جان كورد
الكمال لله وحده، و دولتنا القومية الكاملة التي نأمل في أن تجمع شملنا مثل سوانا من شعوب العالم المستقلة ربما لن تقوم أبداً، إلاّ أن كفاح الأمة الكوردية من أجلها، ظل الشغل الشاغل لحركة التحرر الوطني على الدوام، رغم كل الهزائم المريرة والانتكاسات الكبيرة والمجازر العديدة والمشانق تلو المشانق، كما في شرق كوردستان، حتى في عصرنا هذا، ومحاولات أعداء الكورد بالتنسيق فيما بينهم مستمرة لتحويل وطننا كوردستان إلى مقبرة عظيمة يدفنون فيها أمل هذه الأمة في الحرية والاستقلال. وعلى الرغم من أن بعض السياسيين الكورد اعتبروا تحقيق اقامة دولة كوردستان “حلما ” كما كان الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني يردد ذلك في لقاءاته مع سياسيي الأنظمة الغاصبة لكوردستان وفي الصحافة أحياناً، إلاّ أن هذا ليس بحلم وإنما يبقى هدفاً للأمة التي ضحت وتضحي من أجل ذلك بالكثير منذ قرونٍ عديدة من الزمن.
في العقد الأخير من التاريخ، تبدل المناخ السياسي العام في منطقة الشرق الاوسط، وأدى تنامي النفوذ الكوردي في العراق بشكل مؤّثر وفعال إلى عملية تنشيط العلاقات الكوردية مع مختلف بلدان المنطقة والعالم على مختلف الصعد الاقتصادية والسياسية والعلاقات الدبلوماسيةـ بحيث صارت عاصمة الاقليم الكورردي (هولير – أربيل) مركزاً شبه يومي للقاءات الزعماء والعسكريين والمهتمين بالقضية الكوردية بشكل عام. وجاء ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الإرهابي على أثر اندلاع الثورة الشعبية السورية، بعد عدة هزات سياسية كبيرة في العالم العربي، كسببٍ هام من أسباب تزايد الانفتاح العالمي على الحراك الوطني الكوردي، وبخاصةٍ في جتوب وغرب كوردستان، حيث استخدم البعض تنظيم (داعش) للهجوم على الكورد بشكلٍ يذكرنا بغزوات الهمج والبرابرة على مراكز الحضارات العريقة في العالم، فوجد العالم الغربي في الكورد قوى مقاتلة ومؤمنة بالحرية والديموقراطية وبتماسك المجتمعات في المنطقة ولاحظوا استعدادهم للتضحية للقضاء على هذه “القوة السوداء” التي باتت تهدد المصالح والاستراتيجيات الغربية، بإعلانها قيام “دولة إسلامية” على مساحاتٍ واسعة جداً من أراضي العراق وسوريا، وشروعها في التقتيل والتعذيب بشكلٍ مرعب، ومحاولتها إبادة الكورد الايزديين بشكل تام، وذلك قي ظل التباعد الجاد بين الحكومة التركية والولايات المتحدة، وتوغل النظام الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ومحاولة الروس الوصول إلى المياه الدافئة باستغلال حاجة وضعف النظام السوري في مواجهة الثورة الشعبية والتمرّد العسكري الواسع النطاق عليه. وقد ساهم في تشابك وتعقيد المسائل في المنطقة التدخل العسكري الأمريكي في منطقة شرق الفرات بهدف محاربة (داعش) وقطع الطريق على إحداث إيران ممراتٍ آمنة لقواتها عبر العراق وسوريا صوب الحدود السورية – الاسرائيلية، والتدخل التركي في غرب الفرات الذي هدفه الأوّل والأخير القضاء على كل طموحٍ قومي كوردي كان مهما كان ضئيلاً في سوريا. إضافة إلى الغارات الجوية الاسرائيلية المتتالية على المواقع الأسدية والايرانية في سوريا، بهدف منع إيران من التمركز الواسع النطاق في سوريا وقطع الطريق على تدفق أسلحة ومعدات الحرس الثوري الايراني عبر سوريا إلى حزب الله، فأدى احتشاد القوى العالمية والاقليمية في المساحة السورية الضيقة إلى ارتفاع أسهم الوجود الكوردي في عدة بلدان متجاورة، وسط استياء غربي وعربي كبير من النشاطات العسكرية التركية والإيرانية والروسية في الشرق الأوسط.
