سوريا في القريب العاجل

الأمازيغي: يوسف بويحيى
في ظل الإرتباك الذي نتج عن تصريحات البيت الأمريكي بقرار الإنسحاب، اصبحت كل الأطراف الموجودة في سوريا مستهدفة من بعضها البعض، ومن يظن أن الكورد فقط وحدهم الخائفين على وجودهم فهو واهم.
تبقى المشكلة المعقدة أمام أمريكا في كيفية التعامل مع الطرف الكوردي الحاكم ب ي د ذلك لإرتباط الأخير سياسيا و إديولوجيا مع النظام السوري و الإيراني، لهذا كان تصريح “ترامب” و رجال إدارته واضحا عندما أكدوا حماية الكورد، وأغلب الظن فالمقصود الكورد كشعب و ليس الفصيل العسكري الحاكم المثمثل في قوات سوريا الديموقراطية ذات الأغلبية الكوردية، وأكدت سابقا في أكثر من مناسبة أن أمريكا لا تثق بقوات “قسد” كحليف إستراتيجي، لأن ما سبق ذلك من تنسيق أمريكي كوردي في سوريا مجرد دعم تحت راية التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب لا ڨال و لا أكثر.
تغريدة “ترامب” لم تربك الأطرف فقط بل أظهرت نوايا حلفاء المرحلة تجاه بعضهم البعض، فمثلا روسيا تضع اولوياتها في القضاء على المعارضة السورية المسلحة، وتركيا تريد أن تزحف على الكورد كشعب و منطقة أي إعادة نفس جريمة “عفرين”، إيران تدعم كل مليشياتها من أجل إضطهاد مناطق السنة المتبقية لإحداث تغيير طائفي، بينما كل هذه النوايا تأتي من طرف على حساب طرف ٱخر في سوريا، وبخلاصة فإن الرقعة التي فتحها الأمريكان ستؤدي بحرب و فوضى لا منتصر فيها و الكل خاسر لا محالة.
وتبقى تحديات روسيا في إنتظار الفرصة المناسبة إعلانهم الرسمي رفضهم السماح للأتراك بالتقدم في شرق الفرات رغم كل التوددات التركية السابقة، بالمقابل أمريكا تريد إعادة التوازن إلى سوريا بدعم المعارضة السورية و عدم إتاحة السيطرة الكاملة للنظام السوري ولو سياسيا، ولأجل ذلك حاولت أمريكا جاهدة إحداث تقارب بين الكورد بينهما بالمقابل إيجاد صيغة تفاهمية بينهم و المعارضة السورية مستقبلا.
لكن بعد أن مل “ترامب” من تصرفات منظومة ب ي د و نفاق سياستها التي تحارب أمريكا سياسيا و إقتصاديا لصالح الروس و إيران، لجأ “ترامب” بالضغط عليهم بالقوة و التهديد بالإنسحاب الذي سيجعلهم لقمة صائغة لدى المعارضة السورية الإرهابية المدعومة تركيا، وذلك بإملاءات و مراقبة أمريكية من أجل حماية الشعب الكوردي و المنطقة و طرد ب ي د، أي بصريح العبارة أمريكا ستستعمل كل من تركيا و المعارضة السورية كجنود حرب لتحرير مناطق شرق الفرات من ب ي د و بعدها أمريكا ستطرد تركيا و المعارضة، ثم في الأخير ستقرر (أمريكا) من يحكم و يدير هذه المناطق برعاية دولية و نفود أمريكي، ومن طبيعة الحال سيكون البديل في شرق الفرات كوردي و عربي معارض للنظام السوري، لأن أمريكا تعرف جيدا بان “ب ي د” جزء من النظام السوري و لا علاقته بالشأن الكوردي قطعا.
لا بأس ان أوضح فكرة مهمة جدا إلى كل الذين يقولون أن الحل الكوردي يوجد في “دمشق” و ليس “أنقرة”، حيث أقول بأن الحل الكوردي ليس في “دمشق” و لا حتى في “أنقرة”، بل الحل الكوردي سيتم الوصول إليه من خلال شرطين إثنين؛ أولا قطع الكورد العلاقات بين “دمشق” و “انقرة” مع رفع مطلب الفيدرالية و الإنفصال على سوريا العربية، وثانيا التحالف مع أمريكا بشكل مباشر و صريح بدل روسيا و إيران و تركيا و النظام السوري.
إن منظومة “ب ي د” عامة (حزب الإتحاد الديموقراطي) إلى حد الٱن لم تطرح أي خطوة إيجابية حول الحل الكوردي الكوردستاني، بل كل ما تعمل عليه مجرد خدمة النظام السوري على حساب حقوق الشعب و القضية الكوردية، في حين المجلس الوطني الكوردي لا يملك أي أوراق سوى إنتظار الإلتفاتة الأمريكية من بوابة المحافل الدولية كجزء مستقل من الإئتلاف السوري العروبي الإرهابي عندما يحين تفعيله ضمن المخطط الأمريكي القادم الذي اسلفته اعلاه.
إن الذين يمنون النفس في النظام السوري الأسدي لن تدوم فرحتهم طويلا، لأن “بشار الأسد” و عائلته لن يستمر في السطلة بعد التسوية السياسية إلا بولاية واحدة، ومنه سيتجدد نظام ٱخر أكثر جرما و حقدا إن لم يستغل الكورد الفرصة لتأمين وجودهم و إكتفاؤهم الذاتي و ألا يقعوا في نفس أخطاء كورد العراق خصوصا من بعد 2003.
إلى حد الٱن لا يوجد طرف دولي قريب لكورد سوريا سوى أمريكا و بعدها فرنسا و السويد و النمسا و الدانمارك، أما الباقي (روسيا، إيران، تركيا، نظام سوريا) فلن يقدموا شيئا لأنهم جميعا ضد حقوق الشعب الكوردي، وما أقوله ليس حبا في الغرب و سياسته المتوحشة و لكن يبقى الحل و السبيل المتاح للخروج من قنينة سوريا الضيقة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…