الاتحاد الديمقراطي أمام اختبار عملي لشعاراته ما فوق القومية

عبدالله كدو
منذ الاستقلال السياسي لسوريا ، التي سميت فيما بعد بالجمهورية العربية السورية ، كإعلان صريح للحرب على من كل هم غير عرب، و دعوة لإصهارهم في البوتقة العربية ، و في المقدمة منهم الكرد الذين اتُّهِموا بأنهم متسللين..ثم انفصاليين، منذ ذلك اليوم  اِعتُبِر الكرد مواطنون من الدرجة الثانية، و قبلوا و أذعنوا للأمر الواقع بسبب ضعفهم ، أما أبناء القومية العربية فلم يقبلوا بالرضوخ ﻷي سيادة أو سلطة كردية في أي منطقة سورية حتى الآن ، حتى لو كانت بأسماء بأسماء وطنية أو ديمقراطية أو أخرى مستعارة ، مثل سلطة ( ديمقراطية الشعوب ) التي أقامها حزب الاتحاد الديمقراطي p y d بإشراك المكون العربي و السرياني..
و هذا تأكيد على أن شعوب المنطقة لم تبلغ بعد سوية قبول مفاهيم الديمقراطية و الوطنية و المساواة  و غيرها ، على الأقل بالشكل الذي مارسه  ” الاتحاد الديمقراطي” ، فهذه السلطة لم تأت عبر صناديق الاقتراع ، و تنفيذ هذه المفاهيم و الشعارات ، الآن و بهذا الشكل، هو قفز على الواقع و هروب إلى الأمام ، و عليه فإن الخيار الأمثل و المستعجل لحالة شمال و شرق سوريا ، هو انسحاب جميع العسكريين و المدنيين الكرد من جميع المناطق غير الكردية ، و تسليمها لأبنائها الذين يبدون استياءا و ردود أفعال عنيفة إزاء وجود الكرد في مناطقهم.. و العودة إلى مناطقهم الكردية، خاصة و أن الحزب يعتبر فكر رئيس حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، ذي الجنسية التركية، مرجعية فكرية له.. مما يدفع  العرب السوريين في الشمال و الشمال الشرقي السوري ، أن يعتبروا مناطقهم محتلة من قبل قادمين من خارج سوريا… و إن اعتبار خيار الانسحاب هذا تناس لدماء الشهداء ، إنما هو إصرار على عدم قراءة اللوحة السياسية كما هي ، فأمريكا تفصح بشكل أو بآخر بأنها غير معنية بخوض حروب دفاعا عن حليفتها العسكري ، قوات سوريا الديمقراطية ” قسد” .. ذلك في تفضيل واضح لحليفتها في الناتو ، تركيا، لما تتمتع به من ميزات استراتيجية و سياسية وغيرها ، خاصة و أنها مقبلة على معركة مفتوحة على احتمالات كثيرة مع إيران تنفيذا لوعود رئيسها دونالد ترامب الانتخابية، الذي يسعى جاهدا للتغطية على اتهامه بالتواطئ مع روسيا في انتخابات الرئاسة الأمريكية و تصديرها..و كذلك تنصل النظام السوري من التنطع لمهامه السيادية التي يدعيها ، بشكل واضح على لسان وزير الخارجية و التأجيل لمرحلة ما بعد حل مشكلة إدلب ،  و عليه فإن ” الاتحاد الديمقراطي ” مطالب بمراجعة حساباته و العمل في ميدانه المناسب، ذلك على أرضية وطنية سورية واضحة، دون أي لبس او غموض ، و  التفاهم مع المعارضة السورية ،  بالكف عن الخيار الوهمي المسمى بالخط الثالث ، و قبل هذا و ذاك توفير مستلزمات التفاهم و التوافق مع القوى السياسية الوطنية الكردية و في مقدمتها المجلس الوطني الكردي في سوريا ، الذي يمثل الكرد في المعارضة السورية و في مفاوضات جنيف الدولية الموكل إليها إيجاد حل سياسي في سوريا ، و الكف عن حربه الإعلامية ضده و تخوينه.. فالمجلس الوطني الكردي ليس مطالب إلا بالنضال و العمل على الجبهة الوطنية السورية ، و هو لم يعد بغير ذلك ، بعيدا عن أي تدخل في شؤون دول الجوار، و منها تركيا التي تحادد سوريا بخط طوله أكثر من تسعمائة كيلو متر.. مع تأكيده على تمتين أواصر الأخوة مع أبناء جلدته في تركيا و العراق و إيران و غيرها.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين من المعلوم انتهى بي المطاف في العاصمة اللبنانية بيروت منذ عام ١٩٧١ ( وكنت قبل ذلك زرتها ( بطرق مختلفة قانونية وغير قانو نية ) لمرات عدة في مهام تنظيمية وسياسية ) وذلك كخيار اضطراري لسببين الأول ملاحقات وقمع نظام حافظ الأسد الدكتاتوري من جهة ، وإمكانية استمرار نضالنا في بلد مجاور لبلادنا وببيئة ديموقراطية مؤاتية ، واحتضان…

كفاح محمود مع اشتداد الاستقطاب في ملفات الأمن والهوية في الشرق الأوسط، بات إقليم كوردستان العراق لاعبًا محوريًا في تقريب وجهات النظر بين أطراف متخاصمة تاريخيًا، وعلى رأسهم تركيا وحزب العمال الكوردستاني، وسوريا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في هذا السياق، يتصدر الزعيم مسعود بارزاني المشهد كوسيط محنّك، مستفيدًا من شرعيته التاريخية وصلاته المعقدة بجميع الأطراف. ونتذكر جميعا منذ أن فشلت…

خوشناف سليمان في قراءتي لمقال الأستاذ ميخائيل عوض الموسوم بـ ( صاروخ يمني يكشف الأوهام الأكاذيب ) لا يمكنني تجاهل النبرة التي لا تزال مشبعة بثقافة المعسكر الاشتراكي القديم و تحديدًا تلك المدرسة التي خلطت الشعارات الحماسية بإهمال الواقع الموضوعي وتحوّلات العالم البنيوية. المقال رغم ما فيه من تعبير عن الغضب النبيل يُعيد إنتاج مفردات تجاوزها الزمن بل و يستحضر…

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…