ريزان شيخموس
إن التهديدات التركية باقتحام شرق الفرات والمناطق الكردية في سوريا والمترافقة بالتحشُّدات العسكرية والقصف والضجيج الاعلامي المتصاعد والزيارات السرية لقيادات البيدي الى كردستان العراق وتركيا ، تؤكد كلها على عمق الأزمة السورية واستثمار جميع الدول هذه الأزمة لمصالحها بعيداً عن مصلحة الشعب السوري بكل مكوناته، في ظل عدم وجود أية إرادة دولية لحلها بل العمل على استفحالها وتعميقها للتمكُّن من استثمارها بشكل كامل لمصالحها ليس الآن فقط بل خلال المستقبل البعيد أيضاً.
باتت هذه التهديدات تشكّل قلقاً كبيراً لدى أبناء شعبنا الكردي وخاصة بعد التجربة والنموذج الفاشل في عفرين من قبل الجيش التركي والميليشيات المتحالفة معها جراء الكثير من الانتهاكات الخطيرة والمنافية لأبسط حقوق الإنسان والتي تمارسها هذه الفصائل في ظل الصمت التركي والعمل على التغيير الديمغرافي في المنطقة أسوة بالنظام السوري في المناطق الأخرى، هذه الانتهاكات التي أساءت للمجتمع السوري والثورة السورية والعقد الاجتماعي بين مكوناتها وخدمت أعداء الثورة السورية وشعبها .
لن تكون التهديدات التركية سوى بالونات اختبار أو رسائل موجّهة لأمريكا على خلفية الصراع القائم بين الطرفين على مصالحها في سوريا وخاصة في منطقة منبج، هذه المنطقة الاستراتيجية والتي أصبحت تحت السيطرة الامريكية ومن خلال ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي حتى وإن وافقت أمريكا على الدوريات المشتركة ولكن ستكون محدودة، ولن تسمح لهذه الدوريات بالدخول الى المدينة أو التدخُّل بشؤونها كغيرها من المناطق، حيث أن هذا الصراع يخوّل كل طرف بتقديم رسائل وتصريحات للضغط عليها أو امتصاصها، فالرد الامريكي على التهديدات التركية بخصوص المكافأة المادية الضخمة لتقديم أية معلومات عن القيادات الثلاثة للعمال الكردستاني والسعي الأمريكي بعزل حزب الاتحاد الديمقراطي عن حزبه الأم، كان هذا الرد والمحاولات الاخرى لمجرد تقديم تطمينات للجانب التركي وامتصاص ضغطه والعمل على عزله عن روسيا .
ربما تنفذ الحكومة التركية جزءاً من هذا التهديدات باقتحام مدينة تل أبيض واحتلالها لتشكيل المزيد من الضغط والاستفادة منها لمصالحها، ولكن لن تستطيع تركيا المضي أكثر من ذلك في تهديداتها لأن المناطق الكردية الواقعة شرقي الفرات ليست كعفرين من حيث الموقع الجغرافي السياسي، خاصة أن الأمريكان يسيطرون بشكل كامل على هذه المنطقة ويستثمرونها جيّداً من خلال قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الفرع السوري للعمال الكردستاني، واستطاعت هذه القوات أن تقدم واجباتها في تأمين مصالح الأمريكان بشكل ممتاز، إن كانت في محاربة داعش أو تأمين الظروف الأمنية في المنطقة للشركات الامريكية أو لقواتها. والتفاهمات الدولية في سوريا لن تسمح في اجراء خلل جديد في التوازن بين الدول الموجودة فيها. وخاصة ان القوى العسكرية الموجودة في سوريا بما فيها قوات نظام الاسد ما هي لحماية مصالح الدول التي تدعمها .
حزب الاتحاد الديمقراطي رغم معرفته الأكيدة بحقيقة هذه التهديدات التركية وجدية تنفيذها يسعى الاستفادة من هذه التهديدات وخلق أجواء حرب في المناطق الكردية واستغلال عاطفة الشعب الكردي وإرسال وفود من قيادتها الى كردستان العراق وتركيا واستخدام كل أشكال دبلوماسيتها ليس من أجل وحدة الصف الكردي وانقاذ الشعب من المخاطر الحقيقة التي قد يتعرّض لها الشعب الكردي والمناطق الكردية – ربما ليس الآن ولكن ستحدث لاحقاً – بعد التفاهمات التي قد تحصل بين أطراف الصراع في المنطقة هذه الأطراف التي يمكنها، وبكل بساطة التخلّي عن ميليشيات الاتحاد الديمقراطي بعد انتهاء دورها أو مهمتها في المنطقة.
