الأمازيغي: يوسف بويحيى
بعد صراع طويل أقنعت ذاتي الرافضة قطعا الحديث بأن أذكر سرا من أسراري الشخصية التي تمنيتها في الحقيقة أن تبقى كنزا مدفون لي مدى الحياة ،لكن اليوم شاءت الأقدار أن أشارككم في واحدة منها بشكل موجز ،والهدف ليس للإشادة بل لإيصال ما قد يجهله الكثيرون ،علما أن الإنسان الحقيقي لا يقبل إلا بالحياة الحقة.
ذات يوم ذكر آسم “يوسف بويحيى” في القصر الجمهوري الرئاسي بكوردستان في مجلس الزعيم “مسعود بارزاني” ،قيل له هل تعرف هذا الإنسان يا سيدي الرئيس؟! ،أجاب مبتسما: أعرفه و أقرأ له يوميا و أقبل عيونه.
تصور جمالية شعورك أيها الإنسان إذا قبلك إنسان من باب الحب و الإنسانية ،لكن كيف سيكون مقدار هذا الشعور إن كانت هذه القبلة من إنسان عظيم لا مثيل له هو “مسعود البارزاني” ،فأكيد ليس غريبا على العظماء الحقيقيين شيم التواضع و البساطة.
هنا أخاطب الأرواح الحقيقية التي لا تتبدل مهما تغيرت الظروف و الأماكن ،وبعيدا عن حياتي و مشاعري و قناعاتي تجاه شخص “مسعود البارزاني” ،أحببت أن أبدي كلاما عميقا لا تسع الجبال حمله.
إني أحبك بعمق لا حدود له ،كما لا أعرف لشدة حبي لك سبب حبك ،وكل ما أعرفه في هذه الحياة أني أحبك ،ولم أعرف الحب إلا عن طريقك و فيك ،ولكوني حذفت في حياتي كل أنواع الحب فلم أبقي إلا صنف حبك ،يسكنني في وعيي و أتحسسه في لاشعوري ،أتنفسه و به أحيا و عليه أموت و لأجله سأموت و به سأبعث من جديد ،وسأبقى أحبك حتى أنتهي جسدا و تبقى الروح معلقة بك ،وأقسم أني كفرت بالحب ولم أعد أومن إلا بحبي لك.
أنا لست إبن كوردستان الشامخة ،بل أنا أمازيغي من “تمازغا” المقدسة ،لم ألتقيك و لم ألمسك ولم أتفقد ملامحك عن قرب ،لكن غصت عميقا في روحك التي تفوح عطر الطهر و الصفاء ،قرأتك من بعيد على حدود المحيط غربا و السياج شرقا و البحر شمالا و الصحراء جنوبا ،وعانيت لأجل أن أبصم في إحدى ورقات مجلدات تاريخك المجيد بعدها سأرحل.
أنا لم تصنعني المخابرات الإستبدادية لأكون كاتبا أكتب ضدك ،ولست فنانا لأغني ضدك ،ولست شاعرا لأنظم القوافي ضدك ،ولست صحافيا لأحرر التقارير ضدك ،ولست مؤرخا لأزور الحقائق ضدك ،ولست سياسيا أبتغي المصلحة ضدك…،فأغلب هؤلاء الذين ذكرت عادوا إليك صاغرين في كوردستان يأكلون من يدك ،ولست من يركض إليك لتأويه من بطش الطغاة ،ولست الذي تخلى عن إيمانه بك في ضعفك ،فأنا غير قابل للبيع لأني بارزاني حقيقي ،بل عاصفة تقتلع الكل و هذه إحدى عباراتك الخاصة لي.
أنا قطعة تاريخ ممزق نفيس ،وفي لحد الموت على نهجك ،أراك في الروح لا بالجسد إنسان ،سأبقى ولو تغيرت الأقدار بي ،لن أكون إلا بارزانيا وراء الأقفاص و الظلام ،لن أركع مهما حييت إلا لنظام الضمير ،وإن أمرت إلهيا عصي الوصية فلا تقلق لأني سأعلن الإلحاد ثم أمضي على دين نهجك.
أنا لا أومن بالمظاهر لأني تربيت حافيا ،لا تستهويني الحياة بأكملها لأنها شاحبة ،أمضي بلا أماني ذاتية لأني لست أنانيا ،أعيش أغلب الأوقات أشتاق فيها الموت ،ألتزم الصمت عندما أكون في حاجة ماسة للحديث ،أسر في أعماقي دائما ما أتمنى قوله ،وأكثر ما يجعلني أبتسم في داخلي هو سماع لقب القائد و الأسطورة و الرئيس و الملك في ميدان السياسة و الفن و الفكر يطلق على الإنتهازيين ،وأعذر الجميع مادمت أرى أن من يهتف بهذه الهرطقات هم من يرون أنفسهم مثقفين.
