شاهين أحمد
قضية الهجوم والتهجم على حركتنا التحررية الكوردية في كوردستان سوريا ورموزها قديمة قدم الحركة نفسها ، رافقت مسيرتها منذ تأسيس أول تنظيم سياسي في 14 حزيران 1957 وحتى يومنا هذا ، إلا أن الملفت أن هذه الهجمة إزدادت وتيرتها مع انطلاقة الثورة السورية في 15 / 3 / 2011 وأخذت أشكالاً متعددة وبأساليب مختلفة.والسبب الكامن وراء إزدياد التهجم على الحركة التحررية الوطنية الكوردية بعد إنطلاقة الثورة هومشاركتها – الحركة الكوردية – في الثورة السورية بفعالية من خلال الحراك الشبابي السلمي أولاً ، وانضمامها إلى أطر المعارضة الوطنية التي رفعت شعار إسقاط النظام ثانياً. وهذه المشاركة التي أدخلت الرعب إلى قلب النظام وأدت إلى خلط في أوراقه وخلل في الإسطوانة التي كان يعرضها أمام المجتمع الدولي كـ ” حامي ” للمكونات السورية الأقل عدداً ،وهذه المشاركة – مشاركة الحركة التحررية الكوردية في الثورة – كانت سبباً في تسليم مناطق مهمة من كوردستان سوريا إلى حزب العمال الكوردستاني pkk حليفه ( القديم – الجديد ) وتكليف فرعه السوري المتمثل بحزب pyd وحلفائه بمهمة قمع الحركة التحررية الكوردية والقضاء على الحراك الثوري في كوردستان سوريا .
ومانراه في مجتمعنا اليوم هي حالة من الفوضى ناتجة عن التفكك في العلاقات الاجتماعية ، وغياب الضوابط الضرورية ، ونوع من الانحلال الأسري ، وغير ذلك من الأمراض الاجتماعية التي أدت تراكمها إلى وقوع خلل في النظام العام ، والأخطر أنها بدأت تفتك اليوم بالقيم الإجتماعية التي كنا نفتخر بها.وغالباً مايحصل هذا الخلل نتيجة الأزمات السياسية في البلدان التي تفتقر للإستقرار ، وتعاني من الدكتاتورية والاستبداد وغياب الديمقراطية ( مثل سوريا ) . وعلينا أن نعترف بأن الأزمة التي نعاني منها اليوم تتسم بالكثيرمن التعقيد والتشابك في عناصرها وأسبابها وبالتالي نتائجها ،مما يستوجب أن نحلل عقدها ونحدد عناصرها ونقف على أسبابها كي نستدرك نتائجها ونكتشف طرق معالجتها . ومن المفارقات المحزنة في هذا الموضوع أن ” تلتقي ” مواقف بعض الاخوة ممن كانوا حتى الأمس القريب جزءاً من هذه الحركة – الحركة التحررية الكوردية – وقيادتها ، مع مواقف أبواق النظام وأزلامه في التهجم على الحركة السياسية الكوردية ومحاولة تشويه تاريخها والتشكيك في مبررات وجودها ونضالاتها.وبات الأمر يشكل خطراً جدياً وتحدياً حقيقياً لجهة استقطاب المزيد من الاهتمام من قبل بعض البسطاء ، والمغرر بهم ، مايعني إثارة المزيد من القلاقل . وهذه اللوحة المشوهة لايتطلب بذل جهود كبيرة في مجابهتها فحسب ، بل هذا التحدي يضعنا جميعاً أمام مسؤوليات جسيمة ، تتطلب اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة ، للدفاع عن حركتنا التحررية والمحافظة على مصالح شعبنا.