الوعي القومي و الوطني أولا يا معشر المضطهدين؟!

الأمازيغي: يوسف بويحيى
إن أنواع الوعي الذي تحتاجه الشعوب المضطهدة هو الوعي القومي و الوطني بالدرجة الأولى ،علما أن نضال الوجود ينبني فقط على المرجعين الرئيسيين القومي و الوطني ،بينما يبقى الباقي مجرد أمور ثانوية لا تستطيع إيصال الذات إلى الإستقلالية و الحرية مهما بلغت خطاباتها الجوفاء.
كثيرا ما قلت أن الصراعات و الخلافات و الإختلافات الدينية و الإديولوجية مجرد مستنقع عقيم لن تفيد الذات في شيء ،بل ترميها في دوامة من الإشكاليات اللامتناهية دون الحصول على اي نتيجة إيجابية ،وتبقى مجرد عقد متراكمة تعرقل تحرر الذات من القيود صوب الإبداع.
لقد كان كتاب الفيلسوف الهندي الإسلامي “أمارتيا صن” بعنوان “الهوية و العنف” خير دليل على أن الذي يبني مشروعه الذاتي على الدين سيبقى متقوقعا دون شعور رغم إدعائه التنوير ،إذ كان الكتاب يسلط الضوء و يدين المد المسيحي بشدة في إفريفيا السمراء على يد الإمبريالية الفرنسية و البريطانية ،بالمقابل يشيد بالقاعدة و الجماعات الإسلامية في أفغانستان و باكستان…،،وما لفت إنتباهي تناقض الفيلسوف الشديد بين رفضه لنوع من العنف و شرعنة نوع آخر منه ،ويبقى العنف نفسه بمعناه المفاهيمي و العملي الواسع.
لم يستطع الفيلسوف إدراك أن العنف الديني أو ما يسمى ضمن الحقل الديني بالعنف المشروع يأتي نتيجة الأنا السلبية العرقية ،ولم يتجرأ أن يفصح على أن الغزو العربي الإسلامي في بقاع العالم كان لأجل التوسع الإقتصادي و الإنتصار للقومية العربية بذريعة العرق و النسب و الدين الواحد ،أي نفس ما تبناه بني إسرائيل كشعب الله المختار على أرضه و يعملون عليه.
كثيرا ما سمعنا أن الإسلام دين العدالة و الحق ،ونستطيع أن نبرهن على هذا أكثر ممن يدعي ذلك ،والسر يكمن في تسلحنا بالمنطق و قراءتنا السليمة له و توظيفه إيجابا في مرافق الحياة ،إلا أن كلام الفيلسوف بخصوص هذا كان مجرد فقاعة للتهرب من الواقع الإسلامي ،هنا أتحدى الفيلسوف أن يعطي للقارئ نموذج شعب من الشعوب الأصلية أنصفه الغزو العربي الإسلامي بداعي العدالة و الحق….،بل الحقيقة أبيدت شعوب و دمرت حضارات و حرقت كتب لأجل ان يسطو العرق العربي على البشر و الحجر ،ومازال الفيلسوف يتهرب بين سطور كتابه بإسم الله و الرسول….
لا أعلم لماذا لم يستطع الفيلسوف أن يفرق بين الدين و التاريخ السياسي الديني ،علما ان التوسع الإسلامي ليس دينا بل سياسة ،ويحاول جاهدا إيصال جمالية و إيمان الغزو الإسلامي على أنه الرسالة السماوية الحقة.
إن كل ما قرأناه في المؤسسات التعليمية و مازال يدرس ،والذي وصلنا على أيدي الغزاة و الممنهج إلى حد الآن ،ليس دينا حقيقيا ،بل تفسيرات متوارثة بالنقل أغلبها بعيدة عن العقل و المنطق ،لم تنفع الإنسان منذ ذاك الوقت إلى الآن و مازال يتخبط فيها ،بينما تبقى قراءة التفسير السليم للدين تعتمد على العقل و المنطق و الذكاء و العلم.
إن التفسيرات الدينية التي تتنافى مع فطرة الذات المفكرة و الواعية لا يمكن قبولها ،وتبقى عائقا أمام الذات في حالة إعتناقها إما بالقوة أو التكليف ،وتضع الذات بين أمرين إثنين إما التمرد أو الإنتحار مهما طال الوقت أو قصر.
هنا أخاطب الفيلسوف “امارتيا صن” كيف يمكن أن نؤمن بهؤلاء التنويريين الإسلاميين الذين يزعمون أن الأمازيغ قوم يأكل البشر!!؟ ،وهل نفهم من هذا الكلام أن الأمازيغي كائن غير بشري أو بشر أكل لجنسه!!؟ ،أي نفس ما طرحه بني إسرائيل قبلا في ماهية المرأة ،وإمتد هذا الطرح إلى بعد الحضارة الإغريقية بإعتبارها مخلوق شبيه بالإنسان فقط ،علما أن الرجل وحده الإنسان على حد علمهم و فهمهم.
إن الحقيقة التي لا يريد أن يستوعبها الفيلسوف هو أن الخوض في المستنقع الديني بصفة عامة شبيه بنفخ لعبة البالون ،لهو يستطيع حمل الذات و لا ملأ المضمون ،وأقصى الإنجازات تحيله إلى الإنفجار و البقاء في القاع.
إني أحيل الفيلسوف “أمارتيا صن” أن يقرأ جيدا على الفيلسوف و المنظر السياسي “ألكسيس دو توكفيل” في دراسة التجربة الديموقراطية في أمريكا ،والتي نهجت تعاليمها في أروبا كذلك ،خلالها فرضت حتمية العقل نفسها على الواقع بعد سلسلة من الإخفاقات و الكوارث على تجاوز الدولة الدينية إلى المدنية بفعل التطور و التحول الإجتماعي ،كما أتمنى أن يكون هذا النموذج خير مثال لإثبات أن العادة لا تعني الحقيقة ،والنهضة لابد لها من العقل و الجرأة ،والإختلاف وجود لا جريمة و عار ،والحداثة نهج تاريخ الماضي و الحاضر و المستقبل لا الرجعية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فرحان كلش عقد ونيف من السنوات العجاف عاشها السوريون، طُبقت عليهم رؤى بعثوية مزيجة بين القومية والطائفية والسطوة الأمنية والمزيد من الفساد والإفساد، وتكيف السوريون مع حالة الإدعاء التي تقمصها النظام السابق والمتمثلة باستكمال الربط والتقييد الداخلي بخط خارجي موازٍ متمثل بفكرة المقاومة، هذه الفكرة التي أرهقت المجتمع السوري اقتصادياً وأمنياً. ولم تكن ثورة 2011 إلا رد فعل على جملة…

