ريزان شيخموس
في الوقت الذي كان يسود قلق شديد في الأوساط الشعبية والسياسية السورية والكردية جرّاء التهديدات التركية في اقتحام العديد من المناطق في شرقي الفرات والمفاوضات الجارية على أكثر من صعيد بتلافي تنفيذ هذا التهديد، تفاجأ العالم ومن دون مقدّمات بقرار الرئيس الأمريكي بسحب قواته من سوريا بعد القضاء على داعش، وهذا ما سبّب ارتباكاً وقلقاً كبيرين ليس فقط في سوريا بل في كل العالم، مما يؤكّد وللمرة الألف بأن السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط مبنية وبوضوح كامل على مصالحها المؤقتة والآنية بعيداً عن منطق الاستقرار العالمي والسلم الأهلي ومبادئ حقوق الإنسان.
هذه المبادئ التي وقعت عليها جميع الدول حرصاً منها على هذه المبادئ السامية، لكن تحوّلت هذه الدول إلى حاميات لمصالحها دون الأخذ بالاعتبار مسائل الديمقراطية وحقوق الإنسان لشعوب المنطقة بل بالعكس تحولت إلى حاميات للأنظمة القمعية والديكتاتورية في المنطقة عموماً .
إن القرار الأمريكي بسحب قواته من مناطق في شرق الفرات هو بداية مرحلة جديدة في سوريا، وخلط واسع للأوراق، ويهدف إلى فسح المجال لتوازنات جديدة في المنطقة، أي إعادة تأهيل عودة النظام إلى المنطقة. حيث كان يسيطر الأمريكان ومن خلال حلفائهم على ٣٠٪ من الأرض السورية، حيث أن هذا القرار يفتح المنطقة على كل الخيارات لملء الفراغ الحاصل من هذا الانسحاب، ستكون هذه الخيارات وعلى الأغلب المستفيد الأوحد منها هو النظام أو سيدفع بالبيدي أو بمجلس سوريا الديمقراطي بالعودة السريعة إلى حلفه السابق (النظام السوري وروسيا وإيران) أي الطلب من هذا الحلف بالسيطرة العسكرية على المنطقة كما يحصل الآن في منطقة منبج خوفاً من تكرار تجربة عفرين كالنموذج الأسوأ .
التهديدات التركية بالتدخل العسكري في شرق الفرات وبالاعتماد على الفصائل السورية الموالية لها والتي قد أساءت بشكل كبير جداً للثورة السورية وللشعب السوري ومنطق السلم الأهلي بين مكوناته في عفرين، هذه التهديدات التي تشكل مصدراً للقلق في أوساط كبيرة من الشعب السوري وخاصة المكون الكردي منه .
القرار الأمريكي أسال لعابَ كلّ الدول المحيطة بالتدخل العسكري في سوريا وملء الفراغ الأمريكي حيث التصريحات العراقية أو التركية أو الإيرانية والروسية كلها تصب في هذا الاتجاه. خاصة أن كل القوى العسكرية في سوريا قراراتها مصادرة من الجهات التي تموّلها، وسوريا بلدٌ محتلٌّ من دول متعددة الجنسيات والقرار السوري مرتهن بالدول المتواجدة فيها ووفق مصالحها بعيداً عن مصلحة الشعب السوري وثورته التي باتت في مراحلها الأخيرة من النهاية المأساوية بعد مقتل أكثر من نصف مليون من الشعب السوري وتهجير سبعة ملايين منه ومصير مئات الآلاف منه مجهولاً وتدمير نصف المدن السورية ورغم كل ذلك بات معظم الدول الداعمة للثورة السورية أو أصدقائها وخاصة الموقف الأمريكي الأخير والذي يحاول إعادة تأهيل النظام الأسدي والذي يتحمّل كامل المسؤولية عن كل ما جرى في سوريا رغم تحمُّل المعارضة المسؤولية الكبرى أيضاً لأسباب سيتم معالجتها في مقال لاحق. لذا بات من المؤكّد بأن القرار الأمريكي سيعمل على تصعيد الأزمة السورية، ويعقّدها، ويكسر التوازن العسكري القائم لمصلحة النظام السوري، وسيفتح المجال لحروب أكثر دموية في المنطقة، وستفشل كل المحاولات الدولية من وضع الحلول السياسية للازمة السورية من جنيف إلى آسيتانا وغيرها من الاتفاقيات التي كان يمكن من التوصُّل لحلول منطقية لهذه الأزمة، وأن اعتراف ديمستورا بفشل المفاوضات يؤكّد عدم توفر الإرادة الدولية لحلول جدية للوضع السوري.