ومن الأهمية هنا الإشارة إلى أن الخطابات والشعارات الارتجالية ، لايمكن لها أن تقدم وصفات ناجعة لصراع وجودي وخطرمحدق من منظومات فوضوية بلا ضوابط ولا محرّمات ، تتربّص بالوجود وتراهن على هدم الحركة ومؤسساتها.علينا و” بالتعاون ” مع المخلصين من النخب الفكرية والثقافية أن نبتكر طرق وأساليب علمية في معالجة هذه المعضلة التي تتعقد يوماً بعد آخر.وهنا لابد من الإنصاف في تشخيص مايجري حيث نلاحظ بكل وضوح الفرق بين شريحة من المناضلين والشرفاء الذين يقدمون كل الدعم وفي مختلف المجالات ويضعون خبراتهم تحت تصرف الحركة ويقدمون النصح في المنعطفات ، وبين الذين يخططون في هدم كل ماهو قائم ، وهمهم الأول والأخير هو “إما أنا أو الطوفان” ، محاولين إضاعة أية فرصة قد تتاح أمام شعبنا ،متأملين ضعف ذاكرة شعبنا وغياب ثقافة التوثيق والتقييم والاعتبار والمحاسبة.ولعل من أكبر حسنات ثورات الربيع في المنطقة ،أنها أسقطت الأقنعة وأزالت الأوهام ، وأثبتت أن مانسمعه من خطب رنانة وكلمات معسولة هي محاولة من المهووسين بالكراسي الوهمية وليست بغرض التغيير إيجاباً أوالتطوير والإصلاح . ولكن مايهمنا هنا هو كيفية التصدي للمتربصين وتأطير جهود الخيرين لمعاجة الثغرات وفلترة صفوف الحركة من الشوائب والعوالق للوصول إلى حالة أكثر صحية وجسد أكثرنقاءً وقدرة على التصدي لمهام المرحلة ، وهنا نود الإشارة إلى بعض الامور التي نراها ضرورية في هذه المرحلة :
1 علينا الإنطلاق بالنفس، فمن يريد أن يساهم في نهوض الحركة التحررية الكوردية عليه أن يبدأ بإصلاح نفسه أولاً والارتقاء بها وتنقيتها من الشوائب والتشوهات التي خلفتها حقبة الاستبداد.
2 السلوك الصحيح ، مطلوب ممن يدعي بأنه من دعاة تصحيح مسار الحركة ، أن يفكّر ويتصرف كشريك في الحركة وليس كخصم أو ضيف أو متفرج . عندها فقط يستطيع أن يطوي الصفحة السلبية ويخرج من حقول الخصومية .
3 بناء وإصلاح المحيط الأسري في مجتمعنا ، نعلم ان الفرد والأسرة كلاهما نتاج للآخر، وبالتالي المطلوب هوإعداد الأفراد إعداداً صحيحاً، كي نتمكن من بناء أسر سليمة وصالحة تشكل ركائز فاعلة في بناء مجتمع صحي وسليم ومنتج.
4 الانخراط في الحركة ، والتحول والانتقال من الخندق السلبي إلى الإيجابي ، والعمل بكل همة ، وبذل كل جهد ممكن يعود بالنفع على القضية ، والمساهمة في بناء وتحديث وتطوير مؤسساتها المختلفة الإعلامية والحقوقية والرقابية والفكرية والثقافية والسياسية والإقتصادية ……الخ.
5 العمل والنضال المستمر، والاهتمام والمشاركة الفاعلة في الحياة الحزبية والسياسية ، وعدم الإكتفاء بمتابعة الأخبارالسلبية المثبطة للهمم ، والعمل على تحديث و” تشبيب الأحزاب ” من خلال ضخ الدماء الجديدة وإدخال جيل الشباب إلى مؤسسات الحركة وتوعية الأجيال الجديدة وتثقيفها بالثقافة القومية .وضرورة اختيارمن هم ” فوق الشبهات ” في الالتزام بالثوابت القومية لقيادة العمل القومي والوطني، ومحاربة التعصب الحزبي والانتهازية والنفاق والتملّق .
