ترشيح بارزانييين لرئاستين بين التوريث والممارسة الديمقراطية

د. ولات ح محمد

    نزل خبر ترشيح الحزب الديمقراطي الكوردستاني للقياديين نيجيرفان بارزاني ومسرور بارزاني لرئاسة الإقليم وحكومته على التوالي كالماء البارد في حر الصيف على قلوب أنصار ومحبي هذا الحزب وهذه العائلة المناضلة، وهذا حقهم. في الوقت ذاته كان هذا الخبر فرصة لخصوم الحزب لجعله مناسبة للقول (وهو ليس من حقهم) إن الديمقراطي حزب وراثي وعشائري وما إلى ذلك مما لم يُجدِ أولئك نفعاً خلال كل العقود الماضية ولا ألحق ضرراً بالحزب الذي ظل يشق طريقه بقوة.
    لن أتوقف عند شخصية كل من السيدين نيجيرفان ومسرور بارزاني وجدارة كل منهما بتحمل هكذا مسؤولية، فالسيرة الذاتية لكل منهما كفيلة بالتعبير عن نفسها بنفسها. 
ما أود التوقف عنده مسألة فنية تنظيمية وعامة تكشف عن عدمية الكثير من الممارسات السياسية التي تتبعها بعض الأطراف الكوردية تجاه بعضها الآخر، وعلى رأس تلك الممارسات تدخل حزب في شؤون داخلية تنظيمية لحزب آخر. وهو السلوك الذي ربوا على أساسه الناس أيضاً، فترى أحدهم يتحدث في صميم شأن داخلي لحزب خصم وكأن ذلك من حقه، كالجار الذي يرى (جهلاً) أن من حقه التدخل والتحدث في شؤون أسرية خاصة بعائلة جاره. 
    من حيث المبدأ كل الأعمال والإجراءات التي يقوم بها حزبٌ ما من فصْل عضو أو تجميد أو ترقية أو ترشيح أو توافق أو انتخاب أو تمديد أو غير ذلك هي مسائل داخلية لا يحق لأحد التدخل فيها أو الحديث عنها أو انتقادها ما عدا أعضاء الحزب أنفسهم. أما في حالة الترشيح لأحد المناصب تحديداً فيبقى من حق الآخرين فقط ألا يصوتوا لذلك المرشح في الانتخابات العامة أو داخل البرلمان. 
    على هذا الأساس المنطقي والتنظيمي الذي يحكم العلاقات الداخلية لحزب ما وعلاقاته الخارجية بغيره يكون ترشيح قادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني السيدين نيجيرفان ومسرور بارزاني للمنصبين المذكورين هو أمر يخص الحزب وأعضاءه وليس من حق أي ابن آدام ممارسة النق في هذا الموضوع. أما بخصوص التوريث فينبغي التذكير بأن كل البارزانيين الذين تولوا المناصب (كغيرهم) في مؤسسات الإقليم خلال العقدين الماضيين جاؤوا كذلك عن طريق الانتخابات والتوافقات بين الأطراف الكوردستانية على أساس الاستحقاقات الانتخابية، وليس عن طريق الفرض أو الاستلام والتسليم أو التوريث؛ فالحزب يتوافق فيما بينه على مرشح (وهو شأن داخلي كما سبق القول) ويقدمه للمنصب ويتم التصويت على ترشيحه داخل البرلمان كما في حالة رئيس الحكومة ووزرائها، أو من خلال الانتخابات العامة كما حصل عند انتخاب رئيس الإقليم لدورات عدة. وهذا يعني أن أحداً لم يتولَّ منصباً في إقليم كوردستان غصباً أو وراثةً، لا من الديمقراطي ولا من الاتحاد ولا من أحزاب أخرى، بل عن طريق ترشيح حزبي داخلي ثم قبول الأطراف الأخرى عبر التصويت والتوافق. 
    من جهة ثانية لا وجود للهيمنة على المناصب في ترشيح السيدين بارزاني؛ فحصول الديمقراطي على المنصبين هو استحقاق انتخابي وليس أي شيء آخر؛ فلو كان لدى الديمقراطي مثلاً 15 مقعداً فقط داخل البرلمان لكان من حقه فقط الحصول على منصب رئيس البرلمان أو نائب رئيس الحكومة مثلاً. أما بخصوص التوريث فليس هناك توريث في وجود انتخابات وآليات ديمقراطية، وإذا حصل أن تولى أشخاص عدة ينتمون لعائلة واحدة مناصب عليا فإنه أمر طبيعي مادام يأتي عن طريق الانتخابات أولاً وعن طريق ترشيح قيادة الحزب لهم ثانياً. 
    للتمثيل ربما كان مفيداً هنا التذكير بحالة جورج بوش الأب وجورج بوش الابن الجمهوريين اللذين توليا رئاسة دولة بحجم أمريكا وبحجم ديمقراطيتها، وكذلك حالة الرئيس بيل كلنتون وزوجته هيلاري الديمقراطيين، إذ تولت الأخيرة وزارة الخارجية وكانت قاب قوسين أو أدنى لتصبح رئيسة لأمريكا في الانتخابات الأخيرة. إن حالة كهذه طبيعية مادامت تجري وفق آليات الديمقراطية ومؤسساتها؛ فالحزب هو الذي يرشح العضو الذي يرى فيه الكفاءة لهذا المنصب أو ذاك بغض النظر عن كونه من عائلة رئيس سابق أو لا، ثم يختاره الناس في الانتخابات أو في البرلمان.. أو يرفضونه. وكذلك الأمر فيما يتعلق بتشكيل الحكومة؛ فمن الطبيعي أن الحزب الفائز هو الذي يشكل الحكومة ويعين الوزراء. أما عندنا فما يجري في شأن تشكيل الحكومة العراقية يعد أنموذجاً باهراً لديمقراطيتنا الخاصة.
    خلاصة الأمر ومشروعيته في نقطتين: الأولى أن ترشيح أي حزب لأحد أعضائه لتولي أي منصب هو شأن حزبي داخلي ليس من حق أحد التدخل فيه أو انتقاده. وما دامت قيادة الديمقراطي رشحت كلاً من السيدين نيجيرفان ومسرور بارزاني لمنصبي رئيس الإقليم ورئيس الوزراء فإنها قد مارست شأناً داخلياً صرفاً من جهة، ومن جهة ثانية مارست استحقاقاً انتخابياً وفق نسبة الحزب من المقاعد داخل البرلمان. أما النقطة الثانية فهي أن من حق بقية الأطراف السياسية عدم التصويت لمرشحي الديمقراطي سواء في الانتخابات أم تحت قبة البرلمان إذا وجدت أن المرشحين لا يمتلكان الكفاءة الكافية وإذا كان لديها الأكثرية النيابية التي تستطيع بها منع تمرير المرشحين. 
    هذه هي الطرق الدستورية والقانونية والديمقراطية التي تم من خلالها ويتم تولي المناصب داخل الإقليم، أي عن طريق الانتخابات والبرلمان واستحقاقات كل حزب وفق عدد مقاعده، وهو العرف السائد في كل ديمقراطيات العالم المتحضر، ولا يوجد هنا أي شكل من أشكال الفرض والتنصيب والتعيين التي هي أساس التوريث. ولو كان أي حزب آخر يملك ما لدى الديمقراطي من مقاعد لربما رأى أن من حقه أكثر من ذلك بكثير. فأين الاستئثار يا سادة؟ وأين التوريث يا كرام؟.
    

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…