الرئاسة العراقية .. بين المنافسة واصطفاف الأجندات

روني علي
    لعل الملفت في الحملات الانتخابية في إقليم كوردستان هو إطلاق الغالبية الغالبة من الكيانات المنخرطة في الاستحقاق الانتخابي لوعود – والتي تتمحور في غالبيتها حول تداول السلطة وتحسين الوضع المعيشي والقضاء على الفساد واحتكار الثروة وإطلاق فرص العمل أمام الجميع، فضلا عن تحقيق العدالة في توزيع الثروة عبر القضاء على الفساد الإداري والمالي .. إلخ – تتجاوز وحدود إمكاناتها، فيما لو اعتمدنا على خطابها – خطاب هذه الكتل – بأن الإقليم ليس سوى “بقرة حلوبة” برسم الحزبين الحاكمين وأن سيطرة هذين الحزبين على مفاصل الحياة، وبكل جوانبها، هي العائق أمام أي شكل من أشكال التطور، لكونهما يمتلكان “القوة” التي تخولهما احتكار كل شيء، دونما كشف هذه الكيانات عن مصادر قوتها وآليات تحقيقها، فيما لو وضعنا الطرح الشعاراتي جانبا . 
والملفت أيضا، وحين التمعن في مفردات خطاب هذه الكيانات، وكأن الإقليم دولة مستقلة “ذات سيادة كاملة” وأن الاستحقاق الانتخابي يصب في خانة تغيير الشكل والمنهجية، سواء في الحكم أو إدارة شؤون الدولة، بحكم خلو هذا الخطاب من مرتكزات بناء الدولة وحتى مفهوم السيادة ومقوماتها، خاصة وأنه – الخطاب – يحاول القفز على ما جرى ويجري في مواجهة الإقليم ومعاقبة مواطنيه على خلفية انحيازه إلى التعبير عن ذاته وتقرير مصيره عبر صناديق الاستفتاء، بالسلاح من جانب الحكومة المركزية وبالعقوبات من جانب كل من تركيا وإيران، فضلا عن صمت المجتمع الدولي حيال ما تعرض له، وحدوث المزيد من الشروخ في تركيبته السياسية وانهيار العديد من التوافقات لصالح التيارات والكيانات السياسية التي عبرت عن رأيها “بعد الاستفتاء” من أنها لم تكن إلى جانب الخيار الذي “اتخذه” الديمقراطي الكوردستاني و”إقدامه” على استفتاء الشارع الكوردي بشأن تقرير مصيره وما نتج عن ذلك من انسحابات متتالية من الحكومة “التوافقية” كشكل من أشكال التعبير عن رفضها لما حصل وربما بهدف إيداع رسائل لدى أكثر من جهة – داخلية كانت أم إقليمية – كنوع من تبرئة ساحتها من المآلات، وكأن الشارع الكوردستاني لم يكن جزء من المشروع وأن النسبة التي حققته الاستفتاء كانت مجرد أرقام لا أهمية لها .. كل هذا وتراجع هذه الكيانات عن مداعبتها لنبض الشارع إبان الاستفتاء، يحيلنا إلى قراءة العملية الانتخابية من جانبها على أنها تأكيد على تلك الرسائل “الموجهة” ضمن “لعبة سياسية” تستمد حضورها من توازنات أجندات القوة المتحكمة برسم المسار السياسي في العراق ككل، ويدفعنا إلى الوقوف أمام أكثر من إشارة استفهام حول ما ترمي إليه وتخطط لمستقبل الإقليم . 
