البارزاني أسكت الجميع

الأمازيغي: يوسف بويحيى
هنا لن أتطرق إلى نتائج الإنتخابات لأنها كانت متوقعة دون أي شك ،علما أنه لو تمت الإنتخابات بشكل نزيه في محافظة السليمانية لحصل البارتي على أكثر من خمسون مقعدا ،لهذا أقول فاز الهاجس العظيم مجددا بعد ان راهن الجميع بسقوطه و فشله و فرض العزلة عليه.
إن الذي يدعي بأن البارزاني ليس بسياسي محنك من طراز عالي لهو واهم سفيه ،وأخص بالذكر لا للحصر المفكر “برنارد ليفي” و زمرة الساسة الكورد ،لأن الواقع الذي نحن فيه و عليه يثبت أن البارزاني ليس فقط سياسي و عسكري عظيم ،بل هو منظر ذو نظرة بعيدة المدى ،وشخصية قوية رزينة ذات نفس طويل تستطيع التأقلم وفق الظروف و الإمكانيات المتاحة ،وأثبت هذا لعقود من الزمن و ليس بحاجة لي و لغيري كي يدافع عنه.
لم ينتبه أحد إلى التغييرات المهمة في تكتيك البارزاني في حملة الإنتخابات البرلمان الكوردستاني ،كما لم يلاحظ أحد أين يكمن هذا الإختلاف و التغيير عن سابقتها في المناسبات الإنتخابية الماضية ،هذا الشيء لم يكن بالإستطاعة كتابته إبان الإنتخابات لحساسيته ،لكن لوحظ أن البارزاني لعب على الكثير من النقاط السياسية و نجح في تحقيق أهدافه المرسومة.
بدأ مضمار البارزاني في صراعه الداخلي الكوردي و العراقي و الإقليمي و الدولي منذ سقوط “كركوك” نتيجة خيانة “أل طالباني” بتواطؤ مع حكومة بغداد و “قاسم سليماني” ،ذلك في محاولة لهم إسقاط الإقليم و القضاء على البارزاني و البارتي نهائيا ،عملت حكومة العراق و من معها على محاولة إضعاف البارزاني و عزله و تركه وحيدا على حد مخططهم ،خاض من خلاله البارزاني معارك عسكرية مصيرية ناجحة بهمة البيشمركة حماة الأرض و الشرف ،ورغم أن موازين القوى بين البيشمركة و الحشد الشعبي و الجيش العراقي غير متكافئة إلا الكورد الأحرار ماتوا على العهد و ألحقوا الضرر بالمعتدين و الغزاة.
كان الزعيم  البارزاني يعرف جيدا أنه بقي وحيدا في الساحة السياسية و العسكرية ،كما نهجت أمريكا سياسة الغذر بتركه للذئاب الإقليمية كما كانت تفعل دائما مع الكورد ،أكد البارزاني من خلال ذلك مقولته الشهيرة “نحن لا نعتمد على أحد لأننا نؤمن بالله و بعدالة قضيتنا” ،لم يتوقف بل نهج بعد ذلك جدلية القائلة “إن لم يكن لك ما تريد فأرد ما يكون” ،بهكذا أسقط البارزاني جميع الرهانات بسياستة الذكية و الرزينة التي تفهم أبعادها إلا لدى الإيرانيين و الأمريكيين و قادة بغداد المخضرمين.
بعد أن اغلقت الأبواب في وجه الكورد بمساعدة الزمرة الخائنة ،لجأ البارزاني إلى الحرب الباردة المتمثلة في إكتساح صناديق الإنتخابات العراقية كأول حزب كوردي و عراقي على الصعيد الوطني عامة ،بذلك ضمن لنفسه مكانا أساسيا و حساسا في المعادلة الحكومية و السياسية العراقية ،ليسقط بذلك رهان العزل و التهميش الذي خطط له قادة بغداد و إيران أمام صمت أمريكا.
إستطاع البارزاني أن يخرج المشروع التحرري الكوردستاني من عنق الزجاجة نتيجة خبرته السياسية و صموده العسكري و مكانته الديبلوماسية ،مع عدم نسيان مدى كفاءة الجيل الجديد الحامل لمشعل الإستقلال أمثال “نيجرفان بارزاني” و “مسرور بارزاني الذين اثبتوا مدى جديتهم في حمل المسؤولية و الأمانة.
لقد ضرب البارزاني في العمق الوطني الكوردستاني للمرة الثانية عن طريق إنتخابات برلمان كوردستان ،كان يدرك خيانة الكل له لهذا حرك كل ما يملكه لفرض الإرادة و الوجود الكوردي عن طريق خروجه بنفسه للتشهير بالحملة الإنتخابية ،خلالها صدم البارزاني العالم كله نتيجة تجاوب الحشود الكوردية معه و تلبيتهم للطلب و وفاءا بالعهد و الأمانة و الواحب الأخلاقي و الوطني ،في حين أن المعارضين دوليا و إقليميا و كورديا لزموا الصمت من هول المفاجآت التي لم تكن متوقعة ،وعبرها أوصل البارزاني رسائله الساخنة و الرئيسية للعالم و إكتسح الصناديق الإنتخابية أمام تراجع الخصوم و الخونة ،بذلك إزداد رصيد البارزاني سياسيا في كوردستان لتنضاف كإمتياز ثاني بعد تواجده بالعراق بكل قوة و إستحقاق.
لقد أراد الجميع إسقاط البارزاني في بئر يوسف لكن شاءت الأقدار له أن يكون عزيز كوردستان الأبية ،وأثبت ان الإيمان هو السلاح الوحيد الذي لا يمكن لأي قوة إيقافه ،وأكد صحة الحكمة التي تفيد أن القائد الذي يخسر الأرض دون الشعب سيعود و يفوز بالأرض مجددا.
شكرا “مسعود بارزاني” لأنك لم تركع و لن تركع أبدا لأني أعرفك أكثر من أي إنسان آخر ،بل شكرا لأنك جعلتهم جميعا يركعون.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…