ماذا سيخسر PYD لو …

د. ولات ح محمد
    على الرغم من أن حزب الاتحاد الديمقراطي مر حتى الآن بمحطات كثيرة صعبة حيناً ومصيرية أحياناً أخرى فإنه لم يستطع أن يثبت للشارع الكوردي أنه يعمل مع غيره كفريق عمل حتى يكونوا جميعاً مسؤولين عن أي نجاح لو تحقق وأن يكونوا كذلك مسؤولين عن أي إخفاق لو حصل، لدرجة يبدو فيها (الحزب) للمتابع وكأنه يعمل ضد نفسه وضد مصلحته وضد وجوده. ولهذا وفي هذا السياق من الطبيعي أن ترتسم أسئلة بسيطة في مخيلة القارئ أو المتابع للأحداث، قد يكون الجواب عنها مفتاحاً لمعرفة ما يجري أو لإدراك ما يجب أن يكون.
    الإدارة الذاتية لما تسمى “فيدرالية شمال سوريا” مرت بمراحل كثيرة وأحداث متلاحقة خلال السنوات الماضية ولاستحضار تلك التطورات سنقوم بسرد أهم مراحلها باختصار لنقوم تالياً ببناء الأسئلة التي تفرض نفسها على تلك الإدارة في هذا السياق: 
أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي بداية عن إنشاء الكانتونات الثلاثة الجزيرة وكوباني وعفرين، ثم أعلن عن جمعها في ما سماها “فيدرالية غرب كوردستان وشمال سوريا”، قبل أن يلغي القسم الأول من التسمية ويقتصر على القسم الثاني. في تلك الأثناء عقد ثلاث اتفاقات برعاية حكومة إقليم كوردستان مع المجلس الوطني الكوردي في كل من هولير (أربيل) ودهوك لم يُكتب لها النجاح، ليواجه فيما بعد وحيداً هجوم داعش على كوباني الذي كاد أن يسقط المدينة لولا تدخل طائرات التحالف وقوات بيشمركة إقليم كوردستان. بعد ذلك تعرض الحزب للتهديدات التركية بالهجوم عليه وعلى عفرين التي انتهت في النهاية باحتلال عفرين وإخراج الحزب منها تماماً. عاد التهديد التركي من جديد بالهجوم على مناطق الإدارة الذاتية في كل من كوباني والجزيرة وإنهاء الحزب والقوات التابعة له والإدارة الذاتية كلها، وذلك بالتعاون مع الفصائل المسلحة من السوريين مما يسمى بالجيش الحر. ذلك التهديد الذي ما يزال قائماً حتى الآن. أما آخر الأحداث التي هددت وجود حزب الاتحاد الديمقراطي وإدارته الذاتية فجاءت قبل أسبوعين من طرف الحليف الأمريكي عندما أعلن الرئيس ترامب الخميس 19/12/2018 وبشكل مفاجئ عن انسحابه من سوريا، الأمر الذي وضع الحزب وإدارته وحيدين في مواجهة الآلة العسكرية التركية الضخمة التي لا قبل له بها طبعاً. 
    مع كل تلك التحديات الوجودبة آثر الحزب أن يعمل وحيداً بعيداً عن الأطراف الكوردية الأخرى، بل صرف كثيراً من الجهد والوقت في الانشغال بمواجهة تلك الأطراف (التي من المفترض أن يتقوى ويتحامى بها من خلال العمل المشترك معها) فجعل منها بالنسبة إليه عامل ضعف بدلاً من أن تكون عامل قوة. لذلك ستتركز الأسئلة القادمة على طبيعة العلاقة التي بناها الاتحاد الديمقراطي مع باقي الأطراف الكوردية، بوصفه حزباً كوردياً نشأ في منطقة كوردية ويعمل وينتشر على الجغرافيا ذات الغالبية الكوردية وضمن حاضنة شعبية كوردية بالدرجة الأولى؛ فهو حزب كوردي (حتى لو خلا اسمه من أية صفة كوردية، إذ ليس من بين منتسبيه مثلاً أي عضو ينتمي إلى إثنية أخرى)، ومن الطبيعي أن يبني عمله (بحكم الانتماء الإثني والجغرافي) بالتنسيق مع سائر الأطراف الكوردية الأخرى. 
