خلافة إسلامية لـ «جبهة النصرة» في إدلب على غرار خلافة «داعش» في الرقة !

شاهين أحمد
يعتبر” تنظيم القاعدة ” بمركزه القيادي التقليدي المعروف والمحصور في مناطق جبلية وعرة، وقبلية ريفية بدائية في أفعانستان وباكستان ، المصدر الشرعي والمنبع الأساسي لغالبية القيادات التي تقود الأجنحة المتفرعة منه، والذي شكل الأساس ، والموجه لمختلف التنظيمات الإسلامية الراديكالية بحلتها المعاصرة، والمنتشرة اليوم في الدول الإسلامية بصورة عامة، والمنطقة العربية بشكل خاص. ونكاد لانرى الكثير من الفروقات في الروىء حول الجهاد وشكل الخلافة المزعومة بين مختلف هذه الأجنحة والفروع بالرغم من اختلاف مسمياتها. وكون هناك قاعدة لايشذ عنها أي منتسب لتنظيمات الإسلام السياسي الراديكالي وهي ” أن كل مسلم عليه واجب الإيمان والعمل من أجل إقامة دولة الخلافة الإسلامية “. 
وطالما أن المرجعية العقائدية والفكرية واحدة لكل تنظيمات الإسلام السياسي، إذاً نستطيع القول بأن مايجري في إدلب وأرياف المحافظات التي تجاورها، ربما تأتي في إطار تبادل الأدوار وتغيير الألوان – وخاصة إذا علمنا أن أكثر من فصيل مسلح ولأكثر من مرة انشق عن ” النصرة ” وإنضم لـ ” الجبهة الوطنية للتحرير “، وكذلك بالعكس ، هناك أكثر من مجموعة وكيان انفصل عن ” الوطنية للتحرير ” وبايع ” النصرة ” – ومن جهة أخرى مايجري غير بعيد عن المكاسب المالية والتجارية التي تتعلق بالمعابر البرية بين مناطق سيطرة النظام ، وتلك التي تتقاسمها الطرفان المتقاتلان ” هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير ” اليوم . وهنا من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن المعطيات التي أفرزتها الثورة السورية ألزمت هيئة تحرير الشام ” النصرة سابقاً ” بتوجه ايديولوجي ” متلون تكتيكياً ” من أجل الدخول إلى والاستفادة من الحاضنة الثورية السورية ، وجعلتها تتقرب من التنظيمات المسلحة الثورية بالداخل السوري ، والتي تهيمن عليها أيضاً فكر الإسلام السياسي كامتداد طبيعي لإرث حركة الإخوان المسلمين . ونظراً لتوفرالبيئة التي صنعتها الأنظمة الديكتاتورية بشكل عام ، ونظامي البعث الشمولي في العراق وسوريا بصورة خاصة ، من غياب للحريات ، وانتشار للفقر والبطالة ، واستخدام العنف المفرط ضد المواطنين المدنيين العزل ، ودوام حالة الحروب والصراعات ، والعقوبات الجماعية ، وغياب المشاريع والبرامج التي تعبرعن  طموحاته وملامسة آلامه وإحتياجاته ، وفشل المشاريع الفكرية والسياسية التي عمل عليها هذين النظامين – السوري والعراق – طوال أكثر من نصف قرن ، جعل المواطن أمام معضلة خطيرة وهي عدم الإحساس بالإنتماء الوطني . هذه البيئة شكلت مناخاً مثالياً لنمو نتاج فكرى تكفيري نبت في البيئة المذكورة ، وغذتها أنظمة إيران وسوريا وبعض الأحزاب الشيعية العراقية الموالية لإيران والعديد من الأطراف الأخرى التي وجدت في هذه التنظيمات المتطرفة الأداة المناسبة ، لتنفيذ أجنداتها السياسية القذرة على حساب الشعب السوري المظلوم ، الذي تحولت بلاده إلى ” مكب ” للنفايات البشرية الوافدة والواردة من جميع أنحاء العالم .
