شاهين أحمد
منذ اللحظة التي نشرفيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتاريخ (19 ديسمبر/ كانون الأول 2018) ومن خلال صفحته ” تغريدة ” بخصوص انسحاب قوات بلاده من سوريا ، حدث في المنطقة وكذلك داخل إدارة ترامب نفسها مايشبه الزلزال ، وكانت ردود الفعل متباينة ، بين المرحبة ، والمستغربة من شدة الصدمة ، وسرعان ماظهر سباق محموم ، من قبل أكثر من جهة وطرف ، من أجل الوصول إلى تلك المساحة الجغرافية الهامة ، والسيطرة عليها ، والتي باتت تعرف إعلامياً بمنطقة شرق الفرات ، وملء الفراغ الذي ” قد ” تتركه القوات الأمريكية في حال إنسحابها . وجدير ذكره بأن منطقة ” شرق الفرات “هي جزء من كوردستان سوريا ، وتشمل كامل المساحة الجغرافية التي تقع شرق وشمال شرق نهر الفرات بدءاً من الحدود الإدارية لمنطقة ” كوباني ” غرباً حيث دخول نهر الفرات إلى سوريا من طرف تركيا ، وإنتهاءً بالريف الشمالي لمنطقة ” البوكمال ” التي تقع على الحدود السورية – العراقية حيث نقطة خروج النهر من سوريا ودخوله إلى الأراضي العراقية .
وهذه المنطقة تحتل أهمية استثنائية اقتصادياً وإجتماعياً وسياسياً وجغرافياً …الخ ، وذلك لوجود أهم السهول الزراعية الخصبة والمعروفة بإنتاج المحاصيل الزراعية الإستراتيجية كالقطن والقمح وغيرها ، وكذلك وجود الجزء الأكبر من الثروة المائية السورية نظراً لمرور أنهار الفرات ودجلة والخابور …الخ منها ، ووجود أهم السدود السورية الإروائية والمنتجة للطاقة الكهربائية ،وكذلك وجود الثروة البشرية وتنوعها القومي والديني ، وهي المنطقة الأغنى في سوريا لجهة الثروات الباطنية ، حيث تحتوي على النسبة الأكبرمن حقول النفط والغاز . وهي تاريخياً جزء من إقليم كوردستان سوريا ، لكنها تعرضت للتعريب بعد الاحتلال الفرنسي لسوريا في عام 1920 ، حيث بدأت أولى موجات التوافد العربي التي عبرت نهر الفرات واستقرت فيها عام 1923 ، حيث ساعدت فرنسا العشائر العربية التي تعاونت معها على عبورالنهر والاستيطان فيها ، وذلك نكاية بالشعب الكوردي الذي رفضت غالبية عشائره الإحتلال وقاومته وخاصة تحالف عشائر البرازية . وجدير ذكره أن غالبية من عبروا النهر إلى المنطقة في المراحل الأولى كانوا من قبيلة ” عنزة ” بقيادة ” نوري بن مهيد ” ، التي نصبت خيمها في المنطقة ، بمساعدة القوات الفرنسية التي قدمت الدعم المادي والمعنوي والعسكري لـ ” بن مهيد ” وحاشيته ، ووفرت الحماية له . وبعد انقلاب البعث في 8 آذار 1963 قامت الأوساط الشوفينية الحاكمة ، بسن الكثير من القوانين ، وأصدرت العديد من التشريعات التي شجعت العرب للهجرة إلى كوردستان سوريا ، والاستقرار فيها ، وخاصة من خلال مشروع الحزام العربي الإستيطاني العنصري . وبالمقابل منعت تلك الأوساط تسجيل العقارات والأراضي باسم الكورد في كامل الريف الشمالي لمحافظة الرقة ( تل أبيض وعين عيسى …..الخ ) وغيرها من المناطق ، بهدف خلق خلل في التركيبة الديموغرافية للمنطقة .