    مع كل ذلك لم يستطع الاتحاد الديمقراطي أن يثبت حتى الآن أنه يرغب في العمل مع الأحزاب الكوردية الأساسية الأخرى المختلفة معه، سواء أكانوا داخل سوريا أم خارجها، على الرغم مما يمنحه العمل الجماعي من قوة وحصانة ومشروعية، بل وضع نفسه في محطات كثيرة في حالة صدام معها أدت في اللحظات الحاسمة إلى إضعاف موقفه في مواجهة الآخر، وهو ما يطرح أسئلة مباشرة هي في جوهرها تساؤلات من قبيل: 
ماذا سيخسر حزب الاتحاد الديمقراطي إذا عمل مع باقي الأطراف الكوردية الأساسية على الساحة الكوردية السورية؟.
ماذا سيخسر الاتحاد الديمقراطي إذا توقف عن مهاجمة وتخوين أحزاب المجلس الوطني ودعاها بدلاً من ذلك إلى العمل على تطوير الإدارة الحالية بجهود مشتركة، فهذا سيقوي الإدارة ويوحد صوت الشارع الكوردي أيضاً، بدلاً من الانقسام المخيف الذي تغلغل في مفاصله حتى صار داخل البيت الواحد وفقد الناس إخوتهم وأصدقاءهم؟.
ماذا سيخسر الاتحاد الديمقراطي إذا قام بإطلاق سراح المعتقلين من الأحزاب الأخرى، وتركهم يعودون إلى ذويهم وأعمالهم وحياتهم الطبيعية، فهذا مما سيترك أثراً طيباً في نفوس الناس ويقوي الجبهة الداخلية في مثل هذه الظروف الصعبة.
ماذا سيخسر الاتحاد الديمقراطي إذا سمح للأحزاب الأخرى بفتح مكاتبها وممارسة عملها السياسي والمدني السلمي، فهذا سيعطي إدارته وجهاً ديمقراطياً ويظهره بمظهر الواثق بنفسه وعمله وبرامجه والذي لا يخاف من منافسة الآخرين.
ماذا سيخسر الاتحاد الديمقراطي إذا قبل دخول بيشمركة (روج) المدربة والجاهزة، والدمج بينها وبين وحدات حماية الشعب لتكوين قوة كوردية ذات وزن عسكري تقوي الموقف السياسي والتفاوضي للكورد مستقبلاً، ويقطع الكذبة التركية بأنها تحارب قوات إرهابية. 
ماذا سيخسر الاتحاد الديمقراطي إذا توقف عن مهاجمة حكومة إقليم كوردستان والحزب الديمقراطي الكوردستاني، وعمل بدلاً من ذلك بالتنسيق مع حكومة الإقليم، خصوصاً أن بينهما حدوداً مشتركة، بل يكاد يكون الإقليم هو المتنفس الوحيد المضمون للإدارة الذاتية الذي لن يغلقه أحد تحت أي ظرف مادامت حالة الاحترام والتعاون والتنسيق بين الطرفين قائمة.
ماذا سيخسر الاتحاد الديمقراطي إذا توقف عن الحرب الإعلامية ضد بيشمركة إقليم كوردستان، وعقد معها بدلاً من ذلك اتفاقات تعاون وتبادل خبرات وتنسيق أمني وتبادل المعلومات كما يحصل عادة بين كل القوات الأمنية التي تكون على طرفي الحدود.
    كل ذلك لو تم (خصوصاً أن الحزب يدعو إلى مؤتمر قومي كوردي) فسيقوي موقف الاتحاد الديمقراطي في الداخل وفي الخارج، وسيعطي الإدارة الذاتية مشروعية وجود، ويمنع عنها تهديد الجيران، ويجلب لها الاعتراف والدعم ممن يرغب في ذلك، ويقوي موقفه التفاوضي مع الآخر، وينهي حالة الانقسام في الشارع الكوردي، ويحقق الأمن والاستقرار للمنطقة وسكانها، وتتفرغ الإدارة لتطوير مؤسساتها وخدمة الناس بدلاً من الانشغال بالمعارك السياسية والوجودية مع الآخرين … فماذا سيخسر الحزب إذا حدث كل ذلك؟.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…