ابراهيم زورو
يُعرف التاريخ بأنه سرد للأحداث التي وقعت في زمن ولى، وأصبح طي النسيان، أو حفظت في الدروج. وهناك فرق بين تاريخ الأحداث وتاريخ الأفكار، وفي كلا الحالتين: الأول يصلح لأن يكون “قصصاً للأطفال”، أما الثاني: فيخص المفكرين ونمط تفكيرهم في عصورهم وهذا تشكل تراكم معرفي، وبكل الأحوال: للتاريخ تاريخان: تاريخ يحكي عن الشكليات التي تكون مرئية لجميع الناس، ومقرؤة لكل عابري الأحداث والأرقام، أي أن الذين مروا على أرض ليست أرضهم، أو حفروا لأنفسهم اسماءً ومضوا، وهذا يدخل في باب الشكليات ليس فيها من مهرب، كونهم لا يهمهم ما آل إليه التاريخ الشكلي، هذا النوع من التاريخ يجري بشكل بسيط، كالماء، أحداثه سلسلة لا تعقيد فيها، خشخشته مسموعة إلى حد كبير.
أما التاريخ الآخر فهو تاريخ الموضوع أو المعنى، خفية تدخل إلينا من بابه الواسع ولا يعطي نفسه للكثيرين، والكثيرون لا يهمهم هذا التاريخ الذي نحن بصدده، في حالتنا هذه، التاريخ لا يكون ظاهراً للعيان بل علينا أن نقرأه بعقل مفتوح وعلى كافة مستويات الحدث وفي إطاره الصحيح، حيث أن التاريخ الأول عيني ومسموع، أما الثاني فمستور، وكأنه لا علاقة تجمعهما ببعض ومفصولين من كل بد. ويقسم الناس إلى فئتين، فئة مثقفة وأخرى عامة، علماً أن هذا التاريخ لا يقبل أي سلطة عليه سوى سلطة القائمين عليه بالفعل، وإن السلطة هي التي تبرر وتجيد هذا النوع من التاريخ، أما حالة الأولى فسلطتها في الإفصاح عنها، من اجل العامة، والعامة هي التي سند السلطة، وهي التي تفسر بشكل مجرد وبقليل من الفهم. إذاً السلطة هنا مهمة جداً، والتاريخ الخفي هو الذي يرسم الطريق إلى السلطة ما بعدها سلطة، كونها مخفية وتتكلم عن مضمون الشيء، فقوته في معناه، كما يقول لنا نيشته:” فكل قوة هي امتلاك كمية من الواقع، والسيطرة عليها واستغلالها. وحتى الإدراك الحسي في وجوهه المتنوع وهو تعبير عن قوى تتملك الطبيعة. وهذا يعني أن للطبيعة بذاتها تاريخاً. وتاريخ شيء ما هو، عموماً تعاقب القوى التي تستولي عليه…..ويتبدل معناهما وفقاً للقوة التي تستحوذها …”[1]، فتاريخ الشكلي يحكي عن كل شيء سوى عن المعنى، وينظف بل ويستحم وجهه بكل الأحداث التي يجعل منه، على انه هو التاريخ الصحيح كي يرسى على ذهن العامة وما عدا ذلك تعتبر من الخزعبلات، والسلطة لا تهمها، أو لا تعير أي اكتراث بالشكل أو حتى بالمعنى، المهم هو اعتلاء سدة السلطة. فهي التي تجبر العامة على إرساء سياستها بمقتضى الدعايات ونشر أساليب الغش والخداع كل هذه الألاعيب يجعلك أن تصدق أن المعنى هو الغش والخداع، وذلك يدخل في وظيفة السلطة الرابعة التي تجيد مثل هذه الدعاية المكثفة وخاصة عندما يتعلق الأمر بالعامة من الناس، على مبدأ أن التكرار…