وجبهة النصرة التي تعتبرنفسها فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام ، وتعرف حالياً باسم ” هيئة تحرير الشام ” ، والمصنفة على قائمة الإرهاب العالمي ، والمشمولة مع تنظيم ” داعش ” الإرهابي وتنظيم القاعدة بأكثر من قرار صادر من مجلس الأمن الدولي وخاصةً قرارمجلس الأمن رقم 2170 المتخذ في الجلسة 7242 بتاريخ 15 أغسطس/ آب 2014، وقرار مجلس الأمن رقم 2178 في الجلسة 7272 بتاريخ 24 سبتمبر/ أيلول 2014. والقرارن المذكوران صدرا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والذي يستوجب استخدام القوّة العسكرية ضد الأطراف المشمولة بالقرار . وعادت ” النصرة ” إلى الواجهة من جديد بعد حملتها العسكرية الأخيرة على بعض الفصائل المسلحة التي تتقاسم معها المنطقة ،والتي تنتمي إلى ذات المنظومة العقائدية التي تنتمي إليها ” النصرة ” ، وسيطرت خلال أقل من اسبوع على كامل محافظة إدلب ومساحات واسعة من أرياف حلب الغربي وحماه الشمالي واللاذقية الشمالي  ، وفرضت اتفاقاً مذلاً على خصمها ” الجبهة الوطنية للتحرير” ، يقضي بتسليم كامل محافظة إدلب والمساحات الأخرى التي تمت السيطرة عليها مؤخراً من قبل ” النصرة ” إدارياً إلى حكومة النصرة التي تسمى بـ ” حكومة الإنقاذ ” . مما يعني أن ” النصرة ” باتت تسيطر على نحو 75% من تلك المنطقة ، مما وضع المراقبين في وضعية البحث عن توقيت ودوافع ونتائج هذا التحرك ، وخاصة أن العمليات العسكرية تلك ، تحصل في منطقة تحمل الكثير من الحساسية والتعقيد ، نظراً لوجود نقاط المراقبة التركية ، وكذلك مرور أهم طريقين يربطان عاصمة الشمال السوري ” حلب ” بـ كلاً من اللاذقية ودمشق ، وكذلك فإن المنطقة التي أصبحت مسرحاً لعمليات النصرة والوطنية للتحرير هي أهم وآخر منطقة من مناطق ماسميت بـ ” خفض التصعيد ” من خلال تفاهمات ” أستانا – سوتشي ” بين كلاً من ( تركيا – روسيا – إيران ) ، وفي الوقت الذي يجري فيه الحديث عن الآليات الكفيلة بفتح الطريقين وتأمينهما ، ولاننسى بأنه من ضمن تفاهمات والتزامات ” أستانا ” تفكيك هيئة تحرير الشام ” النصرة ” سواءً بشكل سلمي أو بإستخدام القوة العسكرية . ومن جهة أخرى فإن نتائج هذه المعارك تحمل الكثير من السلبيات وخاصة على أهلنا في منطقة عفرين ، وذلك لجهة هروب المسلحين الفارين من المعارك إليها والاستقرار فيها ، وما قد يترتب على ذلك مستقبلاً ، من حصول مشاكل ومعارك وجرائم ، سيدفع ثمنها أهلنا في منطقة عفرين من شبابه وممتلكاته . وكذلك فإن هذه العمليات التي قامت بها ” النصرة ” تأتي بالتوازي مع التحشدات العسكرية التركية والفصائل المسلحة السورية الموالية لها في محيط منبج وشرق الفرات . وستشكل التطورات العسكرية الأخيرة وسيطرة ” النصرة ” على كامل إدلب وأرياف المحافظات المجاورة لها ، حجة قوية لروسيا والنظام ومعهما إيران وميليشياتها بإعادة إثارة ضرورات البدء بمعركة إدلب بحجة محاربة الإرهاب ، وقد تفتح المجال مجدداً أمام المقايضات بين اللاعبين على المسرح السوري .
 وختاماً تبقى الكثير من الأسئلة التي تشغل بال المهتمين منها : ما طبيعة العلاقة بين هيئة تحرير الشام ( جبهة النصرة  ) وبقية الفصائل الإسلامية المسلحة التي تتشارك معها بنفس المرجعية الدينية ، وتتقاسم معها نفس الجبهات والأراضي ؟. كيف اتفق الجانبان طوال كل هذه المدة وفي أكثر من موقع ومكان ولماذا افترقا الآن ؟ . ماهي المقاربات التي سوقها كل طرف لتبرير إداراته – حكومة الإنقاذ والحكومة المؤقتة – لمناطق نفوذه ؟ . ما هي مصادر تمويل هيئة تحرير الشام ” النصرة ” وهل هناك حالة من التمايز الحقيقي بين الطرفين – جبهة النصرة والجبهة الوطنية للتحرير –  لجهة الانتماء الفكري والعقائدي والممارسة العملية في الميدان ؟ . هل سيطرة هيئة تحرير الشام ” جبهة النصرة سابقاً ” والمصنفة كتنظيم إرهابي ، على كامل محافظة إدلب ومساحات واسعة من أرياف المحافظات التي تجاورها ستشكل خطوة نحو الإعلان عن إمارة ( أوخلافة ) إسلامية عاصمتها مدينة ” إدلب ” على غرار خلافة ” داعش ” المزعومة التي كانت مدينة ” الرقة ” عاصمتها ، وتعيد خلط الأوراق وترتيب الأولويات من جديد ، وبالتالي إعادة تشكيل التحالفات على الملعب السوري من قبل اللاعبين الكبار ؟. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…