أمريكا بين روما والمغول

 ابراهيم زورو
نقطة من أول السطر، هل تحظى أمريكا بالثقافة الأمبراطورية التي تؤهلها بأن تنافس روما أو المغول ولا ثالث لهما، إذا كانت أمريكا تحكم العالم، فهي تنسى أن التاريخ سيحكمها يوما ما للأبد، وهذا ما يخبرنا التاريخ العالمي في سياقه، وكذلك بات معروفاً أن لكل ظاهرة ما سواء أكانت طبيعية أو بشرية فلها ثلاثة مراحل: الصعود، الاستقرار والهبوط.
إذا تمعنا النظر قليلاً في كتاب رقعة الشطرنج الكبرى لزبغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي عام 1977، اعتقد أن خارطة الشرق الأوسط قادمة لا مجال فيها، لأسباب تتعلق بتاريخ الأمبراطوريات التي عرضها في مادته وإضافة إلى ما تفضل به الأستاذ نبيل ملحم في عنوان لمقالته المنشورة في لوموند الفرنسية ولها أهميتها يشرح تاريخ السلعة البرجواية التي تخترق الحدود ولا شيء يستطيع أن يقف في وجه هذه السلعة، أما كتاب رقعة الشطرنج فهو يتناول الموضوع من زاوية ثانية، قد تبدو في شكلها خال من المسألة الرأسمال ولكن يعرض التاريخ لثلاثة أمبراطوريات عالمية تناوبت على مسرح التاريخ وهي، الأمبراطورية الرومانية التي سبقت قوتها حسب زعمه الثقافة الرومانية التي تبرر وجود تلك الأمبراطورية وهو أمر مهم لأي عمل عسكري ذو شأن عظيم في أنك تقود العالم بتلك الأمبراطورية وذلك بقوة ثقافتها التي سوف تزدهر بعد أن تخطت عملية التبرير، 
وكان الناس يتبجحون لأنهم ينسبون أنفسهم إلى تلك الأمبراطورية العتيدة، أما الثانية فهي الأمبراطورية الصينية التي كانت أقل ثقافة من روما، والثالثة منها هي الأمبراطورية المغولية التي تفتقد إلى أي نوع من الثقافة وهو أمر مهم في الحالة الأميركية، الا أن سيطرتها على العالم لم تسفر عن أي شيء لحد الآن فهي بالتالي تشبه إلى حد كبير الأمبراطورية المغولية الخالية من عمل إنساني يعني هي عبارة عن قوة عسكرية تفتح البلدان بالقوة وتخرب كلما يصادف طريقها دون النظر إلى قضية التاريخ وما إلى ذلك، أو ربما ليست لديها الوقت لتغيير في بنيتها سوى الربح الجشع والركض وراء المال هو أمر رئيسي في الحالة المغولية. فإن شأن الأمبراطوريات الرومانية أو الصينية من الطبيعي أن تحمل في جوفها شيئاً من العدالة، لأن القوة بدون تحقيق أي مستوى العدل والمساواة بحدها الأدنى تبقى قوة غاشمه جاءت كي تحصد المال وتقتل البشر دون أن النظر إلى تاريخها المستقبلي، كما هي الحالة المغولية.
والسؤال الذي يطرح في هذا المنحى وهو في القرن الواحد والعشرون وثورة الاتصالات التي بلغت أوجها تضع أمريكا في مفترق الطرق أما أنها تحكم بلغة القوة الغاشمة خالية من ادنى تفكير فهي تعتمد على المال ولقمة عيشها، ولا أعتقد أن أمريكا بهذا المستوى الضحل في ثقافتها كي تحذو حذو المغول وهي أي أمريكا تملك مستوى ثقافي في أقل من قرن بلغت أوجها من اللغويين والفلاسفة والأدباء ما تكفيها أن تعيش على أرثهم الثقافي لقرون آتيه. لا أعتقد أن تراكمها الثقافي تسمح في حدها الأدنى أن تقارن نفسها بهولاكو العصر وهو أمر مرفوض في عالمنا اليوم. وأن التراكم الثقافي الأمريكي بلغت أشواطاً لأباس بها ضمن الحركة العالمية والتي تعتبر جزء مهماً في عالمنا الثقافي، ولديها ألوف من الفلاسفة وعلماء الاجتماع وعلماء النفس والتربية وما إلى ذلك، ما أريد قوله هنا، هل يمكن للقوة الغاشمة التي تعتبر نفسها أمبراطورية أن تهزم هذا التراكم الثقافي؟ كما هي الحالة الالمانية إبان هتلر؟! ورغم ادعائها الدائم بحقوق الإنسان و مبادئ ويلسون الاربعة عشر هي 14 مبدأ قدمت من قبل رئيس الولايات المتحدة وودرو ويلسون للكونغرس الأمريكي في تاريخ 8 يناير 1918، ركز فيها على مبدأ للسلم ولإعادة بناء أوروبا من جديد بعد الحرب العالمية الأولى، وهذه المبادىء في تلك المرحلة كانت تعتبر متقدمة بعض الشيء، كل هذا الكلام يبعد الأمريكان عن المغوليين.
