دلكش مرعي
من يلقي نظرة تحليلية ومتفحصة على جملة القيم والأفكار والعقائد التي أنتجها العقل البشري تاريخياً سيلاحظ بأنه كان لكل فكر أو عقيدة أو عادة نتاج في واقع الشعوب – فالفكر الديني – على سبيل المثال أنتج الفراعنة والملوك المتألهين ومن أدعى بأنه من سلالة الآلهة وأنتج الحروب والغزوات الدينية والطائفية بالإضافة إلى التصور الخاطئ عن نشأة الكون فالصراع الطائفي في هذا البلد كمثال حي أدى إلى قتل وجرح ما يقارب المليون من البشر ودمر البلد ودمر هذا الصراع اليمن والعراق ولبنان .
أما الفكر القومي – فقد أنتج الصراعات العرقية تاريخيا فهو الذي أنتج النازية والحرب العالمية الأولى والثانية وجعل القومية الأكثر قوة تضطهد الأقل قوة أو عدداً وكانت خسائر البشرية في الحروب القومية كانت هائلة فضحايا الحرب العالمية الثانية تجاوزت السبعة والخمسين مليوناً من البشر عدا الدمار والحطام الهائل التي خلفها هذا الحرب – وحتى لا يسيء الفهم هناك فرق شاسع بين الحقوق القومية كحق تقرير المصير وهو حق مشروع وبين الفكر القومي الذي ينتج الصراعات القومية .
أما الفكر العلمي فهو الذي أنتج هذا التطور الهائل للبشرية وحرر الإنسان من الكثير من الأوهام والخرافات وخدم البشرية في جميع مجالات الحياة وهو الذي أحدث الفروقات الحضارية والاقتصادية بين الشعوب ولكن هناك من استغل هذا الفكر لمصالح استغلالية عدوانية بالضد من مصلحة البشرية كإنتاج الأسلحة الفتاكة والقوة العسكرية المتطورة والهيمنة على مقدرات الشعوب واستغلال ثرواتها فعلى سبيل المثال الشركات الاحتكارية العملاقة هي التي تتحكم بالاقتصاد العالمي وبسياسات الدول وصراعاتها وهدفها الوحيد هو الربح زد على ذلك فقد تسبب هذه الأسلحة بنشوب الحروب المدمرة وقتل الملايين من البشر… وبالنسبة لفلسفة الصراع الطبقي – فقد أنتجت هذه الفلسفة الصراع في معظم بلدان العالم وحتى ضمن المجتمع الواحد بالرغم من أن الفوارق الطبقية لم ينتجه الصراع بين الأغنياء والفقراء كما يدعي أصحاب هذه الفلسفة بل الفكر العلمي هو الذي أنتج التفاوت الطبقي والاقتصادي والحضاري بين الشعوب فاختراع جهاز أو آلة يدر لمخترعها الملايين من الدولارات فالظلم والاستبداد والصراع ينتجه الفكر المأزوم والمتخلف فهناك أغنياء خدموا شعوبهم وهناك فقراء تحولوا إلى دواعش أو جحوش أو حماة القرى ولكن مع كل ذلك كان للفكر الماركسي له الدور الكبير في تحرير المرأة والتحرر من التعصب الديني –
أما بالنسبة للعادات الاجتماعية المتخلفة – فمن بينها التمايز بين حقوق الرجل والمرأة وجعل جسد المرأة مكمن الشرف فقد أدى هذه العادة إلى نسف الروابط الاجتماعية وتفككها وشل نصف طاقة المجتمع وأنتج جرائم الشرف وغيرها من الأمور. من هنا يمكننا الجزم بأن التباين في المستويات الحضارية في عالمنا المعاصر سببه البنية الفكرية والقيمية للشعوب ولكل فكر أو عادة نتاج ولا شيء آخر فالإنسان أصله من أرومة واحدة ويمتلك نفس كتلة الدماغ وبقية أجزاء الجسم
أي إن الصراع الحقيقي التي جرت تاريخياً وتجري الآن تجري بين القيم الإنسانية النبيلة مع الفكر العلمي المعرفي الذي أنتج كل هذا التطور وخدم البشرية على مختلف الصعد من جهة وبين الأفكار الأسطورية والخرافية والغيبية والعقائدية الخاطئة والقيم اللا إنسانية التي تنتج الحقد والكراهية والصراع الذي تكبح مسيرة التطور وتنتج الحروب والأزمات للبشرية من جهة أخرى …
أما الصراع الجاري في العالم المعاصر فهو صراع تقني علمي فمن يمتلك التقنيات الأكثر تطوراً هو الذي يفرض هيمنته السياسية والاقتصادية على العالم.
وكلمة أخيرة نقول ما عناه الشعب الكردي تاريخياً وما يعانيه الآن هو الخلل الكامن في البنية الفكرية والقيمية لهذا الشعب فلا يأتي شيئاً من العدم.