لا للعقوبات والحرب على ايران نعم للديمقراطية للفرس والاستقلال للكرد والعرب والاذريين والبلوش.

عبدالغني علي يحيى 
حديث العالم الان ومنذ اسابيع يدور حول العقوبات الامريكية وعلى مراحل على ايران، وهذه العقوبات تزاحم الملف النووي الايراني في اهتمامات العالم بها، وظاهر الامر يوحي بأن الهدف من وراء العقوبات هو اسقاط الحكومة الايرانية والانتصار لشعبها عليها وتوحي ايضاً بخلق استياء وسخط عام لدى الايرانيين لكي يهبوا ويسقطوا نظامهم القائم منذ عام 1979 على غرار الهبة الشعبية العارمة ضد النظام الشهنشاهي في العام نفسه والتي أدت الى انهيار حكمه. ومع ايماننا الراسخ وذلك استناداً الى تجارب الماضي القريب والبعيد بخصوص العقوبات فأن الذي يتأذى ويتضرر منها هو الشعوب وبالذات الجماهير المسحوقة منها وليس المسؤولون أو الحكومات. وأن العقوبات على دولة ما والتي تتخذ مصطلحات و تسميات شتى مثل: المقاطعة، الحصار الاقتصادي والحرب التجارية .. الخ لم تؤدي في معظم الحالات الغرض المنشو والمعلن من ورائها إطلاقاً، 
ولدينا على ذلك كثرة من الامثلة التي تبعث على الاعتقاد بانها تعاقب الحكومات لا الشعوب، والعقوبات أو الحصار الاقتصادي أو المقاطعة مورست على دول تقودها حكومات ظالمة واحياناً على دول غير ظالمة وفي الحالتين  فان الخاسر يكون الشعب في الدولة المعتدى عليها بل الشعب في الدولة المعتدية كذلك. ومن  العقوبات او المقاطعات  الشهيرة في التاريخ الحديث: المقاطعة العربية لاسرائيل والتي لم تضعف اسرائيل أو تقوي العرب و الشعب الفلسطيني منذ تنفيذها بعد قيام دولة اسرائيل عام 1948 وما زالت هذه المقاطعة مستمرة الى يومنا هذا رغم دخولها في هزائم وكذلك دخول العرب فيها، فالذي شهدناه وتشهده ان اسرائيل تقدمت بشكل مدهش في المجالات السياسية والاجتماعية والتكنولوجيا والاقتصاد.. الخ  مقابل تمزق وتراجع للعرب بين. اذ ان مقاطعتهم وعقوباتهم لأسرائيل بدلاً من ان تلقي ( اسرائيل في البحر) القت بهم، بالعرب، في مهاوي التهلكه والدمار، الانقلابات العسكرية الربيع العربي الحروب التي ما تزال تطحن وتحرق البلدان العربية، ومن أشهر الهزائم العربية في ذروة مقاطعتهم لأسرائيل هزيمة حزيران عام 1967، ومن ثمار المقاطعة العربية لاسرائيل اضافة الى هزيمة حزيران اعتراف دول عربية باسرائيل واقامة اخرى لاشكال العلاقات السرية والعلنية معها. ووقف العالم فيما بعد على اشكال من العقوبات معظمها امريكية واخرى اممية وثالثة من نظم دكتاتورية. وأشير وذلك على سبيل المثال الى العقوبات الامريكية وحصارها على كوبا وما زالت العقوبات واشكال من الحصار مستمرة عليها، بالرغم من انفتاح اوباما فيما بعد عليها، وفوق كل هذا فان  العقوبات الامريكية عجزت عن تركيع كوبا شعباً وحكومة منذ تنفيذها بعد انتصار الثورة الكوبية عام 1959 والى الان ورافقت العقوبات مؤامرات عديدة وغزو مسلح الا انها انتهت بالفشل وستفشل ان  استمرت. وفي عام 1962 ان لم تخذني الذاكرة تعرض النظام العنصري في جنوب افريقيا الى مقاطعة دولية بسبب عدم توقيعها على لائحة حقوق الانسان الصدرة عن منظمة الامم المتحدة. ومع ذلك فان الحكومة العنصرية تلك لم تسقط جراء العقوبات بل سقطت بااسلوب اخر، وعصر ذاك ثبت كيف ان الولايات المتحدة الامريكية وحليفات غربيات لها كانت تخرق الحصار على جنوب افريقيا وتتعامل معها في الخفاء.
