الكورد في العاصفة

جان كورد
بدأت صورة الكوردي تتوضّح في الإعلام العربي بشكلٍ أفضل، فهو “الانفصالي”، “عدو الأمة العربية”، “الجاهل سياسياً”، “العنصري الذي لا يحب العرب وجمالهم”، “المشكوك في إسلامه”، “المحتل لأراضي عربية أو تركمانية”… وذلك منذ تحوّل الثورة الشعبية السورية المسالمة قبل ثماني سنوات إلى حربٍ أهلية، كل فصيل يكيد بالآخر، وكل طاغٍ يسعى للإجهاز على الطغاة الآخرين، والكوردي الذي أراد النأي بالنفس عن هذه المعمعة، وأقصد بهم من تفادى حمل السلاح ولم يشكّل لنفسه فصائل مقاتلة، لابد أن يكون الضحية في المحيط السوري، حيث الأضعف قوةً، والأصغر بين الإخوة، هو في النهاية القربان الذي يتم التضحية به في الأزمات، 
فالكوردي في سوريا يشبه يوسف عليه السلام بين إخوته الذين غرورهم وتكبرهم وجبروتهم حولهم إلى مجرمين فألقوه في الجب، والكوردي هو اسماعيل الذي أراد أباه تقديمه ضحيةً لربه، فالكل ينظر إلى الكوردي وكأنه كبش الفداء حقاً، واليوم يكتشف السوريون جميعاً ومنهم الكورد بأن الثورة التي كان هدفها إخراجهم من جحيم الطائفية واستبداد التفرّد بالحكم وطغيان العائلة الثرية قلبت لهم ظهر المجن وخانتهم ورمت بهم في المحرقة بكل ما تعنيه الكلمة، فلا بد من إيجاد الضحية ورميها لوحش الكهف المفترس (سينتاوروس)، كما كان الاغريق يفعلون  بقرابينهم حسب أساطيرهم القديمة. 
منذ اندلاع نار الثورة، والهجوم السياسي والإعلامي والعسكري على الكورد في تصاعد، بل إن السياسيين العرب، في الحكم والمعارضة يتسابقون في كيل الاتهام للكرد بخيانة الأمة العربية التي لم يفعلوا لها بأنفسهم شيئاً سوى التقسيم والتحطيم طوال حياتهم، وبالعمالة لأمريكا التي يقبلون بأنفسهم أيدي دبلوماسيها صباح مساء ولاسرائيل التي يزورونها بأنفسهم سراً جماعاتٍ وفرادى، بل إنهم لا ينفكون يتهمون المطالبة بإدارة ذاتية غير قومية من قبل حزبٍ يرفض تسمية نفسه ب”الكوردي” بأنه عمل “انفصالي” و “تقسيم لسوريا”، وهم يطلقون عباراتهم السامة هذه في حضن الأم العثمانية، في العاصمة التركية أنقره التي تحتل منذ عقودٍ طويلة من الزمن جزءاً من سوريا لا يقل روعة عن لبنان وفلسطين في الجمال والخيرات، بل من هؤلاء الكارهين للكورد من حمل السلاح التركي لينضم إلى قوات المحمدجيك، عضو النيتو، التي غزت جزءاً آخر في الشمال السوري هو (منطقة عفرين) التي يسميها الأتراك منذ عهد الدولة العثمانية ب”كورد داغ : جبل الكورد)، ولم يكتفِ هؤلاء الذين يسميهم الكورد ب”سراق الدجاج” بالحرب والتقتيل والتهجير، وإنما احتلوا واغتصبوا مساكن الكورد ومزارعهم ومحاصيلهم وشرعوا يقطعون أشجار زيتونهم ليبيعوا حطبها في مناطق أخرى للتدفئة، غير مكترثين بأن أصحابها قد عملوا سنواتٍ طويلة لكي تستمر هذه الأشجار في النمو والانتاج.  طبعاً ما كان هذا سيحصل بهذا الشكل المنحط القذر لو امتنع شيوخ “الثورة الإسلامية! ” ضمن أو على أطراف “الجيش السوري الحر” عن اصدار فتوى شرعية تسمح للأوغاد واللصوص والمجرمين بالسلب والنهب لمجرّد أن الضحية في ذلك هو : الكوردي، الخارج على الأمة. 
طبيعي أن الشعب الكوردي الذي يتلقى الإهانات والشتائم  كل يوم لا يحمل وزر أخطاء أحزابه التي منها من وقف مع النظام عملياً ووقف على الخط الفاصل بينه وبين المعارضة المسلحة إعلاميا، ومنها  من انضم إلى جوقة “أنقرة” إعلامياً  ولكنه لم يتواجد على ساحة النزاعات المسلحة عملياً في سوريا، إلاّ أن زعماء ما يسمى بالمعارضة السورية ليسوا بأفضل من بشار الجعفري أسلوباً، فهم حينما يتكلمون لابد لهم من مدح الأتراك وتبرير مواقفهم وموافقتهم على أهدافهم، وإلاّ فإنهم سيطردون من تركيا وستنقطع عنهم المساعدات المالية والمنابر الإعلامية، وهذا يعني اضطرارهم لتكرار ما ورثوه من البعثيين من شتى صنوف الاستعلاء القومي والاتهامات الشوفينية حيال الكورد ولا بد لهم التنكّر للوائح حقوق الإنسان وأهداف الثورة السورية الشعبية، وفي الحقيقة هم في نظر الكورد الآن  أشد عداوة وجهلاً بحقيقة القضية العادلة للأمة الكوردية من طلاب مدارس البعث في ستينيات  القرن الماضي. 