لذا، نجد اليوم امكانية لقيام دولة كوردية غير كاملة، تجمع بين اقليم جنوب كوردستان وغرب كوردستان، ونقول “غير كاملة” لأن أكبر جزأين من كوردستان يقعان خارج الاقليمين، إلا أن هناك عوائق تقف عثرة في طريق هكذا دولة، من أهمها الخلافات الكوردية الداخلية، وتشابك العلاقات بين القوى الكوردية الفاعلة والمحيط الاقليمي بشكل عام، ووقوف الشركات البترولية العالمية ضد الطموح الكوردي في العراق، حيث أنها كانت مع ضم لواء الموصل للعراق المستحدث ووقفت ضد الكورد على طول المسار التاريخي منذ نشوء الدولة العراقية وإلى اليوم. ومن العوائق الكبيرة رفض الطورانيين الأتراك ومحاربتهم لأي مسعى قومي كوردي أينما كان، حتى على سطح المريخ، كما سمعنا سابقاً من السياسة التركية عبر العقود الماضية منذ تأسيس الجمهورية في عام 1923، إضافةً إلى التنسيق بين الدول الغاصبة لكوردستان فيما بينها، رغم الحروب والخلافات الشديدة والعميقة بينها، فالحكومة التركية الحالية مستعدة للتصالح مع نظام الأسد الذي حاربته طول سنوات الثورة السورية بدعم سائر المنظمات الإرهابية من أجل القضاء على الحراك السياسي الكوردي في سوريا، وإيران معروفة بدعمها التام لحكومة بغداد ضد الكورد، منذ اتفاقية الجزائر المشؤومة في عام 1975 بين الشاه الايراني ونظام صدام حسين العراقي. والتعاون بين تركيا العضو في حلف النيتو وايران الملالي فيما يخص الكورد لم ينقطع في يومٍ من الأيام. ويجدر بالذكر أن من المعوقات أمام نجاح هذا الاحتمال هو عدم التوافق التام بين دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية على دعم مشروع توحيد اقليم جنوب كوردستان وغرب كوردستان، رغم أن الظروف العامة في كلٍ من العراق وسوريا تساعد على قيام هكذا دولة لها أسباب القوة الاقتصادية والعسكرية لإدارة ذاتها وتحقيق إنجازاتٍ كبيرة في مختلف المجالات في حال وجود دفع دولي بسيط في الاتجاه الصحيح لتحقيق هذا المشروع الذي يعود إلى عهد الرئيس جورج دبليو بوش.
وأخيراً يمكن القول بأن الشرط الأكبر اللازم للسير على هذا الطريق الذي يبدو سالكاً في هذه الظروف الاقليمية والدولية يكمن في قدرة الكورد أنفسهم على تخطي مشاكلهم الداخلية الجانبية وتوحيد قواهم القتالية الدفاعية وفي إبدائهم الرغبة في توحيد الاقليمين، رغم المخاطر والتحديات، في ظل تنسيقهم وتعاونهم مع القوى الدولية القادرة على مساعدتهم في المنطقة، وبرأيي إن الرئيس مسعود بارزاني، هو الشخصية الكوردية الأقدر على القيام بالخطوات الأهم في هذا المجال، مثلما استطاع تنفيذ استفتاء الاستقلال في اقليم جنوب كوردستان رغم كل العوائق والتحديات ووجد الشعب الكوردي داعماً بقوة لما أراد تحقيقه من خلال الإعلان عن ذلك الاستفتاء الناجح تماماً، إلاّ أن نتيجة الاستفتاء لم تنفذ حتى الآن، ولا يحق لأحد وضع إرادة شعبنا على الرف بعد أن عبر عن حقه في الاستقلال ب”نعم” كبيرة حقا.
6/3/2019