دلكش مرعي
النهج المميز في هذه المنطقة بشكل عام والحالة الكردية الراهنة بشكل خاص هي في ظهور هذا الكم الهائل من الأحزاب.
فقد تجاوز عدد الأحزاب الكردية في غربي كردستان إلى أكثر من ثمانين حزباً وهؤلاء ليس هدفهم تحرير هذا الشعب وتأمين حقوقه بل يتخذون من السياسة كمشروع استثماري الهدف منه تحقيق مآرب شخصية كالمال والجاه والسلطة وهذا السلوك لا يأتي من العدم بل هو نابع من التراث الفكري والقيمي والعقائدي لهذه الشعوب فهذا التراث لم ينتج عبر تاريخه سوى الفراعنة والخلفاء والملوك والرؤساء الطغاة ومنذ تاريخ الفراعنة إلى يومنا هذا كان من يفرض هيمنته السياسية على هذه الشعوب كان يجعلهم عبيداً ويصبح الوطن وما عليه مزرعة له وهذا الأمر لا يحتاج إلى أمثلة لأن معظم الأنظمة في المنطقة تمارس الأسلوب الفرعوني ذاته من حيث الجوهر ..
أما مشروع تأسيس حزب كردي في غربي كوردستان فهو مجاني ًولا يحتاج إلى رأسمال أو قاعدة اجتماعية أو شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية أو موهبة سياسية بل كامل المشروع يحتاج فقط إلى خمسة أو ستة أشخاص يجتمعون وينشرون بياناً عبر الانترنت ويعلنون عن ولادة حزب جديد. فأقل ما يقال عن هؤلاء بأنهم يستثمرون في بؤس ومآسي هذا الشعب لأن ظهور هذا الكم الهائل من الأحزاب الكردية لا تنتج معها إلا المزيد من الفوضى السياسية والمزيد من الصراع والتشرذم والتفكك المجتمعي والضرر بقضية هذا الشعب.
هذا من جهة ومن الجهة الأخرى من يلقي نظرة على تاريخ هذه الأحزاب بشقيها الكلاسيكي والعقائدي سيلاحظ بأن الأحزاب الكلاسيكية عبر رحلة تشرذمها لم تتمكن عبر عقود من الزمن من توحيد الصف الكردي ولم تتمكن من تحرير هذا الشعب من قيم التخلف الفكري ولا حتى من أن تجعل الإنسان الكردي يتمسك بأرضه وبالعكس من ذلك وعبر صراعاتها وتشرذمها وتخلفها الفكري خلقت نوعاً من الإحباط لدى هذا الشعب وعدم الثقة في المستقبل فهجر ما يقارب الثمانين بالمائة إلى خارج الوطن.. أما العقائدية التي تعتقد بأنها تمتلك الحق والحقيقة والصواب المطلق فهي لحينه لم تستوعب الحالة الكردية على الأرض بل هي الأخرى تكرس الانقسام وترفع شعارات خيالية غير واقعية مثل مناهضة الامبريالية والرأسمالية بينما الكورد في هذه المرحلة هم بأمس الحاجة إلى استجرار تعاطف الدول العظمى لحمايتهم من أعدائهم والوقوف إلى جانب قضيتهم وبصراحة لا نعلم بأي آلية سيحاربون قوى عظمى تغزو الفضاء وتمتلك أحدث التقنيات المتطورة وتنتهج نهجاً علمياً على مختلف الأصعدة وتمتلك أقوى الاقتصاديات في العالم فالدول العظمى التي تنتهج المنهج العلمي في كافة المجالات لن تصيبها الانهيار والشيخوخة كما أعتقد فلاسفة ومفكري هذه العقيدة لأن الفكر العلمي في تطور مستمر ولا حدود لطاقاته فأصبحت الاختراعات والاكتشافات شبه يومية علماً العقيدة الماركسية قد أصابها الفشل في الدول الاشتراكية ولم تتمكن من التفوق الحضاري والعلمي على الدول الغربية بالرغم من إدعائها بأن ستبني مجتمعات راقية تسودها العدل والمساواة وخالية من استغلال الإنسان للإنسان فعلى سبيل المثال كان لعامل في الغرب كان أكثر رفاهاً من العامل في الدول الاشتراكية التي كانت الثورة باسمه والآن الصين أكبر الدول الشيوعية تتبنى نهج الاقتصاد الحر واقتصاد السوق وجلب الاستثمارات والرساميل ونحن هنا لا ندعي بأن النظام العالمي المعاصر هو نظام عادل وحقق العدل والمساواة بين البشر على سطح هذا الكوكب فمن المؤسف القول بأن القيم الإنسانية النبيلة مثل احترام حقوق الإنسان وحريته وكرامته لم تواكب هذا التطور العلمي المذهل والهائل فمازال الظلم والاستبداد والفقر والبؤس والاضطهاد منتشر في العديد من مناطق العالم ولكن من يريد التفوق على الامبريالية والرأسمالية عليه أن يبني مجتمعات أرقى وأكثر تطوراً وازدهاراً من مجتمعاتها عند ذاك يمكنه توجيه النقد إلى هذا النظام ويقول أنا وحدي أملك الصواب وأن نهجي هو النهج النهائي لتاريخ البشرية.. وأعتقد بأن أفضل الطرق لتحقيق النجاح تكمن في إيجاد أفضل المنهاج التربوية المعاصرة والمتطورة علمياً لأطفال الكورد مع تكريس القيم الإنسانية النبيلة في سلوكهم فنجاح المجتمعات تبدأ من تربية الطفل تربية علمية متطورة مغلفة بالقيم الإنسانية النبيلة.