وبموازاة مثل هكذا خطاب، نقرأ طغيان النبرة الخطابية نفسها التي كانت سائدة إبان الإعلان عن مشروع الاستفتاء في الحملة التي يقودها الحزب الديمقراطي الكوردستاني حول مقومات الدولة وحق الشعب الكوردي في تحقيقها، وظهور زعيم الحزب مسعود البارزاني وإدارته للحملة بذات القوة التي أدار بها حملات الاستفتاء، لا بل تأكيده في كل محفل على صوابية قراره بشأن مشروع الاستفتاء وتمسكه بالنتائج، واعتباره ذلك منجزا تاريخيا للشعب الكوردي، وهو نفس الخطاب الذي استند عليه نائبه نيجيرفان البارزاني وكذلك قيادة الحزب ومرشحي قائمته، وتركيز الكل على أن الطريق إلى التطوير المنجز والإصلاح الشامل  يمر “بالضرورة” عبر تقوية سياجات الفيدرالية وتحقيق هوية الإقليم، فضلا عن التأكيد على تعزيز مقومات القرار الكوردي الموحد في مواجهة الاستهدافات وقطع الطريق أمام كافة أشكال التدخل في شؤونه، والوقوف في وجه مساومات المصالح من لدن مراكز القرار الدولية والإقليمية على حساب قضية شعب لن يساوم، وكأن ما حصل في مواجهة الإقليم كان مجرد جس نبض لإرادة أبنائه وأن المشروع القومي المعبر عن ذاته في الاستفتاء لم يزل يمتلك كل مقوماته ومرتكزات فوته .. ومثل هذه النبرة الخطابية أيضا تحلينا إلى الوقوف أمام عدة إشارات استفهام ولعل أولها وأهمها : من أين يستمد هذا الخطاب قوته ضمن لعبة التوازنات والأجندات .؟. وهل لها صلة فيما يجري الآن من تخلخل داخل الاصطفافات السياسية العراقية..؟ أم أنها قراءة نابعة من محاولات الرئيس الأمريكي “الإعلامية” ترامب للجم المد الإيراني وكذلك ما يجري في الداخل الإيراني من احتقانات أو ما تواجهها في محورها السوري .؟ أم أن هنالك نقاط خفية لم تتوضح معالمها بعد .؟. خاصة وأن مفردة الخيانة ووصف حلفاء الحملة العسكرية على كركوك بالخونة كان حاضرا في كل محطة من محطات الدعاية الانتخابية للحزب وهو ما لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، بجكم أن لذلك تداعياته الداخلية والإقليمية.
خلاصة القول : إذا كان لنا أن نحيل كل ما سلف إلى أدوات اللعبة الانتخابية وتناوله من زاوية عاطفية ووضعه ضمن سياق “الترويج الانتخابي” في محاولة لكسب أصوات الشارع لصالحه قائمة الحزب، لكن علينا ألا نغفل أو نتغافل – كما أسلفنا – من تداعيات هكذا خطاب ضمن لعبة الأجندات التي تتحكم في رسم اللوحة السياسية في العراق بتوازناتها وإفرازاتها ومكامن القوة والضعف فيها إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن للحزب مرشحه للرئاسة العراقية وأن المرشح نفسه “الدكتور فؤاد حسين” قد أعتمد ذات الخطاب وأطلقه في مؤتمره من بغداد . وهنا لا بد لنا أن نتساءل : إلى ماذا يهدف الحزب الديمقراطي الكوردستاني وزعيمه مسعود البارزاني ..؟ هل الهدف من حملته الانتخابية في الإقليم وبغداد هو تحويل مشروعه القومي إلى واقع مفروض وبالتالي حقيقة في مواجهة الكل والدخول إليها من “ثغرات” التآكل السياسي الحاصل في بغداد، أم أنه يهدف إلى كسب الرهان على منصب الرئاسة ..؟ مع أن الهدفين هما على طرفي نقيض من جهة الأداء والآليات، خاصة وأن منافسه للرئاسة قد انتقى من حزبه وجوها اصطحبهم معه إلى بغداد في حملته الدعائية ممن هم الأوفر حظاً لدى المحاور السياسية التي تتحكم في القرار العراقي وتحديدا لدى مهندس اللعبة السياسية في العراق .. وأعني به إيران .
وتبقى الأجوبة برسم الأيام القادمة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…