عندما يكون الانسحاب حكمة

عيسى ميراني
يسمو دور القائد ويُعلى شأنه، في المراحل العصيبة، وأثناء الكوارث التي تمر بها شعوبهم، ويتجلى صواب الرؤية بطريقة التعامل مع الحدث أو الكارثة التي أصابتهم، وإنقاذ الشعب بأقل ما يمكن من الخسائر، وخير من تعامل مع هذه الأحداث والفواجع التي ألمت بشعبنا الكوردي، هم البارزاني الأب ونجله مسعود البارزاني، فعندما اتفق حكام العراق وشاه إيران برعاية جزائرية في اتفاقية العار التي سميت باتفاقية الجزائر عام 1975 والتي  بموجبها تم تنازل النظام العراقي بحقه في السيادة على شط العرب مقابل تخلي إيران في دعم الثورة الكردية وإنهاءها عسكريا تنبه البارزاني الخالد لحجم الكارثة والخطر الذي أحاط بالشعب فكان أمام خيارين إما الاستمرار بالثورة دون إعطاء الضحايا المدنيين أي أهمية، أو الانسحاب وإيقاف العمليات العسكرية لتجنيب الشعب مخاطر الاصطدام مع الجيش العراقي دون سابق استعداد فبعد الدراسة والتمحيص وبالرغم من إلحاح الكثير من القيادات الميدانية على الاستمرار بالثورة وإتباع حرب العصابات إلا انه اختار الانسحاب وأوقف العمليات العسكرية حتى الوقت المناسب 
أما الانسحاب الثاني كان في كركوك 2017 عندما قام بعض قيادات الاتحاد الوطني الكوردستاني بتسليم كركوك ومناطق أخرى للحشد الطائفي مقابل صفقة رخيصة برعاية إيرانية عراقية وقبول ضمني أمريكي والتي كانت مصيدة محبوكة من جانب الاستخبارات الإيرانية لخلق حالة من الاقتتال الكوردي – كوردي يكون البارزاني والديمقراطي الكوردستاني طرفاً أساسياً فيها إلا إن حكمة البارزاني الابن لم تكن اقل من حكمة الخالد مصطفى البارزاني إذ تنبه مبكراً، فأوعز لكل القوى الوقوف والانتباه لحجم المؤامرة والتراجع إلى خطوط الدفاع وعدم الانجرار لردود الأفعال وترك تلك القيادات للشعب والتاريخ ليحكم على ذلهم وخيانتهم ولتبقى وصمة عار على جبينهم أولئك الذين نكثوا بالتحالفات الإستراتيجية بين الحزبين والذي كان يسميه جلال الطالباني بالتحالف الاستراتيجي والتي انعكست عليهم سلباً وكانت النتيجة فقدانهم للكثير من المصداقية الشعبية وخسارتهم للكثير من مقاعدهم البرلمانية في بغداد وهولير 
وأما في كوردستان سوريا تبدو في الأفق ملامح مقلقة وغير واضحة المعالم  تستوجب الوقوف الجدّي أمامها لا سيّما بعد إعلان الإدارة الأمريكية الانسحاب من سوريا عشية إعلان الرئيس دونالد  ترمب الانتصار على تنظيم (داعش) في سوريا مما سيشكل انسحابه طعنة في ظهر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) كما صرحت بها المراكز الإعلامية لقوات (قسد) ويفتح المجال للنظام التركي للاستفراد بمناطق السيطرة الكوردية التي تشكل خطرا على الأمن القومي التركي كما يدعي اردوغان وفقدان الحماية الأمريكية سيسهل دخول العسكر التركي والجماعات المسلحة بمختلف مسمياتها إلى تلك المناطق وقد يكون بتوافق تركي سوري وهو ما أكده وزير الخارجية الروسي لافروف اليوم وفي هذه الظروف لا بد للقائمين على مراكز القرار في كوردستان سوريا وخاصة حزب الاتحاد الديمقراطي ومرجعيتهم ( قنديل) التنبه لحجم الكارثة والدمار (عفرين نموذجاً) وان يكون الانسحاب الهادئ لقواتهم طريقاً للخلاص من المؤامرة لان فرصة التوافق الكوردي الكوردي بعيدة المنال حالياً بسبب تعنت قيادات الاتحاد الديمقراطي والتفرد بالقرارات المصيرية لكورد سوريا ويبقى التصدي للعسكر التركي في كوردستان سوريا انتحاراً بسبب عدم التكافؤ عسكرياً وفقدان الدعم الدولي وغياب التوافق داخل البيت الكوردي وعدم وجود جغرافية ملائمة للانتقال لحرب العصابات وفي هذه الحالة سيكون الانسحاب حكمةً وشجاعة. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس تمعنوا، وفكروا بعمق، قبل صياغة دستور سوريا القادمة. فالشعب السوري، بكل مكوناته، لم يثر لينقلنا من دمار إلى آخر، ولا ليدور في حلقة مفرغة من الخيبات، بل ثار بحثًا عن عدالة مفقودة، وكرامة منهوبة، ودولة لجميع أبنائها، واليوم، وأنتم تقفون على مفترق مصيري، تُظهر الوقائع أنكم تسيرون في ذات الطريق الذي أوصل البلاد إلى الهاوية….

نظام مير محمدي*   بعد الذي حدث في لبنان وسوريا، تتسارع وتيرة الاحداث في المنطقة بصورة ملفتة للنظر ويبدو واضحا وتبعا لذلك إن تغييرا قد طرأ على معادلات القوة في المنطقة وبحسب معطياتها فقد تأثر النظام الإيراني بذلك كثيرا ولاسيما وإنه كان يراهن دوما على قوة دوره وتأثيره في الساحتين اللبنانية والسورية. التغيير الذي حدث في المنطقة، والذي كانت…

عنايت ديكو سوريا وطن محكوم بالشروط لا بالأحلام. سوريا لن تبقى كما يريدها العرب في الوحدة والحرية والاشتراكية وحتى هذا النموذج من الإسلاموية، ولن تصبح دولة كما يحلم بها الكورد، من تحريرٍ وتوحيد للكورد وكوردستان. هذا ليس موقفاً عدمياً، بل قراءة موضوعية في ميزان القوى، ومصارحة مؤلمة للذات الجماعية السورية. فمنذ اندلاع شرارة النزاع السوري، دخلت البلاد في مرحلة إعادة…

محمود برو حين يتحدث البعض عن كوردستان على أنها أربعة أجزاء، ثم يغضون الطرف عن وجود كوردستان الغربية، ويحاولون النقص من حقوق شعبها تحت ذرائع مبرمجة ومرضية للمحتلين ،فهم لا ينكرون الجغرافيا فقط، بل يقصون نضالاً حقيقياً ووجوداً تاريخيا و سياسياً للكورد على أرضهم. إنهم يناقضون انفسهم ويدفعون شعبهم إلى متاهات صعبة الخروج كل ذلك بسبب سيطرة الادلجة السياسية…