حسين أحمد
إن قرار ترامب بسحب قواته من شرق الفرات أدى إلى خلط كافة الأوراق السياسية والعسكرية في المنطقة برمتها حيث ظهر جلياً درجة هذا الارتباك من قبل الأطراف المعنية وخاصة المؤثرة على الأرض بشكل مباشر، فكانت من ضمن تلك التداعيات التي أربكت في توجهاتها: كــ قوات سوريا الديمقراطية ” قسد ” وكذلك وحدات حماية الشعب ( YBG ) والدولة التركية والنظام السوري وروسيا وأطراف أخرى عربية ودولية مثل فرنسا التي تقود قوات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش والتي صرحت بعد قرار ترامب مباشرة أنها لن تسحب قواتها من شرق الفرات ، وأن ما حصل من جراء تداعيات الموقف الأمريكي ومن خلال فحوى هذه الإشكالية والبلبلة السياسية بإصدار عدة بيانات وتصاريح إعلامية كانت كردّ فعل مباشر على قرار ترامب،
ولعل أكثرها جاءت متناقضة ومستعجلة بسبب عدم دراسة الموقف بشكل دقيق منها التي أصدرتها الإدارة الذاتية وهي تطالب بنفير شعبي عام في شرق الفرات تجيشاً شعبياً وعسكرياً ضد تهديدات تركيا بدخول شرق الفرات حيث أن اغلب هذه الجهات فسرت قرار ترامب حسب مصلحتها السياسية الآنية دون ربطها بمجمل التحولات السياسية في المنطقة والعالم برمته. وهنا السؤال: هل منعت أمريكا تركيا من احتلال منطقة عفرين؟ كلا.
إن خلاصة هذه التحليلات التي صدرت جراء موقف ترامب لم تكن بالصورة الدقيقة والواقعية حيث لم تدرك جميع الأطراف المعنية البعد السياسي لما أطلقه ترامب حول سحب قواته من شرق الفرات، لذلك نستطيع أن نقول أن قرار ترامب في مدلوله يطرح عدة سيناريوهات على المشهد .
في هذا المتن لا يستطيع أحد أن يجزم بأن خلفيات هذا الموقف هو إفساح المجال لقوات التركية باجتياح شرق الفرات، وهذا إن استطاعت أن تبسط سيطرتها فبالتأكيد لن تتمكن من ذلك لأكثر من سبب: أولاً: لأن تركيا لم تأخذ الموافقة من روسيا على غرار ما حدث في عفرين، ولأن شرق الفرات باتت تحت وصاية أمريكية اقتصادياً وسياسياً والدليل القاطع أن تركيا ظلت قرابة 30 يوماً على حدود عفرين ولم تتجرأ أن تسير خطوة واحدة باتجاه عفرين إلا بعد أن سمحت لها روسيا باجتياحها لعفرين.
وهنا سؤال آخر هل تستطيع روسيا أن تعطي الضوء الأخضر لتركيا باجتياح عفرين؟ كلا، لا تستطيع. باعتقادي أن تركيا لا زالت تتوهم بأنها تستطيع أن تعمل بموجب بروتوكول (أضنة ) الذي وقعته آنذاك مع النظام السوري في عام 1998 بموجب هذه الاتفاقية يحق لتركيا ملاحقة ( pkk ) ضمن الأراضي السورية، وكانت من نتائج هذه الاتفاقية خروج السيد عبدالله أوجلان من الأراضي السورية ( 1999)، لذلك يبدو أن تركيا لا زالت تعتقد أن هذه الاتفاقية سارية المفعول ويمكن العمل بها ولا تدري بأن ما يجري في السياسة الدولية يختلف عن الزمن التي وقعت فيه الاتفاقية مع النظام السوري .
ثمة سيناريو يتضمن ما يلي: دعوة قوات سوريا الديمقراطية (قسد ) عبر لقاءاتها في دمشق مع قوات النظام بطلب بدخولهم شرق الفرات بغية منع اجتياح تركيا لشرق الفرات، وهل هذا ممكن تحقيقه في ظل تواجد المصالح السياسية والاقتصادية لأمريكا؟ هذا بكل تأكيد غير ممكن لأسباب عدة وهي : أولا : أن النظام لم يستطع الدخول إلى عفرين رغم مطالبة قوات سوريا الديمقراطية من النظام لأن قرار دخول تركيا كان تحت غطاء روسي . ثانياً : أن النظام لا يملك القوة الكافية بأن يدخل شرق الفرات . ثالثاً : النظام لا يملك الغطاء السياسي ليخطو خطوة واحدة باتجاه شرق الفرات وخاصة من قبل أمريكا. عن إحدى هذه السيناريوهات التي نحن بصدد الحديث عنها سيتم فتح جبهة ادلب بين فصائل تابعة لقطر وأخرى تابعة لتركيا والهدف من ذلك هو دفع جبهة النصرة باتجاه عفرين ورفع الغطاء السياسي عنها من قبل التحالف الدولي، ومن جهة أخرى رغبة قطر بتقديم حسن النية بفتح العلاقة مع السعودية والإمارات وعودة القطر إلى حاضنة الخليج في هذا المنحى يحق لقوات التحالف بضرب جبهة النصرة وخاصة عندما تحاول التقرب من حدود عفرين . ثمة مشهد آخر وهو إضعاف قوات النظام من خلال إضعاف ميلشيات حزب الله اللبنانية والميلشيات العراقية الشيعية والمليشيات الإيرانية المتواجدة منذ اندلاع الثورة السورية على الأرض السورية وضربهم من قبل إسرائيل والتي يتجاوزعدد أفرادها 60 ألف عنصر وخاصة تمركزها قرب مطار دمشق الدولي والغوطة الشرقية وريف حماة والسيدة زينب فالنظام لم يعد قادرا أن يبقى بقوته السابقة للدفاع عن دمشق لوحدها فكيف له أن يرسل بقواته إلى مدينة ” منبج ” في ظل وجود اتفاق أمريكي تركي والاتفاق بالعمل لتسير دوريات مشتركة على حدود مع تركيا قد يأخذ هذه الموقف منحى آخر وهو أن يقبل النظام بالإدارة الذاتية عبر اتفاق بدمج قوات سوريا الديمقراطية مع الجيش السوري بعد أن يقوم بتغيير اسم الجيش العربي السوري إلى الجيش السوري والاعتراف بالإدارة الذاتية الحالية كإدارة محلية تقوم بإدارة شؤون شرق الفرات كما تبين في أهم بنود الدستور السوري الجديد الذي تمت صياغته في موسكو . لكن هنا السؤال الذي يطرح نفسه كيف ستقبل أمريكا بتواجد قوات النظام في مناطق نفوذها في شرق الفرات .
يبدو لي أن هناك في الأفق القريب أكثر من توجه ربما نشاهده من خلال تداعيات قرار ترامب بشان انسحاب قواته من شرق الفرات يريد من خلال تصريحه إضعاف جميع الأطراف الموجودة على الأرض وبالتالي كل الأطراف سوف تقبل بالترتيبات الجديدة بما تسمى بالخارطة الجديدة ألا وهي تقسيم سوريا إلى ثلاث كانتونات ضمن دولة لامركزية، وقد ظهر هذا المفهوم في الدستور تحت مسميات مختلفة والتي صاغتها موسكو وهو خلق حالة من التوازن السياسي والعسكري في كل جزء بحد ذاته وسوف يتسنى حينذاك لقوات البيشمركة بالعودة إلى بلدهم أي إلى مناطق شرق الفرات قوة تتحالف مع قوات أخرى على الأرض وتحت أي مسميات.