حسين جلبي
التطورات الأخيرة التي شهدتها مدينة السليمانية، وهي إحدى المحافظات الثلاث المشكلة لإقليم كُردستان العراق، والمعقل الرئيسي لحزب الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني؛ تطورات ملفتة قد يكون لها ما بعدها، خاصةً إذا ما كانت الإجراءات التي اتخذها الاتحاد الوطني الكُردستاني بحق تشكيلات حزب العمال الكُردستاني في المنطقة جدية، إذ إنها ستؤدي في هذه الحالة إلى تغييرات في المشهد السياسي في إقليم كُردستان، وسيمتد تأثيرها إلى تركيا وإيران المعنيتين بالوضع هناك، ولعل التصادم العسكري بين الحزبين المذكورين هو أحد السيناريوهات غير المستبعدة، خاصةً بسبب الوضع الحرج الذي يعاني منه الاتحاد الوطني، وسياسة عدم التسامح التي يعرف بها حزب العمال الكُردستاني تجاه الكُرد، وخاصةً تجاه حلفائه ومناصريه؛ الذين يشقون “عصا التحالف أو الطاعة” عليه، ويبتعدون عنه.
فقد عمدت قوات الأمن التابعة لحزب الاتحاد الوطني الكُردستاني، وهي صاحبة اليد الطولى في السليمانية، إلى إغلاق عدد من مقرات حزب العمال الكُردستاني في منطقة نفوذها، بناءً على أوامر من القيادي في الاتحاد ونجل رئيسه الراحل قوباد طالباني، وذلك بعد تفاهمٍ بين الطرف التركي والقيادي الآخر في الاتحاد برهم صالح، الذي نجحت عائلة الطالباني وبالتعاون مع الشيعة في إيصاله إلى رئاسة العراق، في خروجٍ على الإجماع الكُردي، وعلى العرف القاضي بالاتفاق على تقديم شخصية كُردية للرئاسة، باعتبارها من حصة الكُرد، حسب العرف الذي يسير عليه العراقيون مؤخراً. والواقع هو أن الاتحاد الوطني يجد نفسه منذ فترة بين نارين، خاصةً بعد أن أقدم العمال الكُردستاني قبل عدة أشهر؛ على اختطاف شخصين تركيين في منطقة نفوذ الأول، وقال إنهما عنصران في المخابرات التركية، ومن ثم إقدام تركيا بعد الفشل في استعادتهما على معاقبة الاتحاد، حيث عمدت إلى إغلاق مكتبه لديها وطردت موظفيه، كما ألغت رحلات الطيران مع مطار السليمانية منذ ذلك الوقت.
إلا أن ما زاد الأمور سوءاً بالنسبة للاتحاد الوطني الكُردستاني، كانت حزمة العقوبات الأمريكية الأخيرة على إيران، والتي كانت لها نتائج انعكست عليه بشكل مباشر؛ وعلى رأسها التضييق على عملية الاتجار بالنفط مع إيران، وتحويل خط نفط كركوك المار عبر الأراضي الإيرانية منذ شهور؛ باتجاه الأراضي التركية عبر أراضي إقليم كُردستان مرةً أُخرى، مثلما كان عليه الحال قبل مهاجمة الإقليم وفرض الحصار عليه، على خلفية تنفيذ سلطاته استفتاء الاستقلال عن العراق. لقد استفاد حزب الاتحاد الوطني الكُردستاني من سياساته البراغماتية دوماً، ومن مراعاة مصالح الأطراف المتضادة في وقتٍ واحد، فالحزب معروف بجمع الأعداء والأصدقاء معاً، على صفيح مصالحه الساخن، وكثيراً ما نجح في ذلك.
في هذا الصدد، كانت علاقات الاتحاد الوطني مع تركيا جيدة، لكنه كان في الوقت ذاته على صلة وثيقة مع حزب العمال الكُردستاني، حيث تتمتع مقرات الأخير في المنطقة بحمايته ودعمه، ويمارس أنشطته بشكل علني فيها، وضمن هذا السياق أيضاً، فقد كان الاتحاد مع استقلال الكُرد عن العراق، وشارك بفاعلية في الاستفتاء ووجه أنصاره للتصويت عليه بايجابية، لكنه نحَّى أصوات أنصاره جانباً، ووقف ضد الاستقلال عندما حان وقت الدفاع عنه. لقد اجتمعت قيادة الاتحاد الوطني مع قيادة إقليم كُردستان في الظهر، وأبدت تصميماً على الدفاع عن نتائج الاستفتاء حتى النهاية، لكنها عمدت في مساء اليوم ذاته إلى إدخال الحشد الشعبي الشيعي العراقي الذي تقوده إيران إلى كركوك، إلى خلف صفوف البيشمركة التي كانت في أقصى درجات التأهب للدفاع عن المدينة، حيث تبين بأن الاتحاد كان عقد صفقة مع الجنرال قاسم سليماني بذلك، تقضي بتسليم المدينة إليه، مقابل الحصول على عوائد نفطية وحوافز أُخرى.
لقد خلقت العقوبات الأمريكية على إيران، التي يرتبط معها الاتحاد الوطني الكُردستاني بعلاقات وثيقة، وكذلك الضغوط التركية على الحزب شروطاً جديدة في المنطقة، وأدت إلى الإخلال بالمعادلة الهشة التي وضعها الاتحاد لنفسه، وأرغمته على التفكير بإجراء بعض التغييرات عليها، والتخلي عن الضبابية وتحديد توجهاته، من أجل التأقلم مع تلك المستجدات والاستمرار. لكن تغلغل حزب العمال الكُردستاني في المنطقة، نتيجة تهاون الاتحاد الوطني يصعب من مهمته، والواقع هو أن العمال الكُردستاني لم يرفض الانصياع للاتحاد الوطني فحسب، بل عمد إلى معاملته بالمثل في عقر داره، حيث قام مسلحوه بمهاجمة أحد مقرات الاتحاد في مدينة سنجار، وإنزال علمه وشعاره عليه.
إن عمل حزب العمال الكُردستاني ضد مصالح حزب الاتحاد الوطني الكُردستاني، وقيامه برفض قراراته، لا بل معاملته بالمثل في معاقله وكأنه حزب كُردي سوري لا حول له ولا قوة، وليس حزبا رئيسيا في إقليم كُردستان، شريكا في حكم الإقليم من خلال نائب الرئيس وعدد من الوزراء، يجعل الأبواب مفتوحة على كل الاحتمالات، إلا إذا اختار الحزب الأول الانحناء أمام العاصفة، أو رضيت تركيا بتغييرات شكلية في المنطقة. وإذا ما كان التقارب مع الحزب الديمقراطي الكُردستاني، وهو أكبر أحزاب الإقليم؛ والحائز على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية فيه، هي أحد النتائج المتوقعة لما تشهده المنطقة حالياً، إلا أن هناك صعوبة يواجهها الاتحاد الوطني للفكاك من علاقته مع العمال الكُردستاني، بعد أن ترك له الحبل على الغارب للتغلغل في منطقته، لذلك تبقى المنطقة التي تحركها السياسات الخارجية غالباً، مرهونة بالعقوبات الأمريكية على إيران وباستمرار الضغوط التركية على الاتحاد الوطني الكُردستاني.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا