فوزي الاتروشي
قرأتُ لكِ مقالين فيهما من العفوية و الصدق و نقاء النيَّة الشيء الكثير، في الاول دعوة لعدم تدنيس تراب حلبـﭽـه الطاهرة بعلي حسين المجيد، فحتى وهو جثة هامدة سيعيدنا الى المربَّع الأول لجهة التهاب الذكريات و المرارة و صحوة الجرح الذي مضى عليه زمان و ان كان اندماله مستحيلاً.
وفي المقل الثاني يعود بك الزمن الى لحظات اعدام والدكِ الشهيد في تلك الايام الصعبة التي فيها احرقت الحرب العنصرية البغيضة الزرع و الضرع و دمَّرت البشر و الحجر و هتكت الارض و العرض.
و لجرحكِ بفقد الوالد و لجراح كل ضحايا الارهاب البعثي المنقطع النظير، لا يسعني الا ان اردد بيتين شعريين للجواهري في رثاء اخيه حين يقول:
وفي المقل الثاني يعود بك الزمن الى لحظات اعدام والدكِ الشهيد في تلك الايام الصعبة التي فيها احرقت الحرب العنصرية البغيضة الزرع و الضرع و دمَّرت البشر و الحجر و هتكت الارض و العرض.
و لجرحكِ بفقد الوالد و لجراح كل ضحايا الارهاب البعثي المنقطع النظير، لا يسعني الا ان اردد بيتين شعريين للجواهري في رثاء اخيه حين يقول:
أتعلمُ جعفر ام انت لا تعلمُ
بان جراحات الضحايا فمُ
فمٌ ليس كالمدَّعي قولةً
و ليس كغيره يسترحمُ
هكذا صوّر الجواهري الانتصار في قمة الهزيمة و حوَّل الرثاء الى قصيدة مقاومة، و جعل فتحة الجرح فماً غاضباً يفور بالاحتجاج على الظلم، انها اللظة التي يتحدى الضحية فيها جلاده.
هكذا هي بالضبط التفاصيل الدقيقة التي تروينها عن والدكِ و رفاقه انتظاراً للموت في سبيل وطنٍ معذَّب و قضية عادلة كان انتصارها الحتمي متوقعاُ في ربيع عام 1991.
انني بهذه المناسبة احرِّض كل الشابات و الشباب الذين فقدوا احباءهم لكتابة عن الثنايا و الخفايا و الدموع و الآلام التي تنهمر في لحظات الوداع الأخير فالألم و المعاناة ينبغي ان توثَّق وان لا تضيع، فلكي لا ننسى لابد ان نطرح على اديم الورق مافي مخزون الذاكرة.
و اتذكر انني كنت ذلك الطفل الصغير في (اتروش) و بعد ان استشهد والدي عام 1961، كانت والدتي تأخذني الى كهف في جبل مشرف على القرية خوفاً من القصف، و ظلت هذه اللحظة ماثلة في الخيال و حية في الذاكرة، و كنت مصمِّماً على تسجيلها كي لا يعلوها غبار النسيان و كان ان اثمرت قصيدة بعنوان (اتروش) تضمَّنها ديواني الشعري (الاول قصائد للحب و الوطن) و فيه وصف دقيق لقصف اتروش و قيام والدتي كل مرة بتهريبي الى الكهف الآمن، وهي القصيدة التي شاركت بها في مهرجان ايام الثقافة العراقية في المنفى المنعقد في (برلين) اوائل تسعينيات القرن الماضي و من بين ما اقول فيها:
بيتاً بيتاً..سقفاً سقفاً
حجراً حجراً تتساقط قريتنا اتروش
رقصات صبايا القرية يغمرها مأتم
و تخبِّؤني امي في كهف مهجور معتم
رجل مرفوع القامةِ يسقط..يسقط
يصرخ كل الناس..للجرحى لانعطي ماءً
و جراح صحايانا لا نطعمها الا
بالملح كي لا تهدأ او تصمت او تندم
خلّوه ظمآناً..خلُّوه ظمآناً..
هذا الجسد المقتول سيصبح يوماً بستاناً
هكذا تنظر للجراح التي تهيأ للامل و تقتل الحزن و تفتح بوابة النصر.
