جان كورد
هذه عبارةٌ شهيرة للثائر العالمي الشهير فرانس فانون، تبقى هامةً وواضحة كالشمس في الأفق لكل من له إهتمام بقضايا الشعوب، وقد صدق الرجل عندما أكد بعبارته هذه أن الأساس الذي تبنى عليه الشعوب والأمم هو أساس الوعي والإدراك والمعرفة والثقافة والشعور بأن المرجعية في كل الأمور تعود للشعب الذي سيحافظ على كيانه ومستقبله وثرواته وأرضه وقواه السياسية إن كان واعياً ومدركاً لأهمية هذه القيم والأشياء التي تتعلّق حياته بها، بل بقاؤه كشعب مرهونٌ بها. فالجسر سيتعرّض للخراب والدمار إن لم يفهم الشعب الذي ينيت له الجسر يعي تماماً لماذا بني الجسر ومدى أهميته وسبب الحفاظ عليه والمساهمة في ترميمه إن تطلب الترميم والاصلاح.
وهكذا هي الأحزاب أيضاً، فالحزب الذي يتأسس ويبنى لا يمكن أن يعيش من دون أن يعي الشعب الذي تأسس له الحزب أهمية وضرورة وجوده، ولذا، فإن تأسيس الحزب الديموقراطي الكوردستاني، سواءً في شرق كوردستان أو جنوبها، وفيما بعد في غربها وشمالها، لم يتأسس إلاّ لحاجة الشعب الكوردي به، وعندما دخل في وعي الشعب كما يدخل الخيط في سم الإبرة يبدأ العمل بهما (الخيط والإبرة) لإنجاز خياطة أو ترقيع ثوب. فلم يخرج الحزب عن خدمة الشعب ولم يفكّر الشعب يوماً بالتخلّي عن الحزب يوماً، وأثبت “استفتاء الاستقلال لجنوب كوردستان” مؤخراً أن الشعب الكوردي يعي تماماً أهمية وجود وبقاء ونمو الحزب الديموقراطي الكوردستاني، رغم نمو وظهور أحزابٍ عديدة إلى جانبه ومن حوله كما تنمو الأعشاب حول جذع الشجرة الراسخة في الأرض، ومعظمها محاولات إحتواءٍ لهذا الحزب العريق، بدءاً من هزيمة عام 1975، حيث سعى أعداء الكورد وكوردستان إلى إنشاء بدائل هزيلة للقضاء عليه في محنته، إلاّ أن وعي الشعب الكوردي بضرورة الحفاظ على هذا الجسر الذي يمر عليه إلى الحرية قد ساهم في خروج الحزب من قاع الهزيمة التي لها أسبابٌ عديدة لا مجال لذكرها الآن، ومن ثم الاستمرار في كفاحه، رغم كل التحديات والعراقيل والمصاعب، وها هو وعي الشعب ينقذ الحزب مرةً أخرى من كارثة عظيمة بسبب خيانة 16 أوكتوبر عام 2017 الشهيرة التي شارك فيها بعض قادة الكورد أسيادهم من عراقيين وإيرانيين وبدعم من جهاتٍ اقليمية ودولية لإحباط المسيرة الكوردية على طريق الاستقلال، ومن ثم فقد منح الشعب الكوردي صوته الانتخابي بأعلى نسبة للحزب الديموقراطي، سواءً في الانتخابات العراقية أو في انتخابات برلمان كوردستان وذلك لأن هذا الشعب واعٍ ومدرك لأهمية الجسر الذي بناه الرعيل الأوّل بعد الحرب العالمية الثانية على طريق الخلاص والتحرير. ومن يستطيع إجهاض كفاحٍ يقوم على أساس وعي الشعب.
وعليه، فإن تزايد عدد الأحزاب في كوردستان لايقوي ولا يضعف من أهمية وجود واستمرار الحزب الديموقراطي الكوردستاني الذي لا زال على “نهج البارزاني”، ومن الأفضل لشعبنا، في الأجزاء المختلفة من كوردستان، دعم هذا الاتجاه وتقويته والمساهمة في ترميمه وإصلاحه وإزالة الشوائب من مواد بنائه والدفاع عنه على كل المستويات وتوسيع قاعدته ليكون ويبقى ممثل الأمة الكوردية الأهم والأقوى، فالذين قسموا كوردستان ماتوا وبقيت هذه الأمة، والذين حاربوا طموحها القومي المشروع بمختلف الأسلحة، حتى باستخدام السلاح الكيميائي والتهجير والتقتيل والإعدامات والتعذيب، كلهم ماتوا ويموتون وهذه الأمة باقية تتابع سيرها بثقة عالية بذاتها وبإيمانٍ لا يتزعوع بالله الذي خلقنا شعوباً وقبائل لنتعارف لا لنتحارب، والذين خانوا أمتهم المضطهدة وشاركوا الأعداء في خططهم التدميررية ماتوا ويموتون والكورد مستمرون في كفاحهم من أجل الحرية، وهم يعلمون أن العمود الفقري لنضالهم هو الفكرة التي تأسس عليها الحزب الديموقراطي الكوردستاني، ألا وهي: الشعب الكوردي له الحق الشرعي والقانوني في إدارة نفسه بنفسه كأمة مثل سائر الأمم في العالم.
وما على قادة هذا الحزب، في أجزاء كوردستان الممزقة، وفي ظروف التعاون الواسع النطاق للأعداء على أمتنا إلاّ أن يغيّروا من سياستهم الحالية إلى استراتيجية تحرير وتوحيد كوردستان، فالعالم كله يعلم الآن أننا أمةٌ واحدة وأن أعداءنا متحدون دائماً في وجهنا، وما علينا سوى أن نتوصل إلى اتحادنا على كل المستويات، وقبل كل شيء يتوقف انتصارنا في هذا المجال على أساس بناء وتوحيد المنظمات والجمعيات والاتحادات لكل المهن ومختلف النشاطات الثقافية والعلمية والاعلامية والاقتصادية على أساس كوردستاني رافض للتجزئة والتقسيم، أي التحوّل إلى استراتيجية كوردستانية شاملة بعد أن ثبت لنا التنسيق التام بين أعدائنا في وضح النهار ضد أصغر مطلبٍ من مطالب شعبنا، حتى إجراء “استفتاء ديموقراطي” في جزءٍ صغير من كوردستاننا.
kurdaxi@live.com