كنا نفهم أو نقول أن للتاريخ تاريخان: تاريخ يكتبه الأغنياء والقائمين على السلطة، وتاريخ للفقراء ليس مدوناً سوى بشكلها الشفهي وسرعان ما ينسى خلال فترة وجيزة، لإن الكتابة تخلد وتحفظ في السجلات، أما الشفهي فولادته في موته، والشواهد التاريخية محفوظة على الأرض ولا داعي أن نتكلم عنها فهي تتكلم عن ذاتها، وكأن التاريخ هنا لا يقسّم المجتمع إلى فقراء وأغنياء بل يمتد هذا التقسيم إلى الأفراد ويجعلهم فئتين( مثقفين وعامة) فإن قلنا أن المعنى من وجود الأغنياء هو المعنى من السير نحو الأعلى أي التطور، أو بالأحرى لديه المال والعقل، والأخير هو الأهم، فالمحرك الحقيقي للتاريخ هم أغنياء الفكر أو عندما يتم التواشج بين رأسمال والعقل، فمن هنا نعلم بأن أغنياء العالم الثالث هم يريدون فقط أن يسيطروا على كافة نواحي المجتمع وكفى، وهذا يؤدي إلى نكوص عملية التطور، فسلطتهم وسيطرتهم جزافاً، ولا معنى من وجودهم أصلاً، أما الفقراء فيجهدون لأجل لقمة عيشهم، وكل ما عدا ذلك هراء، فالسلطة هنا تكون بشعة، عندما يوزع الدكتاتور قمعه على سائر البشر، لا يكون هذا تاريخ، إلا بالقدر تأريخ قمعه، وعنجهيته، فهو هنا يلعب دور المخرب الحقيقي لذوق الناس، هذا تاريخ يبغي النظر إليه من جوانب شتى.
عندما نقول أن للتاريخ تاريخان، لا نسيء إلى مؤرخي التاريخ، لأنهم لن يتعمدوا إلى ذلك، كي يؤرخوا لسيرة فلان من الناس، بل العبرة من وجود السلطة التي تكون سلطة القمع في مضمونها وعلى حساب المعنى، أو لنقل أن التاريخ الخفي المشار إليه هو تاريخ العقل الذي هو سلب للسلطة القائمة على القمع وهو قمع نتيجة النقص الهائل في عقليتها، ودون أن يكون لها أجوبة كافية على أسئلة مواطنيها، فهي تلجأ إلى القمع الذي يذهب مباشرة إلى الجسد الذي هو العقل، وكأن رأس السلطة يقمع رأس الجسد(العقل)، وبقمعه للآخرين هو نتيجة طبيعية لخوفه من العقل، والذي يفكر دائماً كيف سيتم محاسبته يوماً ما، وهو مربض كل آلامه.
وبما أن استلام السلطة هو استلام لأجساد البشر، دون أن يحسب أي احتساب للعقل،و المعنى من القمع يجب أن يكون موجه ضد الجهة الخارجية التي حاولت العبث بالمصلحة العامة، وليس موجهاً ضد العقل الكلي لمجتمعه، الذي لم يتسنى له أن يحل المعادلة على طريقته فتلجأ إلى الحرب الذي هو فشل في منطق العقل السياسي، ويفتك بممتلكات الآخرين، وليس لديه أي شعور تشعره بأن الذين ماتوا هم ليسوا من بني جلدته، أو لنقل أن مبدأ هذا الاحتلال هو توجيه الغرائز إلى مستوى العمودي صوب الأهل والمحارم والأصل هو توجيه الغرائز إلى المستوى الأفقي، حتى يكون الشخص المعني سوياً بدون أمراض، لكنه أتى كي يحصد الربح والغاية تبرر الوسيلة، مبدأ مكيافيللي، لا يحيد عنه في أحسن الأحوال، هذا الشكل من التاريخ هو ظاهري في محيطه الخارجي، ويلجأ إلى شعارات طنانة وأنه حامي الحمى، بينما الباطن منه-عدا الحالة الاقتصادية- فأنه يجعل الجهل والتخلف محرك أو وظيفة الاحتياج لجهة خارجية أو قل: أن شئت أن الجهل والتخلف عماد السلطة القائمة، أي حكم عليه بالموت السريري لا شفاء منه في مدى المنظور، إذا كانت الغاية هو الاقتصاد، فأن الأخير ليس كذلك كونه يتنازل عن ذلك عندما يرى سلطته قاب قوسين من الانهيار، وهنا بيت القصيد بين استعمار ذكي مثقف أو قل: أن شئت حضاري! –رغم أن الحضارة تنتفي من قائمته، لو كان ذلك لما جاء محتلاً- واستعمار الجاهل، سمته كسمة جراد عليه أن يحصد الأخضر واليابس.
