره، الذي ازداد بريق مشاعره وارتفاع معنوياته من خلال انتصارات الكورد في العراق بعد سقوط النظام الدكتاتوري فيها، وظهور كيان كوردي شبه مستقل بقيادة الرئيس مسعود البارزاني، فكان الحقد والكره الذي تعشش في قلب النظام وقلوب العنصريين البعثيين في سوريا من مشاعر الكورد في سوريا بالسعادة والفرح من ذاك الانتصار. 
هذه الانتفاضة التي أثبتت لكل السوريين والعالم على أحقية مطالب الكورد، حيث خرج الشعب الكوردي عن بكرة أبيها، لم يبقى مدينة أو قرية أو بيت كوردي إلا وخرج يداً بيد ضد الظلم والاستبداد، وعبروا عن إرادتهم ومعاناتهم المؤلمة بأساليب سلمية من خلال التجمهر ورفع شعارات الحرية والكرامة وإنهاء الظلم والاستبداد، وواجهوا عنجهية النظام وآلته الدموية بصدور عارية، ولم يفكر الكورد على حمل السلاح ومواجهة عنجهية وعنفية النظام الهمجي بالعنف ذاته، بل على العكس واجهوا النظام بأساليب جعل من عرش الديكتاتورية بالاهتزاز، وان يعيد حساباته من خلال تلك القوة التي ظهرت لدى الكورد قوة الارادة والتصميم، لم يخطر ببال النظام وأعوانه أو توقعه، مما جعل النظام من الخروج عن طوره وإظهار وجهه البشع والوحشي.
انتفاضة قدمت خلالها شباب ونساء الكورد أروع ملاحم للبطولة والفداء والشهادة، وجعل النظام من إعادة حساباته، وكان سببا في الاعتراف بوجود شعب يعيش ضمن الدولة السورية ويُعَد من نسيجه الوطني، وكان السبب في كسر حاجز الخوف. ولكن ما لم يساعد في استمرارية الانتفاضة، هو عدم وقوف السوريين إلى جانبهم ودعمهم، فالكوردي وجد نفسه وحيداً أمام تلك الآلة الحديدية العنيفة.
لا الشهداء الذين سقطوا ولا الانتهاكات الذي مارسه النظام ضد المنتفضين الكورد من تحريك مشاعر السوريين، بل على العكس شارك الكثيرين منهم في مساعدة النظام إما بالمشاركة في قمع الانتفاضة أو القيام على فتح محلات الكورد وسرقتها وحرقها. 
كانت الانتفاضة الكوردية عنوان وعي وتحضر الشعب الكوردي، وكانت دافعا لمزيد من النضال ضد الاستبداد والمطالبة بالحقوق القومية المشروعة للكورد في سوريا.
الانتفاضة الكوردية وحدة الروح والصف الكوردي وجعل منهم قلعة الصمود أدخل الرعب والهلع إلى عرش النظام، فلتكن تلك الانتفاضة عبرة لنا، والنكن جميعا قلعة تحمي وتدافع عن حقوق الكورد في سوريا من خلال التقارب والتلاحم ووحدة الصف.   

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…