لذلك لابد أن يعي شعبنا الكردي حقيقة هذا الحزب واهدافه التي لا تمت بصلة الى القضية الكردية كما ينبغي على الحركة الكردية أن تعي وخاصة المجلس الوطني الكردي بأن هذا الحزب لا يمكنه العودة الى الاتفاقات الموقعة معه بل يسعى بأي شكل الى إنهاء الحركة الكردية في سوريا، ويسعى الى الاستفادة من تجربة حزبه الأم حزب العمال الكردستاني الذي أنهى القضية الكردستانية ومعظم الأحزاب الكردستانية في تركيا رغم أن كوردستان تركيا هي أكبر الاجزاء مساحة وسكاناً ولكن اقل تأثيراً على مجرى الأحداث الكردستانية.
ان حزب الاتحاد الديمقراطي والذي تتواجد ميليشياته من خلال قوات سوريا الديمقراطية وبدعم أمريكي على قسم كبير من الاراضي السورية له علاقات جيدة مع العديد من الأطراف الدولية والإقليمية حتى المتصارعة منها في سوريا خدمة لمصالحه الحزبية الضيقة أو الجهات التي تعمل لها ، وخاصة أنه لا يملك أي مشروع قومي كردي، ولا يفكّر مستقبلاً أن يكون لديه أي مشروع لحل القضية الكردية، حتى أنه يمكنه استخدام ميليشياته لمصلحة كل الأجندات والمصالح الإقليمية أو الدولية باستثناء المصلحة الكردية أو القضية الكردية بل بالعكس يسعى بأي شكل أن يقدّم الآلاف من الشباب الكردي قرابين لتحقيق أجندات ومصالح الآخرين. ليكون حزب الشهداء، ويحقق إنجازات ضخمة بذلك.
يتحمّل هذا الحزب كامل المسؤولية عن الاحتلال التركي لعفرين وما يتعرّض له شعبنا الكردي هناك من الظلم والتعسف والانتهاكات الخطيرة. كما أنه ونتيجة لسياساته الارهابية بحق الشعب الكردي والمجازر التي ارتكبتها ميليشياته في عامودا وكوباني وعفرين وقتل النشطاء السياسيين وخطف العديد من القيادات الكردية وإنهاء الحياة السياسية في المناطق الكردية والتجنيد الإجباري وخطف الأطفال وتجنيدهم وارسال الشباب الى حروب لا ناقة للكرد فيها ولا جمل كل هذه السياسيات ساهمت في تهجير أكثر من نصف الشعب الكردي من المناطق الكردية وخاصة الفئة الشبابية منهم والتغيير الديمغرافي في هذه المناطق والتراجع الخطير الذي اصاب القضية والشعب الكردي جراء هذه السياسات واضعاف الحركة الكردية.
إن المسؤولية التي يتحمّلها الشعب الكردي وأحزابه الكردية كبيرة وكبيرة جداً وخاصة أن كل الظروف التي تمرُّ بها سوريا صعبة جداً للشعب الكردي، ولابد من اتّخاذ مواقف أكثر جدية من حزب الاتحاد الديمقراطي والذي لا يمكن ان يقبل هذا الحزب بالعودة الى الحاضنة الكردية حيث انه لم يكن يوماً موجوداً فيها كما لا يمكن المراهنة عن عزله من حزبه الأم أو تخليه عن سياساته التي كانت كفيلة بالتراجع الخطير للقضية الكردية في سوريا.
أي اتفاق مع حزب الاتحاد الديمقراطي سيكون بمثابة انتحار للحالة الحزبية في الساحة الكردية وإعطاء جرعات إضافية له للاستمرار في غيّه وظلمه وقمعه بحق الشعب الكردي ونشطائه السياسين والاعلاميين وتقديم صك البراءة والغفران له على كل ما فعله هذا الحزب بحق الشعب الكردي وقضيته العادلة .