ولكن كل ذلك لا يشفع بين تاريخ الظاهر وتاريخ الموضوع (المعنى)، ولكن أين توجد المعنى؟ سؤال له من المعنى ما يكفي كي يدلنا أين وجوده؟ في الواقع أم في الذهن( أي في الكلمة كما يقول: كارناب أم في اللغة) الذي يحتل الواقع، وعلى الأخير أن يطيع الأول، وهذا غير جائز لدى الكثيرين من العامة، فما بالك بالفلاسفة وخاصة منهم التيار الذي أوقع الفلسفة في مأزق، واقصد المادية والمثالية، ومثالب هذا التقسيم أنه، وضع علاقات الفلاسفة وجهاً لوجه أمام السلطات الإلهية التي تؤدي وظيفة القمع إذا لم تكن تجري الأمور على مزاجها، وأي مزاج لدى تلك السلطات، بصفتهم أولياء الله في الأرض ورثوا الأرض مباشرة من الله، أو ظله على الأرض، فالحكام يخافون من المعنى وسلطتهم مرتبط مباشرة بالجهل، كلما زاد الجهل زادت سيطرتهم على مواطنيهم، ولم يكن يعتمدوا على سن القوانين التي توضح الفرق بين البريء والمُدان؟. فمثلما تاريخ المعنى هو الأهم، لذلك لجأت إلى وضع السيف ديموقليس على رقاب قراء المعنى.
من هنا، المعنى أمست تهمة ترمى جزافاً، واللاشعور أصبح واضحاً، والكتابة إذا خلت من اللاشعور بدت الكتابة واضحة فلا حاجة بعد ذلك إلى الشرح والتأويل والنقد، وكل ذلك مرتبط تماماً باللاشعور. من هنا كانت خطورة المعنى وخطورة التقسيم المشير إليه آنفاً، وقد لا نرتكب خطأ قاتلاً اذا قلنا أن التاريخ الخفي هو تأريخ لسيرة اللاشعور، لهذا فأن الكتابة التي لا تشير إلى المعنى هل بقيت هي نفسها؟. فالكتابة إذا خلت عن المعنى، والمعنى هو اللاشعور على الرغم أن منطقة اللاشعور هي منطقة مكبوتات فكيف تكون عقلية، ولكن النقد والتأويل والتفسير هما يجعل من اللاشعور عقلياً.
والتاريخ الذي نحن بصدده هو تاريخ المعنى، تاريخ الموضوع، هي التي تشير أما إلى ركود التاريخ أو تطوره؟. الشكل هنا لا يتطابق مع المضمون فكلاهما في النقيض مع الآخر. فكيف سيتم التئامهما ليتواشجا في وحدة رصينة إلى حد ما، علماً أن التاريخ يبلغنا مراراً أن نشوب الحروب كانت بسبب الأديان أو الإيديولوجيات وليس للاقتصاد فيها من مركز كما يروج لها أحياناً. لو كانت كذلك، حضور اتحاد السوفياتي اجبر بعض دول الشرق هنا وهناك عن الخروج عن طاعة الغرب وخسرت معها اقتصادياً، فالإيديولوجيا كسرت شوكة الاقتصاد، واجبرها على التراجع تماماً، هنا تركيا قد ربحت اقتصادياً مع الغرب نتيجة قربها من حدود السوفيات، فالشكل في التخارج مع المضمون، الحروب التي نشبت بين الغرب والتي تأسف عليها بمنطق العلم الحديث، هل كان الاقتصاد هو سببها؟ أم أن الدين أو الثقافة تلعب الدور، علينا أن نشير إلى صدام الحضارات يتساءل صاموئيل هنغتون: لماذا ازدهرت البروتستانتية في المجتمعات الصناعية الحديثة، بينما الكاثوليكية في مجتمعات الدول الأقل نمواً في النظام الرأسمالي؟. بغض النظر عن صحتها فهي تدلنا إلى عدم تكامل التطور في الدول الأوربية بنفس السوية وخاصة ألمانيا، من بين كل الدول، التي اشتهرت بالفلسفة والعلم، بينما الدولة مثل بريطانيا لم تكن الفلسفة بلغت شأوها مثلما حدثت لألمانيا؟ لهذا وفي ظل غياب القانون أصبح الملوك يأخذون قرار الحروب بمزاجية دون أن يكون هناك أي منفعة لشعوبهم؟. فالشكل هنا يحارب، بينما المضمون بقي خاوياً، أنهم يحاربون من اجل مزاج شخص مريض؟ فأين الشكل من المضمون في هذه الحالة يا ترى؟ وفي هذا المنحى يمكن أن نشير إلى نظرية مركزية الفكر الأوربي، وعلى كل الشعوب أن تطيعها نتيجة مركزيتها وفهمها وثقافتها وعلمها. هل من منفعة في هذا لشعوبهم عند غزوهم لشعوب أخرى سوى أن تطيع مركزيتها بدون أي اعتراض؟.