وهناك أكثر من سؤال يطرح نفسه على المعنيين في هذا الجانب ومن أهمها : ماهي الأطراف التي ستتسابق نحو هذه المنطقة بهدف الوصول إليها ، والسيطرة عليها ، وماهي حججها وذرائعها ؟ . وماهي السيناريوهات المتوقعة لهذه المنطقة في حال نفذ الرئيس ترامب قراره بالإنسحاب ؟ . وماهو الخيار الواقعي الذي يجنب المنطقة المزيد من الحروب والدماء والدمار والذي يشكل مساحة التوافق والتقاطع بين مختلف الفرقاء ؟.
أولاً – تركيا والفصائل العربية السنية ذات التوجه الإسلامي : لايخفى على أحد حجم التحشيد العسكري والشعبي والإعلامي الذي تقوم به تركيا ، ومعها الفصائل المسلحة السورية ذات التوجه الإسلامي الراديكالي التي تنتمي للمكون العربي السني ، والحجة التركية في هذه الإندفاعة هي وجود كوادرعسكرية وسياسية وإدارية تابعة لحزب العمال الكوردستاني pkk ، في كافة مفاصل حزب الاتحاد الديمقراطي pyd ووحداته العسكرية التي تشكل العمود الفقري لما تسمى بقوات سوريا الديمقراطية ” قسد ” ، وبالتالي المخاوف والحساسية التركية تجاه وجود عناصر هذا الحزب – pkk – على حدودها الجنوبية ، وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الصراع الدموي التاريخي الطويل بين الطرفين منذ قرابة أربعة عقود ، وسقوط أكثر من خمسين ألف ضحية غالبيتهم من المدنيين ، ونزوح أكثر من عشرة ملايين شخص من قراهم ومنازلهم جراء هذا الصراع .
ثانياً – النظام السوري وإيران والميليشيات الشيعية التابعة : بالتوازي مع التحشدات التركية ، هناك تحشدات موازية من قبل النظامين السوري والإيراني وعشرات الميليشيات الشيعية الموالية لهما على الضفة الغربية والجنوبية الغربية لنهر الفرات ، وهي تنتظر اللحظة المناسبة لدخول المنطقة – منطقة شرق الفرات – والسيطرة عليها ، وعلى ثرواتها من جهة ، واستكمال الطريق البري للهلال الشيعي من جهة أخرى .
ثالثاً – النظام السوري وحزب العمال الكوردستاني pkk من خلال قوات ” قسد ” وتحت العبائة والرعاية الروسية : حيث هناك وبالتوازي مع ” ثانياً ” مفاوضات تجري على قدم وساق بين ممثلي ماتسمى بقوات ” قسد ” والإدارة الذاتية التابعة لـ pyd من جهة والنظام السوري من جهة اخرى ، وبرعاية روسية ، ولم تنقطع الزيارات ، حيث زار أكثر من وفد ولأكثر من مرة دمشق وقاعدة حميميم وكذلك روسيا ، وهناك معلومات مؤكدة تفيد بوجود اتفاق غيرمعلن بين الجانبين ، تتم من خلاله ” إعادة ” تسليم النظام كافة المناطق التي استلمها pyd من النظام في بداية إنطلاقة الثورة السورية ، وما الدعوات التي صدرت من طرف أكثر من مسؤول في منظومات pkk المختلفة في سوريا ، والتي أجمعت جميعها ، على دعوة النظام وقواته لدخول هذه المناطق بحجة حمايتها من التهديدات التركية ، إلا تأكيداً على وجود مثل هذه التفاهمات .
رابعاً – تحالف عسكري من مختلف مكونات المنطقة ، يتشكل من قوات بشمركة كوردستان سوريا ” لشكري روج ” ، وقوات ” قسد ” بعد إخراج كافة الكوادر العسكرية لحزب العمال الكوردستاني pkk التي تنحدر اصولها من أجزاء كوردستان الاخرى ، وكذلك إخراج كافة العناصر التي خدمت في تنظيم ” داعش ” الإرهابي ، وبمشاركة قوات النخبة مطعمة بعناصر معتدلة من الجيش الحر من مكونات المنطقة حصراً ، وبالتوافق بين ( إقليم كوردستان العراق – تركيا – أمريكيا ) ، وبدعم خليجي – مصري وبمشاركة التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية . وهذا الخيار يجب أن يترافق مع تحرك سياسي على الأرض يتضمن : 1- الفصل التام بين حزب الاتحاد الديمقراطي pyd وحزب العمال الكوردستاني pkk ، والعمل على إخراج كافة الكوادرالعسكرية والسياسية والإدارية لـ حزب العمال الكوردستاني pkk والتي تنحدراصولها من أجزاء كوردستان الأخرى من كوردستان سوريا فوراً ونهائياً .2 – الضغط على حزب الاتحاد الديمقراطي pyd وإجباره على القيام ببعض الخطوات منها : إطلاق سراح كافة المختطفين والكشف عن مصير جميع المفقودين ، والإقرار بأن القضية الكوردية في سوريا هي قضية ” أرض وشعب ” وبشكل واضح ، وفتح كافة المقرات العائدة لأحزاب المجلس الوطني الكوردي ، والإعلان عن إلغاء تحالفاته مع نظام البعث القاتل . 3 – بعد التحقق والتأكد من تنفيذ ” 1و 2 ” يتم البدء بحوار جدي بين المجلس الوطني الكوردي ENKS وحزب الاتحاد الديمقراطي pyd برعاية الرئيس ” مسعود البارزاني ” وبوجود الضامن الأمريكي وضمن جدول زمني محدد ، من أجل الوصول إلى اتفاق شامل يتضمن رؤية واضحة بخصوص سوريا مابعد حقبة البعث وكذلك مستقبل إقليم كوردستان سوريا .
4 – عقد مؤتمر لممثلي جميع مكونات المنطقة تنبثق منه مرجعية جامعة تشرف على تشكيل إدارات جديدة وبمشاركة جميع مكونات المنطقة من الكورد والعرب والتركمان والآشوريين وبما يتناسب مع نسبها ….الخ .
وفي الختام نستطيع القول بأن الخيار ” رابعاً ” ربما هو الوحيد الواقعي والذي يجنب شعبنا والمنطقة جولات جديدة من الدماء والدمار ، وهو – أي الخيار رابعاً – الأوفر حظاً لجهة إمكانية التنفيذ إذا توفرت الرغبة والإرادة ، وخاصة بعد جولة وزير الخارجية الأمريكية ” بومبيو ” وتصريحاته بخصوص حماية الشعب الكوردي ، وكذلك جولة مستشار الأمن القومي الأمريكي ” بولتون ” وتصريحاته في ذات الاتجاه ، ومغادرته أنقرة مزعجاً ومنزعجاً ، وماصدر من الرئيس التركي ” أردوغان ” عقب مغادرة ” بولتون ” من تصريحات بأنه يسعى إلى تشكيل تحالف عسكري من جميع ابناء المنطقة بمن فيهم الكورد ، وماصدر في الأمس القريب من بعض الأوساط المحسوبة على منظومة pkk بنسختها السورية من ماسميت بمبادرة لتوحيد الصف ، وكذلك استعداد المجلس الوطني الكوردي في المشاركة في هكذا صيغة لتجنيب شعبنا الكوردي المزيد من الكوارث والحروب . بتقديري الكرة باتت في ملعب العقلاء من الكورد السوريين المنخرطين في منظومة pkk لأسباب وغايات مختلفة ، عليهم أن يدركوا تماماً بأن ” الوجود الكوردي ” في كامل كوردستان سوريا بات مهدداً اليوم ، وأنهم في الوقت ” بدل الضائع ” ، وأمامهم فرصة أخيرة ، وخيار واحد ووحيد وهو : الإعلان عن الفصل التام عن منظومة pkk المركزية وقيادة ” قنديل ” ، والعمل الفوري والجاد على إخراج كافة الكوادر السياسية والعسكرية والإدارية التابعة لـ pkk والتي تنحدر اصولها من باقي أجزاء كوردستان من كوردستان سوريا فوراً ودون تسويف أو مماطلة ، والتأكيد على خصوصيتهم الكوردية السورية ، والعودة إلى حاضنتهم القومية الكوردية والوطنية السورية ، والمشاركة في الجهود الجارية لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية ، لطي حقبة البعث الشمولي ، وبناء سوريا ديمقراطية إتحادية لكل السوريين وبكل السوريين .