عبدالغني علي يحيى
هناك أكثر من شهادة على أن الدولة العراقية قامت على أسس خاطئة واستندت على وحدة قسرية لمكونات أجتماعية متنافرة: الشيعة، الكرد، السنة ومنذ قيام هذه الدولة في عام 1921 فان الحروب والثورات والأنتفاضات والأنقلابات لم تفارقها كتعبير عن الرفض للخطأ، ليس في عقد واحد بل في جميع العقود، وبدل من أن يشهد الصراع في العراق تراجعاً ولو مؤقت، فأنه “الصراع” كان يشتد ويتفاقم بمرور الأعوام والعقود، واخفقت النظم التي سادت البلاد في تحقيق الاستقرار والأمن فيه، فالأحتلالين الأنكليزيين المباشر له 1914 – 1918 فشل وفشل فيما بعد إحتلاله غير المباشر أيضاً 1921 – 1958، وكان النظام السني الذي حكم العراق نيابه عن الأنكليز بين 1921 و 1958 وبشكل غير مباشر قد فشل أيضاً كما فشل حكمه المباشر 1958 – 2003 في تحقيق الأمن والأستقرار للعراق إذ أنه في جميع عقوده و عهوده لم يفلح في القضاء على الحروب الداخلية والمذابح والويلات ليس هذا فحسب بل أنه تورط في حروب اقليمية مع ايران كرة ومع الكويت كرة أخرى.
وبعد أنهيار النظام السني جرب الشيعة حظهم في أدارة العراق 2003 – 2018، ولقد تبين فيما بعد بان نظامهم كان من أسوأ النظم التي سادت العراق ففي ظله قتل ما يقارب المليون انسان وفي ظله ايضاً احتل داعش أكثر من ثلث مساحة العراق وفي ظله توسع التصحر وشحة الماء وانعدمت الخدمات واستشرى الفساد بشكل فظيع، علماً انه ساعة ولادة النظام الشيعي في 2003 وبعد اسابيع وشهور قليلة على ولادته وقفنا على عراق مقسم على 3 وان لم يعلن فالمثلث السني الذي تحول سكانه الى قاعدة اجتماعية للقاعدة وداعش ولحزب البعث خضع لسنوات ومايزال للقوى تلك ولم يتجرأ الشيعة والكرد على الاقتراب منه، كما ان اقليم كردستان كان وما يزال شبه دولة وكان ناجحاً في تحقيق الاستقرار والرفاهية والعمران ولاح كدولة لاتجمعه جامع مع دولة الوحدة القسرية العراقية، واختلف النظام في الجنوب الشيعي اختلافاً كلياً عن نظامي كردستان والمثلث السني . وحاول الكرد ان ينجزوا استقلالهم الكامل والخلاص من حكم النظام الشيعي والتحول من شبه دولة الى دولة مستقلة بعد ممارسات شاذة ضدهم من قطع لرواتب البيشمركة الى تخفيض لميزانية الاقليم..الخ ففي عام 2005 اجروا استفتاء على الأستقلال عن العراق، وصوت اكثر من 98% من الكرد على الأستقلال ومع ذلك لم يصر الكرد على ترجمة النتيجة واعتقدوا خطأ ان العيش في دولة الوحدة القسرية أفضل،غير انهم بعد ان تأكد لديهم الخطأ الذي وقعوا فيه، فانهم اجروا استفتاءا ثانياً في 25-9-2017 وصوت اكثر من 93% من الكرد لصالح الاستقلال ، إلا ان النظام العراقي وبدعم من ايران جرد حملة عسكرية ضخمة بقيادة الجنرال قاسم سليماني وبمعاونة من خونة كرد ودعم من الطغمة التركية الفاشستية الحاكمة في تركيا وقضى على الحق الكردي المشروع في الاستقلال والسيادة واحتل كامل اراضي المناطق المتنازع عليها وسط صمت ومباركة من الولايات المتحدة الامريكية .