المعنى من التاريخ ليس الاقتصاد هو المحرك للتاريخ في عمقها، بل المزاج الدائم بالكبرياء وحضارة أجدادهم هي التي تسيره في إقامة حروب ضد شعوب غير شعوبهم. أليس الاعتراف بتيموسية هو الموجه الحقيقي لحروب فتاكة تحرق الأخضر واليابس. وما الحروب فيما يسمى التحرر الوطني سوى اعتراف بوجود تلك الشعوب. أوليس العولمة في جانبها الكبير معادية للأفق الوطني والقومي وحتى من السلطات التي تقمع شعوبها وتقبض يدها لتحكم بالحديد والنار، دون أن يكون للاقتصاد يد طولى في هذا الأمر كونها أي العولمة غيرت قراءة التاريخ وحولت إلى تاريخ غير تاريخ الأديان التي كانت سائدة قبل ذلك وليس للأفراد وجود، وأجبرت السياسة أن تكون علماً قائماً على أرضية الاقتصاد، وأعطى مفاتيح الأسواق للعامة أيضاً، وعلمهم خيرات أوطانهم أين تمكن وجودها، وعلى الفرد أن يبيع قوة عمله حيثما يشاء، هكذا يقول لنا علماء الاقتصاد، إن تكون مواطناً فلك كل الحقوق والواجبات.
من حيث أن حقيقة الوعي المباشر بأنه جزئي ولا يخضع للكليات وهذا الكلام يطبق على التاريخ الشكلي وقد نغامر ونقول أن التاريخ عندما يخضع للحقائق الجزئية التي سقطت من حسابات الحاضر فقط انه بناء فحسب، أما التاريخ كمضمون فهو يخضع للكليات وقراءتها تستلزم افتراضاً وبرهاناً كونه كلي والأخير (أشبه ما يكون بالقطرة من ماء البحر، فيها ملوحته وجميع خصائصه)1 كون أن هيغل قد تطرق في حديثه عن الوعي الحسي أو اليقين الحسي الذي يخضع لهذا النوع من المباشرة وحيث أن الموضوع موجود خارج الذات وأمامنا مباشرة بهذه المباشرة تكتب التاريخ وتشيد أعمدته دون وعي أو تفكير سوى بالإحداث التي مرت (…انه في نفس الوقت الذي كان موجود أمامي فيه (الآن) غير أني أجد هنا تظهر أمامي على أنها مضت وان ذلك حقيقتها)2 فالحقيقة التي ننشدها ينبغي ألا تكون حقيقة جزئية تموت بمجاراة الزمن لها، والوعي بهذا الشكل لا يشكل وعياً فلسفياً لأنها لا تناقش المسائل الآنية وأنما الحقائق التي تبقى خالدة عبر الزمن، والتاريخ الشكلي لا يستطيع أن يصمد طويلاً أمام هذه الحقيقة الخالدة، غير أن تاريخ المضمون يصمد أمام هذا الامتحان الصعب كونه يضع النقاط على الحروف ويعطي كل ذي حق حقه في الخلود بكلا وجهيها: إن كان طاغياً أو من كان يبغي الحياة الجميلة لشعبه، والتاريخ الشكلي يحكي عن هذا التقسيم. ولكن كان أوّلى بشعب من الشعوب أن يرفض هذا الشكل لأنه يشكل إجحافا بحقه في نهاية المطاف مثل نيرون؟ وآخرون الذين كان همهم الوحيد هو اعتلاء السلطة السياسية دون اخذ بعين الاعتبار حياة رعيهم لا نقول مواطنيهم، التاريخ الشكلي يرفض المواطنة ويرفض أي إشكال الاعتناء بالإنسان. علماً ان النسب والاصالة تلعبان دوراً مميزاً بين التاريخ الشكلي والمعنى، فمن كان نسبهم نبيلاً وثقافتهم حرة وأصيلة، سيصمد طويلاً فالأصيل كان ينبغي عليه أن يجهد في سبيل أصالته، هنا العملية تصبح عكسية، فالأصيل يخسر مواقعه كي يدنو الأخر من أصالته، فهو بكل الأحوال ليس لديه ما يخسره؟!. طالما هو يعاني من نقص هائل في أصالته، و(يحقد) كل ما هو من شأنه أن يكون أكبر منه، لذلك يلجأ إلى كافة صنوف الألعاب كي يعزز ذاته في موقع أكثر إيلاماً من الآخرين فهو يعاني من جرائم العقاب الذاتي بالنسبة إلى الآخرين.
فالتاريخ الذي لجأنا إليه، هو فرز ما هو الجميل عن القبيح، الجمال كعملية تواشج الموضوع مع الذات في وحدة عقلية، ربما كان القبيح غير ذلك، لا يمت إلى عملية عقلية كونه لا يحتاج إلى هذا العناء الكبير، وبالتالي هما عمليتين عقليتين وكلاهما مصطلحات لعلم الجمال، ولكن الشكل الذي يميز القبيح ليس مجهداً، وإنما هو يصرخ في وجهنا كي ندركه، وهو اختصاص أناس حزموا أمرهم بإتجاه الشكل فقط، رغم أن بعض مواضيع الجمالية، يتضمن أعمال مشينة أو مخلة بالواقع ولكنها لا تخلو من جمالية في تصميمها. أو حتى في حالة الشعر.
إن التاريخ هو عملية التواصل بين المجتمعات أو بين الشعوب، ومعرفة عاداتهم وتقاليدهم وهذا ما يساعدنا على فهمهم، هذا في الشكل، أما في المضمون فهو يبدي اهتماماً بالفكر ونشاطه. وتأسيساً على ذلك، على الأغبياء أن يتنحوا جانباً كي يستقيم التاريخ المعنى ويزدهر، ولكن الأمر ليس بهذه السهولة، لكن عليهم أن يفعلوا ذلك ليس برغبتهم وإنما عنوة من الذين يريدون أن يمارسوا المعنى من تاريخ شعوبهم، فليس في التاريخ الرغبة أو العاطفة، إنما العقل هو الذي يدير دفة الواقع ويزجيه نحو الخلاص، كي يرسو هو على التاريخ وله كل المعنى من وجوده، عندئذ العبرة تكمن في قراءة التاريخ، وسيصبح قراءة العقل في التاريخ.
أن نشاط الشعوب كي تكون هادفة، ورصينة في تحديد الهدف المرسوم هو عملية اقتصادية، إنما العملية لا تتم بناء على رغبة في امتلاك أحياناً، فعلى العقلاء أن ينشطوا كي يتداركوا لعنة تاريخ المعنى، وهو الأهم في العملية كلها.
________________________________________
[1] -جيل دولوز- نيتشه والفلسفة ترجمة: أسامة الحاج، مؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ط1 ص8
1 –هيجل مكتبة مدبولي المجلد الأول تأليف أ.د. إمام عبد الفتاح إمام 1996 ص 125
2 –نفس مصدر السابق ص 128