الحركة الكردية في سوريا والمهام العاجلة

الدكتور عبد الحكيم بشار

في المؤتمر العاشر لحزبنا (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي) الذي اتسم بالجرأة في طرح معظم القضايا الوطنية والقومية ، كان أحد أهم هذه القضايا التي تصدى لها المؤتمر بالمزيد من النقاش والحوار هي أسباب عدم تمكن الشعب الكردي في المنطقة من الحصول على حقوقه القومية المشروعة ، بل حرمانه من كافة حقوقه ، بينما نجح العرب والترك والفرس في الحصول على حقوقهم والبعض منهم على اكثر من حقوقهم
وتوصل المؤتمر إلى أن الظروف الذاتية والتي تجلت بعدم نضج الوعي القومي لدى الشعب الكردي وقادته وانشغالهم بقضايا خلافية ثانوية أدت على الدوام إلى تشتتهم وتبعثر قواهم قد لعبت دوراً أساسياً إلى جانب الظروف الموضوعية لفشل الكرد في عدم تحقيق حلمهم القومي المشروع خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية حيث حصلت معظم شعوب المنطقة على استقلالها الناجز ، ولكن هل أدرك قادة الحركة الكردية في سوريا هذه الحقيقة التاريخية ؟ وهل أبدوا ويبدون عزمهم على عدم تكرار نفس التجربة بإلقاء اللوم كل اللوم على الظروف الموضوعية تهرباً من استحقاقات الظروف الذاتية ؟ هل نجح القادة الكرد بالارتقاء بالظروف الذاتية لحركة الشعب للمواءمة مع الظروف الموضوعية لتحقيق أفضل الشروط الذاتية واستثمار الظروف الموضوعية في اللحظة التاريخية المناسبة التي أثبت التاريخ أنها لا تتكرر كثيراً ؟ ولا تنتظر حتى إنضاج  الظروف الذاتية ، مما يستدعي من الحركة التوقف عندها بكل وعي وجرأة.
ولكن ما يجري حالياً على الساحة السياسية الكردية السورية أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها لاتزال بعيدة عن تحقيق أفضل الشروط الذاتية للحركة ، ففي الوقت الذي تسير الأحداث الإقليمية والدولية بسرعة كبيرة والتي لابد أن تفرض في النهاية أحداثاً وطنية لا نستطيع التكهن باتجاهات التطور فيها ، وإن تسارع الأحداث والتي باتت تفرض نفسها باستمرار والتي تتطلب من الحركة موقفاً موحداً وذلك عبر خطاب سياسي وموحد ، وهيكلية نضالية حاملة لهذا الخطاب ، وتهيئة الشارع الكردي بالشكل المناسب ، فإن الجدل بين أطرافها لايزال يدور حول عدد من الجمل والمصطلحات بل الكلمات والمفردات السياسية وبعض العبارات والتي لا ترتقي جميعها إلى مستوى يجعلها نقاط خلافية تؤدي إلى انقسام وتقسيم الحركة أو إلى عدم تمكن الحركة من توحيد كلمتها.
إنني أعتقد ورغم ضرورة حل جميع الإشكالات بين أطراف الحركة بالحوار الأخوي الهادئ ولكنني في الوقت نفسه أعتقد أن الزمن لا ينتظرنا ، أي أننا لا نستطيع أن نوقف عجلة التاريخ والأحداث وتطوراتها في لحظة زمنية معينة بانتظار إنجاز الاتفاق على جميع المصطلحات والعبارات والمفاهيم ،واعتقد أن توفر حسن النية وإرادة التوحيد لوحدهما كفيلان بإنجاز المشروع الوطني الكردي والذي يمكن تلخيصه بـ :
1-  الاتفاق على رؤية كردية مشتركة شاملة للحركة الكردية في سوريا في أسرع وقت ممكن ، فجميع نقاط الخلاف هي أقل بكثير من أهمية الاتفاق والرؤية المشتركة في الوقت الراهن وتأجيل نقاط الخلاف وإبقاء الحوار الداخلي مستمراً بصدد النقاط الخلافية .
2-  إيجاد هيكلية تنظيمية مؤقتة (إطار مؤقت) تحت أي اسم يعبر عن الرؤية المشتركة ويدافع عنها ويكون من ضمن مهام ذلك الإطار أو الأحزاب المنضوية فيه الإعداد لمرجعية كردية شاملة (مؤتمر وطني – مجلس وطني كردي – مرجعية كردية) أو أي اسم آخر .
لقد بات ملحاً أن يعرف أصدقاء الشعب الكردي في سوريا من القوى الوطنية الديمقراطية السورية وكذلك أصدقاؤنا من القوى الديمقراطية الأوربية وجمعيات حقوق الإنسان والمجتمع المدني وكل مناصري الشعب الكردي أفراداً وهيئات غير حكومية وغير رسمية وجهات رسمية ماذا يريد الشعب الكردي في سوريا وحركته ؟ ، ليستطيع أن يحدد كيفية التعامل معها .
إن المطلوب منا جميعاً الخروج من دائرة الصراع الحزبي والارتقاء بالظروف الذاتية للحركة إلى أفضل الصيغ ،واستثمار الظروف الموضوعية والتي تتجه نحو مرحلة النضج بغية تحقيق مكاسب حقيقية لشعبنا الكردي في سوريا والذي وضع ثقته في حركته ، وآماله على قادته ، فلنكن جميعاً على مستوى الأحداث والمسؤوليات التاريخية التي تحملناها طواعية.


20 تموز 2007

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…