إبراهيم اليوسف لم تكن ثقافة العنف في سوريا وليدة لحظة أو حدث عابر، بل هي نتاج عقود من السياسات القمعية التي سعت إلى إحكام السيطرة على المجتمع من خلال ممارسات شمولية اعتمدت الترهيب والتدمير المنهجي لأي محاولة للخروج عن النص السلطوي. حافظ الأسد، الذي استولى على السلطة عام 1970، أرسى قواعد نظام أمني مبني على الخوف والولاء المطلق،…

بوتان زيباري رأيتُ سوريا في المنام، تقف على تلٍ عالٍ، عيناها مغمضتان كمن ينتظر حُكم القدر. كان وجهها متعبًا، مُثقلًا بغبار الحروب، وشعرها مشعثًا تراقصه رياح الخوف. ومع ذلك، كانت في عينيها مساحات شاسعة من الأمل، كأنها تقول: “أنا باقية… ولن أنهزم.” في الحلم، لم تكن سوريا مجرد جغرافيا أو خطوطًا متشابكة على الخرائط. كانت أمًّا تضم أطفالها الذين…

إبراهيم اليوسف تمر بلادنا بمرحلة مفصلية، حيث تزداد الحاجة إلى التكاتف والتعاضد بين أبناء الشعب الكردي من جهة، وبينهم والشعب السوري عامة. في خضم هذه الأوقات الصعبة التي تتطلب جهودًا مشتركة من جميع الأطراف، يصبح من الطبيعي أن تظهر آراء متناقضة وأحيانًا متباعدة في ظل الظروف المعقدة. ولكن ما يزيد الأمور صعوبة هو تحول بعض النقاشات إلى ساحة من الشتائم…