في كردستان العراق، تعرض الشعب الكردي نتيجة اندلاع ثورة ايلول 1961 – 1975 الى حصار اقتصادي شديد وشامل حتى ان كيلو السكر أو الشاي وصحفية النفط كانت تباع بأسعار خيالية. ومع هذا فان الحصار اخفق في فرض التنازل على الشعب الكردي وثورته، والذي ركع وتراجع وتنازل هم  حكام العراق وحكوماتهم الذين دخلوا في اكثر من اتفاق و هدنة مع الثورة الكردية في 8 شباط 1963 و 10 شباط 1964 وفي 29- حزيران 1967 و 11-3-1970.. الخ  واليوم يتبين ان حكام العراق الجدد لم يستفيدوا من دروس وتجارب الماضي في مجال معاقبة الشعب الكردي اقتصاديا وراحوا يمارسونها من خلال تخفيض ميزانية الاقليم من 17% الى 12% والتقليل من ميزانية البيشمركة فاقامتهم لنقاط كمركية  على الطرق المؤدية الى محافظات  السليمانية واربيل ودهوك.. الخ ان الحصار على كردستان وبجميع اشكاله لم يستطيع النيل من عزيمة الشعب الكردي سابقاً ولن يستطيع النيل منه الان ولا في المستقبل. 
علماً ان الشعب الكردي تعرض في وقت سابق  الى حصارين مزدوجين دولي على العراق والذي طال كردستان كذلك اضافة الى حصار الحكومة العراقية البعثية عليه، وخرج من كلا  الحصارين منصراً.
    لقد أذى الحصار الدولي – الامريكي الشعب العراقي كثيراً من غير ان يلحق اي ضرر بالحكومة العراقية. ولو كان الحصار ضد العراق مجدياً لما كانت الولايات المتحدة تقدم على شن الحرب عليه  واسقاط حكومة صدام حسين في 9-4-2003 ها هو الحصار على العراق والذي طبق من قبل الغرب و  المجتمع الدولي يتكرر الان من جانب الولايات المتحدة بالاخص على ايران واقول مسبقاً ان حكام ايران وحكومتهم  لن يتأثروا بالعقوبات الامريكية مهما كان حزمها شديدة قاسية ولن تفلح في اسقاطهم وستكون الشعوب الايرانية المغلوبة على امرها هي المتظرر الوحيد من ورائها وتدفع ضريبة العقوبات الامريكية. وعودتنا التجارب الماضية، ان الحصار الاقتصادي أو العقوبات غالباً ما تتوج بالحرب أو الحملات العسكرية لأسقاط نظام حكم ما وهذا حصل في العراق عام 2003 وفي كوبا عام 1962 ( غزوة خليج الخنازير) وتفيد الوقائع ان الولايات المتحدة قد تختتم العقوبات على ايران بحملة عسكرية عليها في نهاية المطاف بعد فشل عقوباتها وارى ان الولايات المتحدة سترتكب حماقة كبيرة وخطأ استراتيجياً فادحاً اذا هاجمت ايران عسكريا وواصلت عقوباتها عليها وللاسباب التالية:
1 ان ايران مقارنة بالعراق الذي اسقطنه الولايات المتحدة بسهولة عام 2003 دولة عظمى تتمتع بركائز اقتصادية صناعية وزراعية كبيرة وبالاكتفاء الذاتي في الكثير من المجالات. وهي ليست كعراق صدام حسين الذي اسقط عام 2003.
2- ثم ان روسيا الاتحادية لن تسمح بسقوطها مثلما لم تسمح بسقوط أو اسقاط بشار الاشد وحكومته رغم تدخلات امريكية وبريطانيا وفرنسية وتركية لأسقاطها، نعم يخطيء من يعتقد ان روسيا ستسمح بسقوط الحكومة الايرانية ومع روسيا الصين ايضاً، واذا كان الربيع العربي قد اسقط حكومات: مصر وتونس وليبيا واليمن الا أنه اخفق عن اسقاط حكومة الاسد التي سانتدتها روسيا وما تزالوا، ولو كانت حكومات الدول التي اسقطها الربيع العربي مستنجده بروسيا الاتحادية لما كانت تسقط ان تمسك روسيا الاتحادية بايران سابق على الوضع الحالي ويعود الى زمن الاتحاد السوفيتي السابق الذي حذر امريكا من مغبة اشعال الحرب في جوارها على خلفية أزمة احتلال السفارة الامريكية في طهران. ان حماية ايران  استراتيجية ثابته لدى حكام موسكو شيوعيين كانوا ام راسماليين.. لا لن تدع موسكو ان يسقط النظام الايراني مثلما لم تدع نظام الاسد ان يسقط.