يجمع الكثير من المخلصين بأن أهم عامل من عوامل الوهن والترهل التي تعاني منها الحركة التحررية الكوردية ، هو التناحر الدائم ، والازدواجية في الممارسة بين النخب الموجودة التي بقيت في حالة نزاع دائم ، وكذلك عجزها عن ابتكار الحلول التي يجب أن تحظى بالإجماع لمشكلاتها المتراكمة والمتأزمة. ومن الأمراض المستشرية في واقعنا الكوردي وفي عقول البعض من نخبنا الفكرية والثقافية أنه – البعض المذكور – يبني في مخيلته وبطريقته الخاصة منظومتة المثالية ! ، ويتوقع أن يتبعه الجميع ، وعندما لايرى هذا التجاوب يصاب بنوع من الصدمة تدفع به إلى مزيد من المعاناة والآلام والتصدعات وارتكاب الأخطاء وصولاً إلى الخصومة الكاملة مع كل ماهو قائم !، وينتهي الأمر بالبعض الآخرإلى الإنزلاق إلى حقول اليأس والضبابية نتيجة الثقة الزائدة بالنفس والغرور القاتل والإنحدار نحو مزيد من التشدد والتعصب للرأي والابتعاد عن الآخر، وينسى بأن مايعانيه هو بالذات من أخطرأنواع الاستبداد.النقد ” ضرورة ” ولكنه يحتاج إلى الشجاعة والموضوعية ، وعلى الناقد أن يمتلك القدر الكافي من الشجاعة وينطلق من نفسه أولاً ، وأن يبتعد عن التجني . بتقديري أن نخبنا بشكل عام سواءً المنخرطين منهم في التنظيمات السياسية المختلفة لحركتنا التحررية ، أو المستقلين تنظيمياً ، يفتقرون في غالبيتهم إلى الشجاعة المطلوبة في هذا الجانب ( نقد الذات ) .
وكذلك فإن الناقد في واقعنا غالباً ما يفتقر للموضوعية لابل أحياناً يغرد خارج حقولها تماماً ، ولايتمتع باللياقة والقدرة على فهم الآخر ، وقراءة مشروعه قراءةً موضوعية صحيحة ، وكذلك عدم القدرة على فهم خصوصية الأمور والأفكار ، والقفز فوق الاحتمالات التي يمكن أن يقصدها صاحب هذا الرأي أو ذاك الموقف ، وعدم القدرة على توجيه النقد بطريقة إيجابية كي يدرك المقاصد التي أرادها ، والتحلي بالموضوعية في دراسة القضية أوالموقف من مختلف جوانبها الإيجابية والسلبية والإمكاناتية ، مع مراعاة الظروف المكانية والزمانية ، وأن يتجرد ولونسبياً من الأحكام والمواقف المسبقة التي قد تؤثر في القيام بدور الناقد، وأن يمتلك القدرة على إنصاف الآخر المختلف ، وعليه أن يتحمل المسؤولية المترتبة على مايقوم به، والنتائج المتوقعة ،والناقد الموضوعي لايعمل وفق قاعدة ” قلبه معنا وسيفه علينا “، وهذه نقطة في غاية الأهمية كي لايوقع نفسه في مستنقع الازدواجية المقيتة.والناقد الموضوعي الإيجابي ، والمشروع القومي الكوردي ، عاملان متلازمان ومتكاملان . وهنا يجب التمييز بدقة بين النقد بطريقة علمية وموضوعية كعامل هام وضروري من أجل التصحيح والتقويم والبناء ، وبين التهجم لغاية التشويه والتدمير . وهنا كي لايقع القارىء الكريم في لغط أوالتباس نريد التوضيح بأن النقد الموضوعي بغرض البناء ” مرحب به دائماً ” وفق اصوله وضوابطه مع مراعاة زمانه ومكانه .
وفي الختام نقول صحيح أن النظام الاستبدادي العنصري ، لم يبق لأبناء شعبنا ونخبه الحافزوالفرصة للانخراط في الحركة التحررية الكوردية بالشكل المطلوب ، وأضعف لديهم الحس الوطني ، وحاول التشكيك بخصوصيتهم القومية ، ولكن النهوض يقتضي التخلص من تلك السلبيات وتحفيز أبناء شعبنا لتجاوز هذه العراقيل والإنخراط بقوة وإيمان في صفوف حركته الوطنية التحررية وهي مسؤولية الجميع دون استثناء.