القرار الأمريكي زاد من القلق الشعبي والدولي، وساهم في توتير الأجواء بشكل خطير. رغم أن القرار بسحب القوات مشروطاً بالقضاء على داعش، هذا قد يفسّر أن يتم إلغاؤه في أية لحظة عندما يتعارض هذا القرار مع المصلحة الأمريكية .
أمّا كردياً فلا بدّ أن يتم توضيح عدة نقاط مهمة مرتبطة بالمواقف الأمريكي عموماً من القضية الكردية في الأجزاء المختلفة من كوردستان:
– إن السياسة الأمريكية تحددها، وترسمها مصالحها ككل دول العالم، وحيث أنها ليست جمعيات خيرية .
– إن الأمريكان لهم عدة تجاربَ سيئةٍ مع الشعب الكردي والقضية الكردية بدءاً من اتفاقية الجزائر المشؤومة ١٩٧٥ ومروراً بموقفها من الاستفتاء وانتهاء بإعطاء الضوء الأخضر للجيش العراقي والحشد الشعبي الشيعي باستخدام السلاح الأمريكي واحتلاله لكركوك والمناطق العراقية المتنازعة عليها، رغم دور البيشمركة بالقضاء على داعش في العراق عموماً .
– الأمريكان كانوا واضحين منذ اليوم الأول بأن لهم أهداف محددة في سوريا، وقد يستخدمون مسلّحي البيدي في تحقيق هذه الأهداف دون عقد أي اتفاق معهم أو الاعتراف السياسي بهم أو حتى المساهمة بإشراك البيدي بأي مؤتمر دولي حول الأزمة السورية .
– إن الأمريكان رغم معرفتهم الأكيدة بأن البيدي هو الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني، لكنهم تجاهلوا هذا الشيء، وحاولوا الدفاع عنهم، وساهموا في عزل البيدي عن حزبه الأم للاستفادة من ميليشياته في تحقيق أهدافهم ومصالحهم في المنطقة كما أنهم ضغطوا باتجاه إدخال «بيشمركة روج» إلى المنطقة لتخفيف الضغط التركي وتحقيق نوع من المصالحة بين الكرد، ولكن رفض حزب الاتحاد الديمقراطي هذا الاقتراح رغم عقد اجتماع بين الطرفين، وأصر الاستمرار بسياساته القمعية والاقصائية ورفض الآخر وفضل العودة إلى محور النظامين السوري والإيراني بدلاً من المشروع القومي الكردي والمصلحة القومية الكردية .
– إن حزب الاتحاد الديمقراطي قدّم عشرات الآلاف من الشباب الكردي قرابين لمصالح كل الدول المتواجدة في سوريا وخاصة الأمريكان في المرحلة الأخيرة والمتاجرة بدماء هؤلاء الشباب في مصالحه الحزبية وتحويل سوريا إلى بقرة حلوب لتمويل حزب العمال الكردستاني وقنديل.
إن هذا الحزب يمكنه وباسم إخوة الشعوب استخدام خيرة الشباب الكردي لمصالح كافة الدول ماعدا مصلحة الشعب الكردي وقضيته، ولَم يتمكّن من استخدام هذه الفرصة الذهبية لحل القضية الكردية بالعكس مارس سياسات معادية للجميع وكل المكونات وخاصة الشعب الكردي من القتل والخطف والتنكيل والتهجير والتجنيد الإجباري.
– إن الشعب الكردي سيدفع ضريبة سياسات حزب الاتحاد الديمقراطي نتيجة معاداته باسم الشعب الكردي للجميع دون أن يقدّم أي شيء للشعب الكردي .
كلمة أخيرة وفرصة أخيرة:
بدلاً من محاولات حزب الاتحاد الديمقراطي التفاوض مع النظام وإعادته للمناطق الكردي لابد من العودة إلى الصف الكردي والاعتذار للشعب الكردي وشهدائه، وعن كل الجرائم التي ارتكبها بحق الكرد في كوردستان سوريا والعمل السريع للتوصُّل إلى حلٍّ سياسيٍّ مع المجلس الوطني الكردي لعودة بيشمركة روج والتخلُّص من سياسات حزب العمال الكردستاني وكوادره والتفاوض مع بقية المكونات لإنشاء جيش وطني للدفاع عن المنطقة وتفويت الفرصة عن تدخُّلات الدول المجاورة وخاصة التركية منها والتفاوض معها من خلال الدول العظمى لإحلال السلام في ربوع منطقتنا، مع يقيني الكامل بأن ما طرحته من منصة حلول لن يقبل بها البيدي بالمطلق .