وليد حاج عبد القادر / دبي
في متواليات الأحداث التي لاتزال تعصف بسوريا وعلى الرغم من كل محاولات تبريد نيرانها التي – لربما – تم ضبط توهجها أو ما يمكن القول بأنها أصبحت تحت السيطرة وباتت شدتها تخبو في الظاهر وسط شدة احتراق كامن وعنيف في محاولة حرق من جهة وخرق أي للمسلمات الكلاسيكية في إطار إن إدارة هكذا أزمات وبالتالي اختزالها بخطوات ممهدة قد تودي بالفعل إلى نوع من الانفراج ولكن المشهد يبدو أكثر من واضح في أنها لم تستطع حتى ولو كنوع من الخداع البصري ان تزيح أي من المجريات، ومن جديد بمتوالياتها في إعادتها إلى جذورها كانعكاس حقيقي لتلك الحبكة القوية والمحكمة التي تاسست عليها حيث تموضعت في غرفة – ايضا – سرية أشبه بقمقم كان بماردين كانا بشخصي بوتين واوباما وعرابيهما لافروف / كيري ، هذه الحبكة التي وسمت ككتلة صلاة عنوانها الأبرز بقيت وتسمت باتفاق لافروف وكيري والمصاغة – ثانية – أقبية دولتيهما الغميقتين،
ولتستمر حتى بعد رحيل طاقم أوباما وقدوم ترامب بشعبويته وليبقى وزيرا خارجيتيه مجرد سدنة أوفياء يحافظون عليها ويسعون الى تطبيقها بحرفيتها ووفق الأدوار المرسومة ، حيث تلعب روسيا دور – القباحة – باستخدام العنف العسكري الشديد وأمريكا بحنكتها واقنعتها المتعددة تمارس السياسة الناعمة المنضبطة خوفا من مؤسساتها الداخلية وملاحقات منظماتها المدنية لها، والآن !! و بعد سلسلة الانكشافات الدالة على حقائقية ما أثير قبلا في مسألة الإستدراج الممنهج لدول لاتزال ركيزة في الانغماس شبه الكلي بالشأن السوري وملامح الانتقال من حصريتها والبدء في تدرجها زحفا صوب آفاق أخرى وما يرافقها ايضا من تجل لبعض اوراق المساومات الجغرافية التي تشي من دون أية شكوك بأنها ليست سوى عودة حميدة إلى اساس المسألة التي يراد لها البقاء لحقب أخرى في شرنقة الدوامة تنتج ذاتها ومن على ركيزتها المتموضعة منذ أكثر من مائتي سنة، هذه الإشكالية التي تجذرت إلى مسألة أتخذت عنوانها الصريح وتسمت تحت يافطة عنوان بارز و …. تلخصت في مسمى – الأزمة الشرقية – التي غطت بأبعادها الجيوسياسية شبه جزيرة القرم وبحرها الأسود وتغطي مضيق هرقل – باب المندب – وتشمل شرقا حتى مناطق واسعة في الهند الصينية والشرق الأقصى حيث تراكمات الشعوب والأمم التي قطعت وأوصلت بغير جغرافياتها الحقيقية وأصبحت في كل جغرافية تأشكلت منها بحد ذاتها قنبلة موقوتة قاب قوسين او أدنى من التشظي. هذه الحالة المنكشفة بجلاء كانت ولم تزل في رؤية الجميع وتحديدا عند استراتيجيي الدولتين الروسية والأمريكية والتي – لو – بدأ التشظي في أية بقعة منها ستكون لها ارتجاجاتها العنيفة في عمق الدولتين ذاته ما ايضا، ومن هنا جاءت سياسة احتوائها ( الإستدراج الممنهج ) كخطوة مبرمجة في الحفاظ على نطاقيات الخرائط المتموضعة و البدء على هدي هنري كيسنجر في سياسة المتغيرات ولكن خطوة بخطوة والتي تظهر ملامحها ومن جديد وفقا لانكشافاتها، وما يلاحظ الآن من خطوات تهدف الى السعي لوضع لبنات ساعية الى تهدئة الأمور في بعض من البقاع مثل سوريا والعراق واليمن تظهر معها بجلاء خطوات الانتقال إلى نقاط أخرى كإستدراج ممنهج مرسوم، وهنا وكما نتلمسها في الواقع فأن ايران هي في الواجهة وعي بمآلاتها وكتوكيد عملي لسياسة الاحتواء المزدوج لا بمنطق التغيير والتجزيء بقدر ماهو التمسك وبصرامة بالجغرافية الموسومة سابقا كما أسلفنا، هذا التدرج في تحريك بيئات جديدة والتي ستقاد لتغطي مساحات واسعة تتجه شرقا لتعبر جمهوريات روسيا المستقلة وأفغانستان وباكستان ولن تنجو منها الهند والصين مرورا باندونيسيا وحتى الفلبين، هذه الدول المتخمة أيضا بشعوب واعراق وطوائف وأديان متصارعة ومتناحرة، ووسط هذا الخليط غير المتجانس والذي سيطفح على السطح بقوة اكثر في القادمات من الأيام بالرغم من سعي روسيا وامريكا لضبطها والتحكم فيها من خلال ايجاد بيئات موازية تمتص تلك التناقضات وتهذبها في نطاقياتها الجغرافية دون المساس بها ومن ثم تستدرجها الى تلك البؤر كما حالة ايران وتغلغلها في عدة دول وكذلك تركيا وكل ذلك في اطار تحفيزي حقيقي للعودة الى جذر المسألة الشرقية وهذا ما تلمسته ايران وتركيا وإقرارهما لمرات عدة بأنهما استدرجتا الى الأزمة السورية، وعليه فأن ملامح الإنتقال الى الخطوة التالية وتحديدا في الجانب الإيراني أخذت تتوضح منذ فترة ليست بالقريبة، وبناءا على ذلك يلاحظ السعي الحثيث والمكثف في ايجاد حل – ما – للأزمة السورية من خلال مخرج دستوري حدد سقف تشكيل لجنة صياغته قبل نهاية هذه السنة، والتي تتقاطع بشكل او بآخر مع قتراب موعد الانتخابات الأوكرانية اواسط العام القادم والتي توحي ايضا وبوضوح تام انها اشبه ما تكون كمؤشر قوي لمقايضة ما ستتم ووفق سياقات الأزمة الشرقية تاريخيا والتي بدورها ابتدأت حينها إن في موضوعة شبه جزيرة القرم والمصالح الروسية الإستراتيجية في اوكرانيا كحديقة لا خلفية بل رئيسة لها وسيقابلها بعد وصول الحرب ضد داعش إلى مراحلها الأخيرة لا بل وبالترافق معها في التصدي لتدخلات إيران وتغلغلها في مناطق واسعة من العالم، هذا التصدي الذي سيأخذ طابع الحرب الاقتصادية وإن كانت المؤشرات تدل على ان الأمر لن يخلو من صدامات مباشرة وغير مباشرة، وكرة النار الآن بدأت تتدحرج وبخطى سريعة صوب العمق الإيراني بعد العقوبات الاقتصادية، وبات النظام الإيراني أمام أمرين كل منها يضعها في مواجهة شارعها وسط الضغوطات العديدة التي ستجبرها للتقهقر الى داخلها كقنفذ وصل الى مرحلة حتى أشواكه لا تستطيع حمايته .