في هذه الأجواء المحمومة، حيث الجنرالات الأتراك يكشرون عن أنيابهم ويسعون لاحتلال أجزاء أخرى من أراضيِ يعتبرها المعارضون لنظام الأسد “سورية”، نرى خارطةً رديئة لتقسيمات القوى على أرض الواقع، حيث نجد جيوش عدة دول حول مدينة منبج التي حررها الكورد من تنظيم داعش، فتم تصوير ذلك من قبل بعض الأعاريب العنصريين كمحاولة إقامة دولة كوردية – اسرائيلية على تراب الوطن العربي، على الرغم من أن العرب قدموا في وقتٍ متأخرٍ من تاريخ البشرية من الحجاز واليمن ونجد، في حين أن كوردستان كانت ولا زالت على مرمى حجر من هذه المدينة.  كما نرى الصف الكوردي في تخبّط سياسي، في تشقق وتمزّق ، بل في ضلال كبير، هذا يأخذ أوامره من جبل قنديل الواقع على الحدود بين العراق وتركيا، وذاك يأخذ تعليماته من عاصمة اقليم جنوب كوردستان في أربيل (هولير)، وهذه مجموعة ممن يسمون أنفسهم بالمستقلين أو المثقفين الواعين أو الأكاديميين الواقعيين لا يجدون ضيراً في أن تسلّم المنطقة الكوردية التي هي أوسع من فلسطين أو لبنان أو الكويت، لنظام الأسد رغم أن دماء الألوف من الشباب الكوردي قد سالت في سبيلها… بل هناك من لا يجد حرجاً في تعميق الولاء لإيران التي لايمر أسبوع إلا وتشنق حكومتها  العدوانية الطائفية الشباب الكوردي، كما هناك من لا يجد ذلاً أو مهانة في التعامل الرخيص مع أجهزة الأمن التركي التي أثبتت عداءها لشعبنا منذ أن تأسست وإلى يومنا هذا.
فما العمل؟
الوحدة التنظيمية التي هي مبتغانا وهدفنا لن تتحقق في هذه الظروف التي تكتظ فيها سوريا بالقوى العسكرية المختلفة ومنها المتناقضة في مصالحها واسترتيجياتها، والاتحاد على مبادىء صعبٌ لشدة التناقضات الفكرية والممارسات السياسية للقوى الكبرى على الساحة الكوردية، فماذا يبقى في اليد؟ 
برأيي، هو أن يسعى العاملون من أجل تقوية الشعب الكوردي في الساحة السورية لبناء قاعدة شعبية صامدة تفرض نفسها على قيادات الأحزاب والزعامات المنظمة من خلال فعالياتها ونشاطاتها العملية على ساحة النضال المدني في مختلف أنحاء العالم وتحقيق إيجاد إعلام كوردي قادر على تعرية المواقف التخاذلية الانبطاحية، ودعم كل من يسعى لإيجاد منصة كوردية حقيقية متينة ويساهم في إيجاد خطاب كوردي قومي مشترك ومتزن، يتلاءم مع الظروف الحالية لسوريا وللشعب السوري، دون التنازل عن الطموح القومي الكوردي المتمثل في المطالبة الحازمة بلامركزية الحكم في سوريا وتحقيق التغيير الجذري لصالح الديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان. 
طبعاً، يمكن الاستفادة من كل القوى الخيّرة في المجتمع الكوردي، داخل وخارج البلاد، ومن مساعدة التيار الديموقراطي السوري الجاد والرافض للعنصرية والشوفينية، ومن تجربة الإخوة والأخوات الكورد في أجزاء كوردستان الأخرى، وبخاصة تجربة اقليم جنوب كوردستان الطويلة في شأن التحالفات والجبهات والاتحادات.
الشيء غير المسموح الآن هو الركون إلى الطغاة المجرمين، والسياسيين العنصريين، والإعلاميين الكاذبين المارقين على العمل الصحافي النبيل، الذين يبيعون كرامتهم من أجل إرضاء هذا النظام أو ذاك، فيتحركون كثعابين تنفث سمومها في كل مناسبة ضد الشعب الكوردي ووجوده وحقه في أن يعيش حراً مستقلاً على أرض آبائه واجداده كوردستان. على الشارع الكوردي أن يتحرّك دون تردد أو تلكؤ من أجل إنقاذ نفسه من المذابح والكارثة الكبرى التي في انتظاره، تلك التي لن يتوانى بعض من يسمون أنفسهم ببناة سوريا المستقبل عن ارتكابها حيال شعبنا المظلوم.
10.01.2019     
Facebook: alakurdi2019         kurdaxi@live.com      http://cankurd.wordpress.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…