اننا جيل يتحتَّم عليه ان لايغادر سنَّ القلم و ان يكتب كثيراً و يدوِّن كثيراً لان كل صخرة في كوردستان تنام على عظام شهيد، وكل شجرة قطعت او نبع ماء ردم او غابة اقتلعت مثل غابات اتروش صديقة طفولتي، و كل قرية دمِّرت فيها من الحكايات و القصص و الحوداث التي تعزُّ علينا و يحزُّ في النفس ان تندثر.
لقد أراد حزب البعث و معه رؤساء ماسمِّي بـ (افواج الدفاع الوطني) الاكراد بالهوية و المجرمين بالعمل و الخُلُق، طمس كل أثر للحياة و النبات في كوردستاننا الجميلة، و كاد جيش جراد حزب البعث و رؤساء المرتزقة الخونة الاكراد يقضي على الحقول و البيادر، لكن قوة “الپيشمـﮦرگه” الذين ينتمون بحق الى رافد الثورة العالمية ضد القمع و الظلم، و كذلك الجبهة الكوردستانية حينها هي التي هيأت المناخ بالتزامن مع الحملة العالمية للتضامن مع الكورد لتبرعم و تتفتَّح زهرة الربيع الحمراء التي جعلت النظام يهرب و ينسحب تاركاً خلفه ركام الذكريات الأليمة.
وحين اقول ان الكتابة عن الآلام و التفاصيل الدقيقة ليوميات الثورة الكوردية يجب ان تظلَّ نزيفاً دائماً على الورق، فعلّة ذلك ان الثورة الكوردية هي افقر الثورات في العالم لجهة تسجيل و رواية يومياتها و تفاصيل احداثها و آلام مقاتليها، فالسرد و فن الحكاية و الرواية و الكتابة التسجيلية الكوردية مازالت ضئيلة للغاية حول واحدة من اطول الثورات العالمية.
و بهذه المناسبة ادعو القراء لقراءة رواية “الهيئة” للكاتب سلام عبدالله التي صدرت بالكوردية، و قبل مغادرتي كوردستان منذ شهور قمت بتنقيح ترجتمها العربية و ربما تكون الآن خرجت الى النور.
في الرواية سرد تفصيلي جميل لقصة واقعية و كاتب الرواية احد ابطالها و هي تدور في سجن الهئية التحقيقية البغيض في كركوك حيث يوثِّق الزميل سلام عبدالله لقصة بطولة رائعة لمجموعة من الثوار الكورد وقعوا بايدي النظام، ومن خلال الحوار بين السجناء و السجانين يبرز لنا اية درجة من الانحطاط و الحقد بلغها النظام البعثي في التعامل مع الانسان الكوردي.
واجمل مافي الرواية الواقعية التسجيلية هذه انها تنتهي بانتصار كوردي في ذلك السجن المنيع و المحصَّن، فاذ يقضي البعض نحبه، الا ان (12) ناشطاً كوردياُ ومنهم كاتب الرواية يستطيعون الهروب باعجوبة من السجن و يلتحق بعضهم مجدداً بالثورة الكوردية.
ولا ننسى ان يوميات الثورة الكوردية و هي اكثر من مجرد التحليل السياسي و العسكري، انها كتبت على الاكثر من قبل كتاب اجانب هم اصدقاء الشعب الكوردي.
فاول من كتب عن تفاصيل جمهورية مهاباد (هو وليم ايغلتن الابن)، و اول من كتب عن يوميات ثورة ايلول التحررية هو (دانا ادميز شميدت) في كتابة (رحلة بين الرجال الشجعان).
اما كارل ماي فقد كتب (كوردستان المتوحَّشة) دون ان يزورها و لكن هذا الكاتب الالماني الشهير وصفها كم لو كان زائرها الدائم.
و لا انسى ان اقول انني اتطلعت على التفاصيل الدقيقة لمعركة هندرين الشهيرة بكل ساعاتها و اجوائها و تفاصيلها في كتاب لمؤلف فرنسي بعنوان (كوردستان او الموت).
بان جراحات الضحايا فمُ
فمٌ ليس كالمدَّعي قولةً
و ليس كغيره يسترحمُ
هكذا صوّر الجواهري الانتصار في قمة الهزيمة و حوَّل الرثاء الى قصيدة مقاومة، و جعل فتحة الجرح فماً غاضباً يفور بالاحتجاج على الظلم، انها اللظة التي يتحدى الضحية فيها جلاده.
هكذا هي بالضبط التفاصيل الدقيقة التي تروينها عن والدكِ و رفاقه انتظاراً للموت في سبيل وطنٍ معذَّب و قضية عادلة كان انتصارها الحتمي متوقعاُ في ربيع عام 1991.