واليوم بعد أن تبين للجميع الفشل الذريع للنظام العراقي في مواجهة عشرات الازمات الخانقة وثبت عجزه حتى في ضمان الحياة الحرة الكريمة لمكونه الشيعي في البصرة والجنوب ودخوله في ازمة سياسية برلمانية دستورية وبرلمان مزور 90% والذي سيكون اخر برلمان في تاريخ البرلمانات العراقية وستكون الحكومة الجديدة التي تنبثق عنه والتي بدورها مزورة اخر حكومة في دولة العراق القسرية. علماً ان العراقيين لم يقتنعوا بمصادقة المحكمة الاتحادية العليا على نتائج انتخابات يوم 12-5-2018 البرلمانية ولم يعودوا مقتنعين بقدرة الحكومة العراقية على معالجة الازمات المتعددة، ومثلهم الشعب الكردي الذي لم يعد مقتنعاً بالغاء تلك المحكمة لنتائج الاستفتاء على استقلال كردستان وسيعودون – الكرد – في القادم من الايام ليطالبوا بالاستقلال وبقوة هذا في وقت لم يكن الكرد فيه مقتنعين بالعيش في العراق منذ تأسيس دولته، وكما قال الاستاذ حازم صاغية انه لم يعد للكرد ولع بالعرب منذ تأسيس الدولة العراقية لما لاقوه من مظالم رهيبة على يدها. فان انعدام الولع الكردي بالعراق والعرب على اشده في عراق هذه الايام. وقال دونالد ترامب جملته المشهورة قبل اسابيع قليلة( اقسم بثلاث حافلات مليئة بالقران والانجيل والتورة، ان العراق لن ينعم بالاستقرار قط). وها هي الاحداث في العراق تؤكد صحة التنبؤ بنهاية العراق وتقسيمه الذي يعتبر الحل العملي والعادل الوحيد لأنها الاحتراب والاقتتال والجوع والحرمان وعلى ذكر الجوع يحضرني بيت للسياب:
( وفي كل عام حين يعشب الثرى نجوع
مامر عام والعراق ليس فيه جوع)
ان العراق يعيش الان في وضع كارثي ولن يقدر الخروج من. هذه الازمات أبداً وان نهايته وتقسيمه بات وشيكا، ولن ينقذ الشعوب العراقية من الاحتراب والاقتتال والمجاعات الا حل التقسيم، ولن يجدي نفعاً الابقاء على وحدته القسرية التي لم تستفيد منه سوى القوى الاستعمارية ودولتي ايران وتركيا والدكتاتوريات العميلة لهما في العراق وسوريا،وهذه الوحدة تستجيب لمصالحهم وليس لمصالح العراقيين وهنا يكمن السر في تمسك الامريكان والانكليز والاتراك والايرانيين بوحدة العراق القسرية. وأن من يراهن على التكتل النيابي الاكبر والحكومة الجديدة المرتقبه وعلى الكرد( بيضة القبان) في انضمامهم الى هذه التكتل أو ذاك، وكذلك على فتاوى المرجعية..الخ من الحلول والافكار العقيمة المطروحة لن يزيد الا من المعاناة العراقية، فاليوم خراب البصرة وغداً خراب العراق، اليوم خراب الجزء وغداً خراب الكل، وسوف تزداد الماسي وتنمو اكثر وليكن الحل عراقياً، تقسيم العراق وقيام ثلاث دول شيعية وسنية وكردية فيه، لقد تقدمت كردستان كثيرا عندما كانت وما تزال شبه دولة وفي حال تصبح فيه دولة فان تقدمها سيكون اضعافا مضاعفة القول نفسه ينسحب على الجنوب والوسط السني في حال استقلالهما وتحولهما الى دولتين مستقلتين انذاك تجدون كيف تتقدم الدولة الجنوبية الشيعية على جميع دول الخليج العربية وفي المجالات كافة، وكيف يقوم التعايش بين المكونات العراقية كل في دولته، لن يسود السلام والامان والمحبة في العراق والشرق الاوسط الا بتطبيق الحل المنوه عنه وبعكسه فان كوارث ونكبات القادم من الايام ستكون افظع وأشد من التي سبقتها وسوف يكون العراق القسري في المستقبل اشد وقعاً وظلماً من العراق الحالي والعهود السابقة.