في الشرق الأوسط الجديد المزمع تغييره، هو ما يفصل أو هو الحد الفاصل الذي يجعل الامبراطورية الامريكية لديها من العدل التي تؤهلها أن تتبجح بنفسها أمام العالم، وأن الشرق الأوسط سيضع الثقافة الأمريكية على المحك فيما إذا كانت لديها النية الحقيقة أن تشيد العدل أو تبقى هي نفسها علماً أن الديمقراطية الأمريكية هي مجروحه نتيجة استعمالها المفرط للقوة أيام الزنوج، لهذا بات تغيير شرق الأوسط تجعل من أمريكا أمبراطورية حقيقة كون كل ظلم العالم تقع في تلك المنطقة، أبتداء من أرهاب الدولة ومروراً بالظلم الواقع على القوميات في الشرق الأوسط ككورد وأمازيغ، وكذلك في صرفها اموالها في إثارة المشاكل في باق دول العالم، السعودية نموذجاً، وأيضاً دولة مثل تركيا التي تفتخر بديمقراطيتها التي لا اساس لها من الصحة ومتبجحة بها رغم أرتكابها للمجازر بحق الكورد والأرمن، وكذلك الدولة الوحيدة في العالم التي تحكم فيها خمس وثلاثون(حسب بعض المصادر) شخصاً على خمسة وستون بالمئة من شعوب التركية، في ظل العالم بات يعيش على قطب واحد. ولتركيا يد في العالم الإسلامي وكما لأيران أيضاً وكلنا يعلم أن إيران، تركيا والسعودية يتنافسون على تخريب البنية النفسية لشعوبها ولكل شعوب العالم عبر اللعب على الوتر الطائفي وهو أمر الذي يبعد شعوب المنطقة عن بعضها وحتى ضمن شعب واحد، وهذا التغيير أنما يرفع الغبن عن شعوب المنطقة كي يسود العدل قليلاً طبعاً تلك العدالة تكون مرتبطة بالمصالح القومية الأمريكية حصراً، وكذلك تغييرها تفتح الطرق نحو أسواق اخرى وهي فائدة للسلعة البراجوازية كما يذهب إلى ذلك الأستاذ نبيل ملحم وهو أمر صحيح بدرجة عالية. لماذا الشرق الأوسط حصراً عدا عن المناطق الأخرى في العالم، برأيي الشخصي، لا تعاني أي شعب في المعمورة مثلما تعاني شعوب شرقنا من ظلم واضطهاد لشعوبها، على رقعة صغيرة تعيش كل أنظمة الحكم وبعضها عفا عليها الزمن نتيجة التطور الثقافي السياسي إلا منطقة الشرق فيها: دولة التوليتارية، الثيوقراطية، الدكتاتورية، الأوليغارشية، ملكية، جمهورية “معدلة” اتحادية، سلطانية، بكل توزعاتها الشكلية إلا أن الظلم هو العنوان الرئيسي لتلك الدولة المذكورة. 
لذلك لن ترى كل هذا الظلم في أي منطقة في العالم كشرق الأوسط، فأن الضغط والتأويل الديني عن طريق الخوف من الله بدون وجه حق والذي تفتعلها الأنظمة ضد شعوبهم لن ترى مثيل لها، وهو استخدام سيء للدين ولكن غالباً ما تكون لصالح الحكومات ضد شعوبها، وأغلب هذه الشعوب تؤله قوادها خوفاً وعلى حساب لقمة عيشهم، ولن نبالغ إذا قلنا أن تلك الدول تصرف كل اقتصاديات شعوبها بدون حسيب أو رقيب، وخاصة في أذلال شعوبها وليس من أجل ترفيههم. 
إذا أمريكا تقف على مفترق الطرق، أما أن تكون أمبراطورية عادلة عليها أن تجعل الشعوب المنطقة تستريح من ظلم حكامها، وبالتالي تستعيد فكرة بُعدَها عن الأمبراطورية المغولية ويعد هذا انتصاراً للثقافة الأمريكية نظراً لأختلاف الحضارتين، الأمريكية والمغولية.
ويخبرنا التاريخ أن نهاية أي أمبراطورية ستكون في عزلة أبدية مع التاريخ ستبقى تاريخها فقط، ويمكننا أن نتسائل أين تلك الأمبراطوريات السالفة الذكر، ألم يحتل هانيبعل روما مدة خمسة عشرة سنة، والصين قد تعرضت للهجوم البرتغالي مرتين، وقبل سنوات قليلة استعادت هونغ كونغ من البريطانية، وأيضاً الأمبراطورية المغولية لم تعد لها صوتاً يذكر.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…