انني بهذه المناسبة احرِّض كل الشابات و الشباب الذين فقدوا احباءهم لكتابة عن الثنايا و الخفايا و الدموع و الآلام التي تنهمر في لحظات الوداع الأخير فالألم و المعاناة ينبغي ان توثَّق وان لا تضيع، فلكي لا ننسى لابد ان نطرح على اديم الورق مافي مخزون الذاكرة.
و اتذكر انني كنت ذلك الطفل الصغير في (اتروش) و بعد ان استشهد والدي عام 1961، كانت والدتي تأخذني الى كهف في جبل مشرف على القرية خوفاً من القصف، و ظلت هذه اللحظة ماثلة في الخيال و حية في الذاكرة، و كنت مصمِّماً على تسجيلها كي لا يعلوها غبار النسيان و كان ان اثمرت قصيدة بعنوان (اتروش) تضمَّنها ديواني الشعري (الاول قصائد للحب و الوطن) و فيه وصف دقيق لقصف اتروش و قيام والدتي كل مرة بتهريبي الى الكهف الآمن، وهي القصيدة التي شاركت بها في مهرجان ايام الثقافة العراقية في المنفى المنعقد في (برلين) اوائل تسعينيات القرن الماضي و من بين ما اقول فيها:
بيتاً بيتاً..سقفاً سقفاً
حجراً حجراً تتساقط قريتنا اتروش
رقصات صبايا القرية يغمرها مأتم
و تخبِّؤني امي في كهف مهجور معتم
رجل مرفوع القامةِ يسقط..يسقط
يصرخ كل الناس..للجرحى لانعطي ماءً
و جراح صحايانا لا نطعمها الا
بالملح كي لا تهدأ او تصمت او تندم
خلّوه ظمآناً..خلُّوه ظمآناً..
هذا الجسد المقتول سيصبح يوماً بستاناً
هكذا تنظر للجراح التي تهيأ للامل و تقتل الحزن و تفتح بوابة النصر.
اننا جيل يتحتَّم عليه ان لايغادر سنَّ القلم و ان يكتب كثيراً و يدوِّن كثيراً لان كل صخرة في كوردستان تنام على عظام شهيد، وكل شجرة قطعت او نبع ماء ردم او غابة اقتلعت مثل غابات اتروش صديقة طفولتي، و كل قرية دمِّرت فيها من الحكايات و القصص و الحوداث التي تعزُّ علينا و يحزُّ في النفس ان تندثر.
لقد أراد حزب البعث و معه رؤساء ماسمِّي بـ (افواج الدفاع الوطني) الاكراد بالهوية و المجرمين بالعمل و الخُلُق، طمس كل أثر للحياة و النبات في كوردستاننا الجميلة، و كاد جيش جراد حزب البعث و رؤساء المرتزقة الخونة الاكراد يقضي على الحقول و البيادر، لكن قوة “الپيشمـﮦرگه” الذين ينتمون بحق الى رافد الثورة العالمية ضد القمع و الظلم، و كذلك الجبهة الكوردستانية حينها هي التي هيأت المناخ بالتزامن مع الحملة العالمية للتضامن مع الكورد لتبرعم و تتفتَّح زهرة الربيع الحمراء التي جعلت النظام يهرب و ينسحب تاركاً خلفه ركام الذكريات الأليمة.
وحين اقول ان الكتابة عن الآلام و التفاصيل الدقيقة ليوميات الثورة الكوردية يجب ان تظلَّ نزيفاً دائماً على الورق، فعلّة ذلك ان الثورة الكوردية هي افقر الثورات في العالم لجهة تسجيل و رواية يومياتها و تفاصيل احداثها و آلام مقاتليها، فالسرد و فن الحكاية و الرواية و الكتابة التسجيلية الكوردية مازالت ضئيلة للغاية حول واحدة من اطول الثورات العالمية.
و بهذه المناسبة ادعو القراء لقراءة رواية “الهيئة” للكاتب سلام عبدالله التي صدرت بالكوردية، و قبل مغادرتي كوردستان منذ شهور قمت بتنقيح ترجتمها العربية و ربما تكون الآن خرجت الى النور.
