إدريس سالم
يقول الكاتب والسياسي الكوردي “جواد الملا” عبر صفحته في الفيس بوك:
“الحمقى فقط يحتفلون بهزيمة إخوانهم. إن الضربة الجوية التركية لمناطق شنكال ومخمور في إقليم كوردستان البارحة هي إنذار لحكومتها بعدم التدخل حينما يقوم الجيش التركي باحتلال شرق الفرات. على كلّ بدون أيّ إنذار فإن الأحزاب الكوردية تحتفل حينما تلحق أيّ هزيمة بأيّ حزب آخر، وبدون أن يعلموا أن أيّ هزيمة لأيّ حزب هي هزيمة لبقية الأحزاب؛ لأن دورهم قادم لا محالة، ولأن العدو ليس له القدرة على محاربة جميع الأحزاب دفعة واحدة”.
إحدى عشرة جولة مرّت ولم ينجح ثلاثي آستانة في بلورة اتفاق حول الخطوط العامة للدستور السوري؛ لأن كل طرف يطرح فيه ما يتلاءم ومصالحه، فلتركيا مشروعها الكبير في الشمال السوري الذي يشمل إدلب وعفرين ومناطق درع الفرات، حيث يوجد مع اللاجئين إلى تركيا ما بين (6 – 7) ملايين سوري، فمنذ أشهر ومشروعات ربط هذه المناطق بتركيا مستمرة، شبكة طرق حديثة، وعمليات إغاثة، ومشروعات صحية وصناعية، كذلك البريد وخدمات الهاتف، والخدمات المالية، وتصريف المنتجات الزراعية… إلى الخدمات التعليمية وهي الأهم «أتعلنها تركيا ولايات تابعة لها؟!».
ولإيران مصالحها ومشاريعها، حيث تريد ضمانات دستورية حول الوجود والنفوذ؛ مما يعني عدم المساس بالمتغيّرات التي طرأت على الملكية وعلى الديموغرافية وعمليات التوطين الواسعة من وسط سوريا حتى حلب، كذلك ينبغي لأيّ جهة ألا تنتظر قيام طهران بسحب وحداتها العسكرية والميليشيات التابعة لها كلّياً، ومعروف على نطاق واسع ما يقوم به النظام الإيراني على المستوى الثقافي والتعليمي وحملات التشييع، خصوصاً في الأرياف الجائعة، وهذا الوضع يقلق الشارع السوري كثيراً، كما تنظر له موسكو بتوجس، الساعية للبقاء (49) سنة قادمة؛ وفق ما تقوله المعاهدات المبرمة مع النظام السوري.
أما روسيا، التي تدير دمشق من خلال قاعدتها “حميميم” في اللاذقية، فالحضور في المياه الدافئة (البحر المتوسط) كان دائماً حلماً روسياً من أيام القياصرة، وتلميع صورة السلاح الروسي وتسويقه، والقضاء على كل قوة سياسية عسكرية فكرية تواجه حليفتها سوريا، وإعادة اللاجئين السوريين الموالين قبل المعارضين من بلاد اللجوء، وتهيئة بيئة مصالحة وطنية بين النظام والمعارضة، ومن خلال هذا الحضور فهي توجه رسالة سياسية إلى مَن يهمّه الأمر، بأن روسيا لا تتخلى عن حلفائها.
خلال البحث والتحليل فيما قاله الكاتب جواد الملا نصل إلى حقيقة بديهية، في أن الجيش التركي سيدخل إلى شرق الفرات بجغرافية محددة من قبل واشنطن، فالأخيرة ليست في وارد التضحية بعلاقاتها التاريخية مع أنقرة كُرمى علاقة ناشئة من مبدأ (شراكة تكتيكية مؤقتة)، ولا الأخيرة تستطيع الاستغناء عن حلف الناتو، إذاً فالتجاذبات الراهنة بين الطرفين ليست سوى تعبير عن الخلاف بينهما على مدى نفوذ كل منهما على الأرض السورية، تمهيداً لفرض شروطه خلال المفاوضات السياسية مع موسكو ودمشق في مؤتمر يعقد في جنيف لاحقاً، وفي يد كل من المفاوضين أوراق قوة، أو فلنقل جماعة سورية يتكلم باسمها ويطالب بحقوقها.
هذا فإن أنقرة قد تحدثت – بشكل غير مباشر – عن خيار عمليتها العسكرية بشرق الفرات في كل المحافل الدولية والأمم المتحدة وقمة مجموعة العشرين ومسار أستانة وفي اللقاءات الثنائية والاتصالات الهاتفية السرّية والعلنية، هذا يعني أن تهديدات أنقرة ستترجمها واشنطن إلى واقع «موسكو لا تخطّط لأيّ تصدّي عسكري لأدوات شريكتها واشنطن في سوريا، إذ تركت أنقرة لتولّي تلك المهمة»، خاصة وأنها ربطت بقائها في سوريا بهدف إستراتيجي آخر، وهو منع التواصل الإيراني السوري – العراقي، والحدّ من نفوذ طهران، وهو هدف لا يتناقض مع طموحات أردوغان الساعي، منذ بداية الحرب السورية، إلى تحقيق حلم عثماني – تركي قديم، باقتطاع أجزاء من سوريا وتنصيب المعارضة الإسلامية في سدّة الحكم في دمشق، لضمان نفوذ دائم فيها.
ختاماً على الكورد أن يتحرّكوا، وأن يعملوا على إنهاء الحروب الحزبية وثورة البيانات والتصريحات والتنديدات الركيكة، فأنقرة تنسق كل خطوة تتخذها مع نظيرتها واشنطن، كما ليس سرّاً أن هذا التنسيق قائم بين البلدين على أعلى المستويات السياسية، وحلّ الخلافات بينهما لن يكون على حساب أيّ منهما، بل على حساب الذين يقاتلون ويتقاتلون نيابة عنهما، متوهّمين انتصاراً في حرب ليست حربهم، وما قصة رقصة الفيل الأمريكي الموجهة إلى المعارضة السورية، على اعتبار أن شرق الفرات ومنبج خطّ أحمر ليست إلا ضحكاً على الذقون وللاستهلاك الإعلامي.
ويبقى السؤال:
من أيّ نقطة ستبدأ عملية أنقرة العسكرية؟ وما هي محاورها؟ وهل ستكون برية واسعة أم مجرد قصف برّي وجوي من أراضيها؟ والأهم كيف سيتم التعامل مع النفوذ والوجود العسكري الأميركي؟ وهل هناك احتمال للصدام مع القوات الأميركية؟ وكيف ستكون مواقف الدول المعنية بالأزمة السورية مثل روسيا وإيران وفرنسا وأمريكا؟ في المقابل ماذا عن خبر دخول مجموعة من قوات بيشمركة روجآفا (بيشمركة روژ) التي قيلت أنها ستدخل أو دخلت إلى غربي كوردستان؟ هل كانت بضوء أخضر أمريكي؟ وهل الهدف منها احتواء الاجتياح العسكري التركي وبالتالي تكون مهمتها مراقبة الحدود مع الأمريكان باتفاق ثلاثي أم كانت رسالة غير مباشرة من أمريكا إلى تركيا؟