3- في العقوباتالامريكية على ايران ميوعة وفجوات يتسلل منها الفشل والخرق اليها، اذ ما معنى  اعفاء (8) دول من الالتزام بالعقوبات ومن بينها حليفتان لامريكا: تركيا والعراق وستطول قائمة الدول للمعفاة من الالتزام بالعقوبات في القادم من الايام ، فضلاً عن  ذلك فان وقوف كل من روسيا والصين الى جانب ايران وعدم مجاراة دول الاتحاد الاوروبي لأمريكا في موقفها من ايران سيكون من اسباب فشل العقوبات واي غزو محتمل لايران، وليس ببعيد ان تنظم دول اسلامية بدوافع دينية أو مصلحية الى ايران ان اعفاء امريكا للدول الحليفة لها كتركيا والعراق من العقوبات على ايران  والزام الدول غير الحليفة لها بالعقوبات في نظام العقوبات الامريكية المفروضية على ايران علاوة على نقطة ضعف اخرى وهي تمييزها بين ايران وتركيا سيما اذا علمنا ان تركيا تفوق ايران سوءاً ان تحدي حليفي امريكا، تركيا  والعراق للعقوبات له دلالات كبيرة تعبر عن مدى الضعف الذي تعيشه امريكا الان. ومن النقاط التي تدفع امريكا بالكذب واللامصداقية في صراعها مع ايران قولها باستمرار من انها تروم من ايران تعديل سلوكها وليس اسقاط نظامها أو تغييره. وهذا من  نقاط الضعف الاخرى في السياسة الامريكية. ان على علم السياسة ان يخطئ الحصار الاقتصادي والعقوبات الاقتصادية والمقاطعات مثلما اخطأ الانقلابات العسكرية وانتزاع السلطة بالقوة ونظرية الممثل الوحيد للشعب ومن نقاط الضعف ايضا في السياسة الامريكية ويالي لكثرتها. تجاهل واشنطن للمعارضة الايرانية احزاباً ومكونات اجتماعية وشعوب. وفي الوقت الذي يستحيل فيه اضعاف ايران عن طريق العقوبات لأرغامها على اتباع السلوك الصحيح والمقبول دولياً، ثمة اساليب اخرى مقبولة وناجحة لجعل ايران على الطريق الصحيح وعلى رأسها العمل من اجل الديمقراية للفرس اي المكون الحاكم والاستقلال للكرد والعرب والاذريين والبلوش، اي بصريح العبارة تقسيم ايران بين شعوبها وان المرء يستغرب من تشبث امريكا وحليفاتها الغربيات بوحدة ايران وتركيا والعراق وسوريا والمفروضة قسراً على شعوبها في وقت رأينا كيف ان الدول الغربية الاستعمارية نفسها قسمت اراضي وشعوب الامبراطورية العثمانية على نفسها وحل احتلالها لبلدان هذه الشعوب محل الاحتلال العثماني لها ومع هذا نجد الدول الاستعمارية هذه تأبا وترقض تقسيم ايران على شعوبها والقول نفسه ينسحب على تركيا والعراق وسوريا، والجميع يعلم ان الوحدة القسرية في هذه البلدان ورفض تقسيمها يشكلان السبب الرئيس لقيام الدكتاتوريات والحروب والاضطرابات في هذه البلدان ان الشعوب الايرانية التي ذكرتها تتوق الى الاستقلال عن ايران ومتشائمة من العقوبات الامريكية على ايران وهي تعلم علم اليقين ان هذه العقوبات تقوي من النظام الايراني ولا تضعفه ولا تسقطه، بل ان الذي يضعف ويخسر هم الشعوب تلك ومعها الشعب الفارسي  عليه يجب ان يكون الشعار في ايران  الديمقراطية للفرس والاستقلال للكرد والعرب والبلوش.. الخ.
ان العقوبات والحصار الاقتصادي وما شابههما تؤدي الى  تجويع الشعوب لكي تثور على حكوماتها، وعندي ان في ذلك معالجة خطأ بخطأ، ان لم نقل ان تجويع الشعوب جريمة كونه يقود الى انتشار الانحلال الخلقي والسرقة والجريمة المنظمة و الهجرة الجماعية والاذلال والنيل من الكرامة البشرية، وما نراه اليوم في العراق من تراجع للقيم والاخلاق الفاضلة، فان  العقوبات الاقتصادية السابقة تشكل احد اسبابها الرئيسية. لقد مرت الشعوب في التاريخين القديم والحديث باشكال من المجاعات ومع ذلك فان  حكوماتها سواء كانت عادلة او مستبدة لم تسقط بفعل الحصار والعقوبات لذا على الولايات المتحدة ان تأخذ العبرة من التاريخ وبدلا من القيام بفرض العقوبات على ايران او التخطيط لشن الحرب عليها، ان تحرر شعوبها وتحقق لها الحرية والاستقرار وللشعب الفارسي الديمقراطية والعدالة والتقدم. وبعكسه فان  من شأن سياساتها الحالية الزاخرة بالعقوبات على ايران ان تدفعها – امريكا- الى وضع اشبه ما يكون بالوضع  الذي عاشته عام 1975 في اقطار الهند الصينية كمبوديا، لاوس، فيتنام وتشهد هزيمة على غرار هزيمتها في الهند الصينية. ان مشاكل العالم تعالج بالديمقراطية والحرية والاستقلال للشعوب وليس بتجويعها وشن الحروب عليها.
على غرار تصفية الاستعمار من قبل الامم المتحدة في القرن الماضي وظهور عشرات الدول جراءها على الامم المتحدة حل وتصفية الدول القائمة على التعددية القومية والدينية والعنصرية اذ ثبت قيام هذه الدول على الوحدة القسرية واقصاء المكونات من غير المكون الاكبر والسائد وهذا ما نراه جليا في ايران وتركيا والعراق وسوريا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…