في الرواية سرد تفصيلي جميل لقصة واقعية و كاتب الرواية احد ابطالها و هي تدور في سجن الهئية التحقيقية البغيض في كركوك حيث يوثِّق الزميل سلام عبدالله لقصة بطولة رائعة لمجموعة من الثوار الكورد وقعوا بايدي النظام، ومن خلال الحوار بين السجناء و السجانين يبرز لنا اية درجة من الانحطاط و الحقد بلغها النظام البعثي في التعامل مع الانسان الكوردي.
واجمل مافي الرواية الواقعية التسجيلية هذه انها تنتهي بانتصار كوردي في ذلك السجن المنيع و المحصَّن، فاذ يقضي البعض نحبه، الا ان (12) ناشطاً كوردياُ ومنهم كاتب الرواية يستطيعون الهروب باعجوبة من السجن و يلتحق بعضهم مجدداً بالثورة الكوردية.
ولا ننسى ان يوميات الثورة الكوردية و هي اكثر من مجرد التحليل السياسي و العسكري، انها كتبت على الاكثر من قبل كتاب اجانب هم اصدقاء الشعب الكوردي.
فاول من كتب عن تفاصيل جمهورية مهاباد (هو وليم ايغلتن الابن)، و اول من كتب عن يوميات ثورة ايلول التحررية هو (دانا ادميز شميدت) في كتابة (رحلة بين الرجال الشجعان).
اما كارل ماي فقد كتب (كوردستان المتوحَّشة) دون ان يزورها و لكن هذا الكاتب الالماني الشهير وصفها كم لو كان زائرها الدائم.
و لا انسى ان اقول انني اتطلعت على التفاصيل الدقيقة لمعركة هندرين الشهيرة بكل ساعاتها و اجوائها و تفاصيلها في كتاب لمؤلف فرنسي بعنوان (كوردستان او الموت).
انني ادعو الى كتب ذكريات تسجيلية لايام الثوة الكوردية لان في ذلك أمانة للتاريخ و تنوير للجيل الحالي و استشراف للمستقبل.
بالتأكيد ثمة نهضة في الكتابة الآن من قبل اقلام كوردية و لكنها على الاغلب كتابات سياسية هامة و توثيق تاريخي جيد، و لكننا ننشد ماهو ابعد.
و نعني السرد و الحكاية و توثيق اللحظات كي لا يخطفها الزمن، اننا نفتخر جميعاً باننا من جيل الآلام و المعاناة و الجراح و يجب ان نحكي اكثر من حكايات (الف ليلة و ليلة) و نسجل كل شاردة و واردة، لان ثورتنا طالت و عانت و قهرت الآلام حتى انتصرت، و بهذه المناسبة اجدد التهنئة للرئيس و الپيشمـﮦرگه كاكه مسعود بارزاني الذي وفَّر لنا حافظة معلومات غنية و توثيقية للغاية عن الثورة الكوردية، و منها ثورة ايلول التحررية في كتاب (البارزاني و الحركة التحررية الكوردية).
كما اعبر عن فرحي بمجموعة من كتب الذكريات التي صدرت عن مقاتلين اكراد و نشاطاء سياسيين و هي ستبقى طريقة في ارشيف الثورة وفي الذاكرة الجمعية الكوردية.
انها ياعزيزتي (ﭙريزاد شعبان) كما قلت بداية الفرح و نهاية الألم.
بالتأكيد ثمة نهضة في الكتابة الآن من قبل اقلام كوردية و لكنها على الاغلب كتابات سياسية هامة و توثيق تاريخي جيد، و لكننا ننشد ماهو ابعد.
و نعني السرد و الحكاية و توثيق اللحظات كي لا يخطفها الزمن، اننا نفتخر جميعاً باننا من جيل الآلام و المعاناة و الجراح و يجب ان نحكي اكثر من حكايات (الف ليلة و ليلة) و نسجل كل شاردة و واردة، لان ثورتنا طالت و عانت و قهرت الآلام حتى انتصرت، و بهذه المناسبة اجدد التهنئة للرئيس و الپيشمـﮦرگه كاكه مسعود بارزاني الذي وفَّر لنا حافظة معلومات غنية و توثيقية للغاية عن الثورة الكوردية، و منها ثورة ايلول التحررية في كتاب (البارزاني و الحركة التحررية الكوردية).
كما اعبر عن فرحي بمجموعة من كتب الذكريات التي صدرت عن مقاتلين اكراد و نشاطاء سياسيين و هي ستبقى طريقة في ارشيف الثورة وفي الذاكرة الجمعية الكوردية.
انها ياعزيزتي (ﭙريزاد شعبان) كما قلت بداية الفرح و نهاية الألم.