أجزم أن لا أحد يعرفني ،ولن يعرفني أحد مطلقا ،أجهل حتى معرفة نفسي التي تتوه عندما تغوص في بحار دواخلي ،أنا اللهيب القابع تحت الرماد ،تسكنني أمنيات أعدمتها بنفسي على مشانق القدر ،أنا ألم رهيب يراقص البراءة حتى تبتسم ،مأوى يحتضن كل الأرواح إلا نفسه ،موطن أنا بلا إسم بلا عنوان بلا حدود
أخدتني رحلة هذه الكلمات عندما وقفت على منصة الجامعة بثياب قديمة أمام إستهزاء الطلاب و الأستاذ ،أنذاك كان نقاشنا في مواضيع فلسفية طويلة جدا ،سألني قائلا: لماذا تحب فلسفة نتشه؟؟ ،قلت: أحبها لأن لا أحد يفهمها و يبقى ما أعرفه أني أعيشها و كل ما أعرفه أني لا أعرف شيئا ،إلتفت لي في دهشة قائلا: هل أنت تدرس الفلسفة؟؟ ،قلت : لا أنا أدرس الرياضيات ،ثم قال: ما الذي جاء بك للحضور في حصة أدبية؟! ،قلت: سمعت انك استاذ فيلسوف فجئت أناقشك ،إنصدم الحضور كون النقاش طال لأكثر من اربع ساعات في الفلسفة و علم الإجتماع و النفس…،نظر الأستاذ إلى الحضور ثم طلب منهم التصفيق لي ،أنذاك أحسست بشعور مؤلم بعد أن نظرت عميقا في الحضور ثم قلت لهم: <أعلم أني لا أملك ملابسا مثلكم و ملامحي الشاحبة لا تشبه ملامحكم ،لكني أملك ضميرا يحركه الألم ،فنحن المتألمون الأحياء وحدنا من نموت يوميا دون أن نشتكي حتى إلى الله بشيء> ،ثم غادرت القاعة في صمت و سكون لم اسمع سوى جملة نطقها الأستاذ من ورائي قائلا :يا إلهي كم هذا الغريب رائع ،سالت دموعي على الدرج في الخارج ثم قلت في نفسي <نعم أقسم أني غريب بلا أي عنوان ،ولم أناقشك لأعتز بنفسي ،بل لكرهي الشديد لنفسي ،لا يفوقني حتى العدو في كرهي لنفسي ،فأنا ذاك الذي لم يولد بعد و ميت حي و سيحيا بعد الممات>.
أعلم أني شابكت الكلمات حول البارزاني و الذكرى و الأنا ،وأجمعت بين أسرار التاريخ و الفلسفة و المنطق و الطبيعة و القدر و الدين ،جميعها تتساءل على من أنا؟! ،وكيف يقاس معنى الأسطورة و الدمية؟! ،هنا أخاطب الحقيقة بعينها و الحقيقيين بعيدا عن المهزوزين و المتأدينين و المتلونين و المنافقين و المتملقين ،فالأسطورة الحقيقية هو الإنسان العاقل ذو المنطق السديد ،العميق الروح و الماهية ،المؤمن بالقدر قبل المصير ،ثابت المبدأ و الموقف كالتاريخ…
كنت أعلم أن إستحقاق لقب الأسطورة لا يتطلب دائما مرور وقت على الأحداث ،لهذا خالفت رأي الفيلسوف ””””برتراند راسل” القائل: لا توجد أسطورة حية في زمانها ،بقصده أن الأسطوري دائما يحيا لدى الأجيال الصاعدة و ليس بين جيله ،وهنا أعاكس طرح “راسل” كون بعض الشخصيات أمثال الأمازيغي “محمد بن عبد الكريم الخطابي” و الكوردي “مصطفى البارزاني” كانا أسطورتين في عصرهما و بعده ،ونفس الشيء ينطبق على الزعيم “مسعود بارزاني” في عصرنا الحالي فقط تبقى المشكلة في عقلية المثقف لا غيره.
ويبقى السؤال من أنا؟! ،أنا لاشيء لكن له مبدأ و موقف واحد و روح أمازيغية مؤمنة لدرجة القتل معلقة بالكوردايتية لحد الموت ،أتوق لقاء نفسي يوما لأعانقها ولو مرة واحدة في الحياة ثم أتركها تختار بين البقاء و الرحيل.